الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية التمثيلية او الحرية : حتمية الثورة في تونس

رضا كارم
باحث

2019 / 6 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


الديمقراطية التمثيلية أو الحرية: حتمية الثورة في تونس
إن ما يحصل لواقعنا المشترك في أيامنا هذه، على غاية من الأهمية بما يهيئه لحسم القادم على مدى متوسّط. فقد استعمل سياسيّ مرتبط بحلقات المافيا المحلية والدولية وسيلة إعلام شعبية تحظى بثقة جمهور واسع من التونسيات والتونسيين، ليقدم نفسه باعتباره أملا أرسلته السّماء لإنقاذ المؤمنين من ضلال الاحزاب السياسية وزيف ادعاءات السّاسة قادة ومعارضين. ولجعل مقالته هذه راسخة في لاوعي مقولب وفق آليات العاطفة والشعور عمد هذا السياسي حاد الذكاء إلى استعمال حادثة موت ابنه فوضع استيديو سماه باسمه ليكشف عن ذات باحثة عن التضامن العائلي من جهة ومستهدفة رحمة الاله من جهة ثانية ثم زاد فأنشأ جمعية منحازة الى مقالات الدين تنتصر إلى الخير طلبا للرحمة على الابن فحسب ولا حاجة لها بسياسة او مناصب. فغالى في توزيع الطماطم والملابس المستعملة وأغطية الصوف ولوازم المطبخ والكراسي المتحركة لمحتاجيها من المقعدين وغيرها من الصدقات العينية التي استعمل خلالها صاحبنا تبرعات التونسيات والتونسيين بحثا عن رحمة لابنه وفق قوله.
ثمّ أعلن ترشّحه للعمل السياسي المباشر، فخرجت إحصاءات الرأي بتسوّده وتضعه على رأس زبائن البورجوازية الشمولية الكونية.
إنني لا أعتقد أن صعود هذا السياسي مرتبط بالعمل الخيري بما هو كذلك. لقد دخل الرجل قلوب العائلات منذ تخلى عن برامج الاثارة والعبث وتوجه الى دبلجة مسلسلات تركية مثيرة للمشاعر. وقد وجدت أقسام واسعة من المجتمع التونسي من مختلف الأعمار والاديولوجيات والطبقات في تلك الاعمال الدرامية ما يسر الناظر ومنها ولج صاحبنا السياسي إلى الذائقة العامة باعتباره خيرا من غيره من جماعات التفاهة والاثارة المجانية، واستقرّ باللاوعي مثالا أفضل من المعروض على الساحة الاعلامية. ثم جعل من قناته قناة تجمع الاخباري والسياسي بالدرامي والشاعري جمعا لطيفا أقبل عليه المجتمع مما بوب القناة في المرتبة الأولى لمدة طويلة كاسرة بذلك احتكار المافيوي سامي الفهري للمشهد الاعلامي.
ولما كان جمهور المتابعين عاطفيا مستعدا للانحياز إلى البكائين ونادبي حظوظهم وأقدارهم، فقد عمد صاحبنا إلى اصطناع مظلومية واحتفل دامعا بطغيان الحكومة ويوسف الشاهد رأسا مقابل وقوعه تحت ذلك الطغيان. وربط ربطا بالغ الاتقان بين ظلمه باعتباره مفردا وظلم مشاهدي تلفزته وطالبي مساعدات جمعيته الدينية، فنقل الظلم الذي يدعي انه يستهدف شخصه الى ظلم يتجاوزه ليسلّط على جمهوره الواسع من الفريقين: مشاهدين ومتسولين.
وربما كانت إحصائيات صديقه حسن الزرقوني غير بعيدة عن الحق كثيرا. ولذلك انتقل الشاهد والنهضة لضرب مرشح إيطالي مفترض تحقيقا لخطة فرنسية في تقسيم السلطة بين الفاسدين الحاكمين اليوم.
إننا إزاء معركة بين المافيات الدولية توتال وايني وغيرهما تدار هذه المرة على أرض تونس. وليس غريبا إذن أن يكون القروي على علاقة ببلحاج إيطالي التحالفات. ولا يمكن فهم الصمت الفرنسي -الاوروبي عامة خارج هذه المعادلة الرئيسية.
لكن ما المهم في هذا الصراع؟
