الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الاستكانة المصرية والجغرافيا السلوكية

علي ابو مريحيل

2019 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


يُذكر في التاريخ أنه حين تم إنشاء مجلس الشورى المصري في عهد الخديوي إسماعيل عام 1866، أخبر رئيس المجلس، نواب الشعب أنه جرت العادة في البرلمانات الغربية أن يجلس الأعضاء المؤيدون للحكومة في الجانب الأيمن من القاعة، والمعارضون في الجانب الأيسر، فانتقل جميع النواب إلى الجانب الأيمن، ضحك رئيس المجلس، وقال: ولكن أفندينا الخديوي يحب أن يكون هناك معارضة، فانتقلوا جميعاً إلى الجانب الأيسر.

وفي قصص القرآن يذكر الله في كتابه أن فرعون حين حاججه موسى، جمع قومه ونادى فيهم: (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي، أفلا تبصرون، أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين) وكان لفرعون ما أراد من خطابه، ليأتي التعقيب الإلهي: (فاستخف قومه فأطاعوه، إنهم كانوا قوماً .. إلى آخر الآية).

أما في عصرنا الراهن فقد توصلت شركة الأبحاث العالمية (إبسوس) إلى أن المصريين هم الأكثر انقياداً وانصياعاً، وذلك في دراسة بحثية معمقة أظهرت أن الولايات المتحدة تتصدر دول العالم في نشر الأخبار الزائفة وأن المصريين الأكثر تصديقاً وانخداعاً بتلك الأخبار.

جذور جغرافية

لايمكن إغفال مدى تأثير البيئة التي يعيش فيها الإنسان على سلوكه، حيث ربط العديد من المحللين سلوك الفرد بخصائص الموقع الجغرافي الذي يوجد فيه، ودرسوا تأثير ذلك على قدرته على الاندماج مع الجماعة ومدى تقبله للآخر.

كما ذكر ابن خلدون في مقدمته شيئاً عن أثر الجغرافيا في السلوك البشري، أما الفيلسوف الفرنسي شارل دي سكوندا، فقد تحدث عن أنظمة الحكم وطاعة الرعية حسب المناخ الجغرافي السائد، واقتران ذلك بمدى القرب أو البعد عن خط الاستواء.

بالرجوع إلى الحالة المصرية وإسقاط النظريات السالفة عليها، نجد أن الحضارة المصرية نشأت في وادي النيل، ما يعني أنها تنتمي للحضارات النهرية التي ينشغل أصحابها بالزراعة والحرث، ويكون الخوف قاسماً مشتركاً لدى هذه المجتمعات: الخوف من فيضان النهر، الخوف من الجراد، الخوف من الكوارث الطبيعية، وما يمكن أن تجرّه من وبال على محاصيلهم.

هذا الهاجس والقلق الدائم، يجعل الفرد منكباً على نفسه لا يهمه الشأن العام ولا ينخرط به، من يحكم البلاد؟ وكيف يحكم؟ وما هو نظام الحكم؟ أسئلة لا تراوده ما دام آمناً في بيته وأرضه، ومادامت أقصى آمانيه أن يجد قوت يومه، ربما يبرر ذلك سبب ربط المصريين الخبز بالحياة، وتسميته بـ "العيش".

بلهارسيا النيل

حالة الاستكانة والانصياع الطوعي تفرز ذاتيا مجتمعاً مدجناً غير قادر على الأخذ بزمام المبادرة، كأن يقود ثورة، أو حتى أن يخرج إلى المجال العام للتعبير عن رأيه، لذلك يصبح الشعب لقمة سائغة لطلاب الحكم والسلطة، ما دام دوره لا يتجاوز حدود تقديم فروض الولاء والطاعة.

وما يبدو لافتاً هنا، بعيداً عن غياب دور الشعب في اختيار حاكميه، أن جميع من تعاقبوا على حكم مصر منذ العصر الفرعوني مروراً بالعهد اليوناني والروماني والبيزنطي والعباسي، والمملوكي، وليس انتهاء بسلالة محمد علي باشا، لم يكونوا مصريين.

فالفراعنة على سبيل المثال، وحسب دراسة بريطانية حديثة، ليسوا من سكان البلاد التي أقاموا فيها، وقد استندت الدراسة إلى تحليل الحمض النووي لتسعين مومياء، ووجدت أن جيناتهم ليست محلية، بل موروثة من شعوب سكنت في شبه جزيرة الأناضول.

ولست هنا بوارد الحديث عن أصول حكام مصر التاريخيين، سواء اليونانيين أو العثمانيين أو الألبانيين بناة مصر الحديثة، ولكن ما أود الإشارة إليه أن لوثة الانقياد التي يمكن تسميتها بـ بلهارسيا النيل، توارثها جيل بعد جيل، فحالت دون أن يكون لأي من هذه الأجيال كلمة أو موقف.

وقد يدلل على ذلك فشل مصر الحديثة في انتخاب رئيس مدني يحكمها منذ انقلاب يوليو عام 1952، ولا أعتقد أن لذلك علاقة بجبروت المؤسسة العسكرية الأقوى في البلاد، بل بحالة الاستكانة والانقياد الطوعي لأي فرعون يقول "أنا ربكم الأعلى".

ما تقدم يفسر كيف يصبح مقتل أول رئيس منتخب في تاريخ مصر، خبراً عابراً في زحمة الانشغال المصري العام بأسباب تخصيص غرفة منفردة لمحمد صلاح بمعسكر إقامة منتخب بلاده استعداداً لبطولة الأمم الأفريقية التي تستضيفها القاهرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف على السباق ذاتي القيادة الأول في العالم في أبوظبي | #سك


.. لحظة قصف الاحتلال منزلا في بيت لاهيا شمال قطاع غزة




.. نائب رئيس حركة حماس في غزة: تسلمنا رد إسرائيل الرسمي على موق


.. لحظة اغتيال البلوغر العراقية أم فهد وسط بغداد من قبل مسلح عل




.. لضمان عدم تكرارها مرة أخرى..محكمة توجه لائحة اتهامات ضد ناخب