الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف جعلت فرنسا من المدرسة وسيلة لغزو المغاربة

البرني نبيل

2019 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


من المؤكد أن التعليم خلال مرحلة الحماية الفرنسية، وبالضبط مرحلة تواجد ليوطي كمقيم عام في المغرب، كان سلاح ذا حدين، أي يمكن أن يساعد في تنمية البلاد، أو يساهم في انتشار الوعي وانقلاب المغاربة على مستعمرهم، لكن إدارة الحماية حاولت تغليب ما يخدم مصالحها وأهدافها، عبر توظيف المؤسسات الاستعمارية الفرنسية تجارب سياستها وأساليب الهيمنة التوسعية في كل من المشرق العربي وإفريقيا وآسيا لنهج أسلوب جديد لاحتلال المغرب واستعماره واستيطانه. يأخذ الأسلوب الجديد بعين الاعتبار وبوجه أخص التجربة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر وتونس نظرا لما يوجد بين البلدان الثلاث من روابط جغرافية وتاريخية ولغوية واثنية وفي المقومات الحضارية كذلك.
فإذا كانت الحماية الفرنسية قد غزت المغاربة بحد السلاح، فأنها قد غزتهم كذلك عن طريق الفكر والتعليم، لأن المعلم في نظر الفرنسيين رسول الحضارة وبطل التقدم، على قاعدة أن التعليم أداة من أدوات السلطة في الحكم، هذا ما كان الفكر الاستعماري الفرنسي على وعي تام به وحريص على ديمومته عبر اعتماد آليات للاختراق عبر التعرف على المغرب وأهاليه بطرق اديولوجية وسلمية حاضرة بقوة في الاستراتيجيات الاستعمارية الفرنسية في المغرب وتجاوز المواجهة العسكرية.
من هذه المنطلقات أدركت فرنسا وتياراتها الاستعمارية بكل توجهاتها قيمة المعرفة وتوظيفها لتحقيق وإنجاز مشاريع توسعية، بأقل ما يمكن من خسائر مادية وبشرية وبوسائل أكثر فعالية ونجاعة لإطالة وترسيخ مظاهر هذا الاحتلال، كما أدركت أهمية الاعتماد على المعرفة لتبرير مشروعها الاستعماري والدفاع عن شرعيته كواجب تحضيري وتمديني.
على هذا الأساس تم إحداث مجموعة من المؤسسات، التي في أصلها خلقت لأهداف نبيلة وتمدينية وإنسانية، كالمؤسسة التعليمية التي اعتمدتها فرنسا من وسائل الاختراق والغزو الفكري والثقافي وضمان مراقبة المجال، فضلا عن محاربة المؤسسات التقليدية للمجتمع المغربي، والحرص على إضعافها في تأطير المجتمع المغربي وتقليص امتدادها.
اعتمدت فرنسا بشكل واضح في سياسة التهدئة واختراق المجتمع المغربي على مؤسسات تعليمية في مختلف المناطق المغربية مند إحداث مصلحة التعليم العمومي سنة 1913 وإحداث مجموعة من المؤسسات التعليمية لتكوين جيل ونخبة محلية خدمة لفرنسا ومصلحتها في المغرب، عبر نظام يكون كبديل شبه متحضر للاستعمار على أوسع نطاق من أبناء البلاد. بينت التجربة كيف اهتمت فرنسا بحرب الثقافة والقيم وسعت إلى كسب النخب المحلية لأنها يئست من استمالة الجماهير بالقوة في ظل فترة متوترة من تاريخ الاستعمار الفرنسي، هكذا كانت فرنسا تسعى لخلق إطار يسمح لها بمواصلة تأثيرها في المغرب وتنمية مصالحها عبر نشر مبادئها ولغتها وثقافتها .
اتجهت فرنسا إلى الحرص على مواءمة التعليم لكل طبقة اجتماعية لتكريس الطبقية وإعادة إنتاج نفس البنى الاجتماعية، فمن هذه المنطلقات كان المنظرون ملزمون على الفصل بين تعليم خاص بالنخب الاجتماعية وتعليم خاص بأبناء عموم الأهالي، وهو تعليم موجه لخدمة المصالح الفرنسية أساسا الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية، فمدارس النخب مهمتها تكوين الموظفين والأعوان والإداريين ليكونوا صلة الوصل بين الشعب والإقامة العامة، وكانت مهمة مدارس عموم الشعب تكوين اليد العاملة المهيأة للاشتغال في المعامل والمصانع الفرنسية، أما مدارس القرى والبوادي كانت مهمتها تكوين الفلاحين للاشتغال في ضيعات المعمرين. فالهدف البعيد والقريب هو إعداد الأدوات البشرية المغربية التي بإمكانها أن تخدم وتمكن فرنسا من سيطرتها بشكل أفضل.
لم تخف فرنسا رغبتها في تدبير المجال التعليمي على طريقتها الخاصة، وذلك لأهميته وغاياته الاقتصادية والتجارية حينها، وبدعوى المحافظة على الأعراف والتقاليد التي عرفها المغرب، قامت مديرية التعليم بتقسيم قطاع التعليم إلى ثلاثة أنواع معتمدة على تقسيم اعتبره الجابري ب " الطائفي" ويتعلق الأمر بالتعليم الإسرائيلي ( اليهودي) والتعليم الإسلامي المغربي ( الإسلامي) والتعليم الأوربي.
كما طالب ليوطي بأن يأخذ التعليم في الحسبان خصوصيات مختلف الفئات الاجتماعية، حتى يظل كل واحد في وسطه، أي توفير مدارس لفئة الفلاحين والصيادين والبرجوازيين والأسر المخزنية وأبناء الأعيان، وحرص أن يصبح " التعليم الشعبي" " تعليما" عمليا ومهنيا بصورة أساسية، مع التركيز على اللغة الفرنسية كلغة رسمية للتعليم الفرنسي بالمغرب، مقابل تهميش اللغة العربية لخلق طبقة من الأهالي مطبوعة بطابع فرنسي ومنفصلة عن أصولها لغويا وثقافيا، وهكذا كان هدف ليوطي من خلال سياسته التعليمية في المغرب ربط تلامذته بفرنسا، واعتماد المدرسة كوسيلة للغزو الفكري بالمغرب في فلك فرنسا .
يمكن بأن نقول بكل اختصار أن فرنسا من خلال سياستها التعليمية بالمغرب تمكنت إلى حد ما من هو تسهيل الاختراق العسكري في المجال في بداية الأمر ما جعلها تنتمي في أول الأمر إلى المنظومة الاستعمارية، وهكذا يمكن القول وبكامل الوضوح أن هذه المدارس كانت عند نشأتها عنصر من عناصر تهيئ عملية الاحتلال العسكري وعنصرها السيكولوجي بشكل خاص وحاضر بقوة في الاستراتيجيات الاستعمارية، كما أن هناك من يعتبر أن كل هذا أضعف من ناحية، المؤسسة المدرسية باعتبارها رافعة حضارية وتنموية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المستشفى العائم الإماراتي يستقبل مزيدا من الجرحى والمرضى من


.. إدارة الخدمات الصحية في وزارة الدفاع السعودية نشرت 27 مرفقا




.. الموفد الأمريكي هوكستين يزور بيروت لبحث سبل خفض التصعيد العس


.. 17 شهيدا بغارات إسرائيلية على وسط وجنوبي قطاع غزة




.. إخلاء سكان مدينة أمريكية بسبب حرائق في الغابات