الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرية المراسلات والاتصالات

ميشال شماس

2006 / 5 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


قرأت في كتب التاريخ أن عمر بن الخطاب كان يتتبع أحوال الناس ويتسقط أخبارهم خفية دون علمهم وقد روي عنه أنه: ( خرج في ليلة مظلمة يتفقد الأمور في المدينة فسمع صوت رجل يتغنى ، فتسور الحائط وهبط أرض الدار فوجد رجلاً أمامه إناء خمر، فقال له عمر : ياعدو الله أظننت إن الله يسترك وأنت على معصية ؟ فأجابه الرجل وقد عرف أنه عمر: يا أمير المؤمنين إني قد أخطأت فأقبل توبتي، فأجابه عمر: إني أريد أن أضربك الحد على هذه المعصية، فرد الرجل قائلاً : لاتتعجل وأنصفني، أنا عصيت الله مرة واحدة، وأنت عصيت الله ثلاثاً، فالله قد قال "ولاتجسسوا" وانت تجسستَ ، وقال : " وآتو البيوت من أبوابها : وأنت تسورت وأتيت من السطح ، وقال:" لاتدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها" أما أنت فقد دخلت علي بغير إذن ولا سلمت..
هذه الرواية إن دلت على شيء، إنما تدل على أن حق الإنسان بحماية حياته الخاصة من أي تدخل مهما كان نوعه ومصدره، هو حق مقدس كرسته مختلف الشرائع السماوية والأرضية، وعلى الناس كافة الالتزام باحترام هذه الخصوصية، مع التأكيد أن هذا الالتزام يقع أولاً على عاتق الحكام قبل المحكومين.
ومنذ أن بدأت الحياة الإنسانية على هذه الأرض، والإنسان مازال يتعرض للتدخل في حياته الخاصة بأشكال مختلفة بدأت أولاً بطرق بدائية ثم تطورت وازدادت تعقيداً مع تطور وسائل الاتصال والمراسلات نتيجة التطور العلمي الهائل الذي شهدته البشرية، حيث أصبح الإنسان عارياً ومكشوفاً، وبات بالإمكان وفي أي وقت تتبع حياة الفرد الخاصة بكل تفاصيلها، بفضل وسائل التدخل المتطورة التي تمتلكها الدول وخاصة أجهزتها الأمنية في محاولة للتجسس على مراسلات والتنصت على الاتصالات الهاتفية القوى والأفراد والاطلاع عليها بهدف استخدامها كوسائل ضغط وتهديد ضد المعارضين منهم بشكل خاص، وهذا مايشكل تدخلاً سافراً وتعدياً مباشراً على حياة الفرد الخاصة.
وطريقة التنصت على الاتصالات والمكالمات الهاتفية بمختلف أنواعها، لا يمكن مقارنتها بمراقبة المراسلات فالشخص عندما يكتب رسالة أو كتاباً إلى أشخاص آخرين يركز ذهنه ويرتب أفكاره وينتقي الكلمات التي يعبر بواسطتها عما يختلج في نفسه تجاه الشخص الذي يكتب إليه أو يراسله، أما من يتحدث على الهاتف ليتصل بشخص أخر أو ليرد على مكالمة، فإنه يتكلم بعفوية دون تركيز مسبق، بل ويترك لسانه أحياناً على عواهنه غير عابئ بما يرتبه من نتائج لأنه كلام في الهواء لا يترك أثاراً، ويمكن أن لا يكون معبراً إلا عن نزوات عابرة.
ولهذا أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العالمية في المادة 12 منه :( لا يُعرّض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه ومراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات ).كما إن العهد الدولي الخاص في الحقوق المدنية والسياسية أكد في المادة 17 منه على: "عدم جواز التدخل بشكل تعسفي أو غير قانوني بخصوصيات أحد أو بعائلته أو بيته أو مراسلاته ، كما لايجوز التعرض بشكل غير قانوني لشرفه وسمعته ".