أعتقد أن الديمقراطية التمثيلية انفضحت بالكامل ولم يعد ممكنا إخفاء فظاعاتها. من الجلي انها ديمقراطية البورجوازية التي تنتج قوادين يضعون قوانين واحد بالمائة من العموم ويزينون جرائمهم يمقالات الحداثة والحرية والنمط التونسي وخيبات لغوية أخرى.
ولا ينجحون في ذلك دون حركة النهضة التي تمثل الشيطان المثير لرعب الجميع والتي يستهدفها الديمقراطيون القوادوان حماية للنمط التونسي غير الموجود أصلا.
فحركة النهضة اكثر حداثية من أي حزب سافل آخر، وهي فعلا ممثل حاسم للبورجوازية الكونية الشمولية التي تطغى اقتصاديا وعسكريا وثقافيا وتهيمن على الانسانية باسرها. وبدل قيادة معركة ضد المكونات الحزبية التي تدور في فلك البورجوازية الشمولية، تصدر لنا وسائل الاعلام خطرا تافها اسمه الإسلام السياسي، ولكنه في الواقع أبرز تابع كولونياليا والأول على مستوى الارتباط والاكثر موثوقية لدى البورجوازية الشمولية الكونية. وليس صاحبنا البكاء ولا الشاهد ولا الباجي الموؤود الذي تم تصميته بقادرين على شيء أمام الموقف الدولي من النهضة.
إنهم يصارعون تابعا من اجل افتكاك مشروعية الاتباع وفضيلة المرتبة الأولى او القواد الأول لفرنسا أساسا ومن خلالها امريكا وصحبها الآخرين.
ليس هؤلاء جميعا أكثر من متنافسين على حيازة ثقة البورجوازية الكونية باستعمال أصواتنا ونداءاتنا للديمقراطية التمثيلية الرديئة التي تجيء بالمنخنقة وما ترك السبع ولا تفعل خيرا من ذلك. نحن إزاء كذابين يدعون الدفاع عن خبزنا وحريتنا، ثم ينقلبون ضد الحرية والخبز باتخاذ تدابير تنتفع منها دوائر الهيمنة الكونية على حساب الانسان هنا وفي كل مكان.
فهلا تركنا نبيل القروي والغنوشي والشاهد والباجي ومرزوق وحمة والرحوي ينطون كالعصافير البريئة بحثا عن مفترس ناعم يحسن القتل ويحسن إخفاء جريمته؟
متى يتوقف العقل الانتظاري المذعور من قدرته على التغيير والذعر من جاره المهموم والواثق من نبيل القروي الايطالي البورجوازي؟
متى ننأى بنا عن مسرح العار الإطلاقي هذا ونصنع خبرتنا المشتركة هنا؟
خارج التنظم الذاتي الذي نطلقه احرارا وننخرط فيه واعين ليس لنا من أمل. ودون حرية وعقل لا قيمة لأي عيش.
لنتأمل هذا القول لباكونين:" لقد وافق الرب الشيطان واعترف أنه(الشيطان) لم يخن آدم وحوتء حين وعدهما بالعلم والحرية مكافأة لهما لفعل العصيان الّذي دفعهما لارتكابه: فمنذ أكلهما الثّمرة المحرّمة قال الرّبّ في نفسه: أخيرا صار الإنسان مثيلا لنا يعرف الخير والشّرّ؛ فلنمنعه إذن من أكل ثمرة الحياة الأبديّة حتّى لا يصير خالدا مثلنا" (...) إنّ المعنى هنا شديد الوضوح. لقد تحرّر الإنسان وانفصل عن الحيوانيّة( غياب الحرية والعلم) وأسّس ذاته باعتباره إنسانا بدأ تاريخه وتطوّره الإنسانيّين الخالصين من خلال حركة عصيان وعلم، أي من خلال الثّورة والفكر."
DIEU ET L ÉTAT, 1870, p8.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تخرب محتويات منزل عقب اقتحامه بالقدس المحتلة


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل إلى صفقة ونتنياهو يقول:




.. محتجون أمريكيون: الأحداث الجارية تشكل نقطة تحول في تاريخ الح


.. مقارنة بالأرقام بين حربي غزة وأوكرانيا




.. اندلاع حريق هائل بمستودع البريد في أوديسا جراء هجوم صاروخي ر