ولم يخرج المشرع السوري عن هذا الإطار، حيث أكد على حماية هذه الحرية وأحاطها بسياج من التدابير القانونية، بدءاً من المادة 32 من الدستور السوري نصت :"على أن سرية المراسلات البريدية والاتصالات السلكية مكفولة وفق الأحكام المبينة في القانون ".كما شدد على معاقبة من ينتهك تلك الحرية في قانون العقوبات فنصت المادة 566 منه : "1- يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين كل شخص ملحق بمصلحة البريد والبرق يسيء استعمال صفته هذه بأن يطلع على رسالة مختومة أو يتلف أو يختلس أحدى الرسائل أو يفضي بمضمونها إلى غير المرسل إليه .2- وتنزل العقوبة نفسها بمن كان ملحقاً بمصلحة الهاتف وأفشى مخابرة هاتفية اطلع عليها بحكم وظيفته أو عمله" . كما نصت المادة 567 منه على :" 1- أن كل شخص أخر يتلف أو يفض قصدا رسالة أو برقية غير مرسلة إليه أو يطلع بالخدعة على مكالمة هاتفية يعاقب بغرامة لا تتجاوز مائة ليرة سورية . 2- ويقضى بالعقوبة نفسها على من اطلع على رسالة أو على مخابرة أو برقية أو هاتفية في إذاعتها إلحاق ضرر بأخر فأعلم بها غير من أرسلت إليه".
وبالرغم من كل تلك المواثيق والعهود الدولية والتشريعات الوطنية التي كرست حماية حياة الإنسان الخاصة تحت طائلة العقوبة، إلا أن مراقبة المراسلات والاتصالات الهاتفية لم تتوقف، بل ازدادت وتوسعت في ظل استمرار فرض حالة الطوارئ، التي مازالت تقيد أحكام الدستور والقوانين المنبثقة عنه وتكبلها منذ أكثر من ثلاثة وأربعين عاماً.وهذا الأمر لايقتصر على سورية وحدها، بل نجده أيضاً في أغلب دول العالم بنسب متفاوتة، إلا أنه يبرز بشكل فاضح وجلي خاصة في الدول العربية والنامية التي تضعف فيها ممارسة الأفراد لحرياتهم العامة إلى حد كبير، وتُنتهك فيها أيضاً سيادة القانون وتكثر فيها عمليات التنصت والمراقبة تجاه الخصوم السياسيين خلافاً لما نصت عليها دساتيرها وقوانينها..الخ.
والملاحظ أن عمليات مراقبة المراسلات والتنصت على المكالمات الهاتفية توسعت في السنوات الأخيرة بشكل كبير، بعد انتشار العمليات الإرهابية، واتساع عمليات تهريب المخدرات والأسلحة، حيث لجأت كثير من الدول المستهدفة منها أو غير المستهدفة، وفي الأحوال التي توجب فيها دقة التحقيقات وخطورة تلك الجرائم اللجوء إلى طريقة التنصت على المكالمات الهاتفية، ومع إدراكنا لأهمية مراقبة مرتكبي هذا النوع الجرائم الخطيرة، وبما يمكّن من تفادي أية أعمال إجرامية قبل وقوعها، ولكن يجب أن يتم ذلك فقط ضمن نطاق ضيق جداً بحيث يكون العمل الاستدلالي الذي يخرق سرية المخابرات الهاتفية أو حصن الحياة الخاصة محدوداً في نطاقه واستثنائياً في استعماله، على أن لا تشكل نتائج الاستدلال هذه إلا دليلاً من بين الأدلة القابلة للمناقشة الوجاهية أمام القضاء.
باختصار يمكن القول إنه بغياب سيادة القانون وعدم وجود سلطة قضائية نزيهة وقوية، سوف تبقى جميع الحقوق والضمانات التي تضمنتها المواثيق والعهود الدولية والتشريعات الوطنية المتعلقة بحقوق الإنسان بدون فاعلية، وستبقى كذلك، ما لم نسع بكل قوة لنشر روح الحرية واحترام القانون وتأصيلها في نفوس الحكام والمحكومين على حد سواء، وجعلها حية في قلوبهم على الدوام.
دمشق في 6/5/2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نادين الراسي.. تتحدث عن الخيانة الجسدية التي تعرضت لها????


.. السودان.. إعلان لوقف الحرب | #الظهيرة




.. فيديو متداول لحارسي الرئيس الروسي والرئيس الصيني يتبادلان ال


.. القسام: قنصنا جنديا إسرائيليا في محور -نتساريم- جنوب حي تل ا




.. شاهد| آخر الصور الملتقطة للرئيس الإيراني والوفد الوزاري في أ