الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذبحة الديمقراطية .

فريد العليبي

2019 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية



صادق مجلس النواب يوم الثلاثاء 18 جوان 2019، على مشروع القانون الأساسي المتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 ، المؤرخ في 26 ماي 2014 ،الخاص بالانتخابات والاستفتاء ، وصوت لصالح المشروع 128نائبا ،مقابل 30 صوتوا ضده ، واحتفاظ 14 بأصواتهم . وبدا كما لو أن الأمر يتعلق بانقلاب برلماني ، قام خلاله المنقلبون بالتنكر للقوانين والدساتير التي جاؤوا هم أنفسهم بها ،فما انشغلوا به هو ديمومة سيطرتهم السياسية ،موظفين القوانين في خدمة مصالحهم الحزبية الضيقة ، فعندما أدركوا أن تلك القوانين تتعارض مع نجاحهم في الانتخابات القادمة على ضوء استطلاعات الرأي ، التي انحدرت فيها حركة النهضة الإسلامية وشيخها وحلفاؤها الى مراتب متدنية قاموا ببساطة بتغييرها .
و في نفس الوقت الذي كان خلاله الانقلابيون ينفذون انقلابهم ، دعوا للرئيس المصري السابق محمد مرسي بالرحمة ، و قرأوا على روحه الفاتحة ، في برلمان تونسي من المفترض أن يكون محايدا إزاء الصراعات الأيديولوجية ، مما فهم منه أن كتلة حركة النهضة لا تزال وفيه لارتباطاتها الفكرية و السياسية والتنظيمية بحركة الاخوان المسلمين ، المصنفة في عدد من البلدان منظمة إرهابية ، في استثمار سياسي لموت مرسي ، وعزف على وتر المظلومية ، الذي برعت فيه منذ زمن طويل .
وبينما يعتقد الانقلابيون أنهم نفذوا مهمتهم بنجاح ، وأن عليهم الخلود الآن الى الراحة ، مطمئني البال فالمشهد القادم نحتت معالمه ، ولم يبق الا ذهاب الناخبين الى الخلوة ، لوضع بطاقات انتخابية تتناسب وأهدافهم ، بما يضفي على انقلابهم الشرعية التي يبحثون عنها ، الا أنهم يقامرون ، فردة الفعل الشعبية ستزيد من نسبة مقاطعة الانتخابات ، بل ربما أدت الى تمرد سياسي ، يحول حالة الغضب الاجتماعي المتفشية الى حالة غضب سياسي عارمة ، بما سيرجع الشعب الى مربع الانتفاض ، الذي سيكون هذه المرة مدفوعا بمطالب سياسية جذرية ، وعينه على السودان، حيث الاضراب السياسي والعصيان المدني ، فالانتفاضات العربية تتعلم من بعضها البعض وتتغذى من تجاربها المختلفة .
و غني عن البيان أنه عندما تحدث القطيعة بين "الديمقراطية الناشئة" و مجموع الشعب فإن النتيجة هي انهيار تلك الديمقراطية الهشة ، التي لن يصدق بعد ذلك وعودها أحد ، فالأحزاب التقليدية تتراجع ، وهذا معطى موضوعي ، وهناك سببان أساسيان لذلك التراجع ، يتمثل الأول في فشل الأحزاب المسماة كبيرة في تحقيق الوعود الانتخابية ، فقد قالت أنها ستشغل مئات الالاف من المعطلين عن العمل ، وتحقق أعلى نسب النمو ،مقارنة بما كان عليه الحال زمن بن على ،و تنشر العدل والصحة والمعرفة ، و لكنها فشلت فالأسعار ارتفعت والبطالة تفاقمت والديون ازدادت والدينار انحدرت قيمته الخ ... ثم إن تلك الأحزاب قد أنجب معظمها أحزابا أخرى متصارعة على الغنائم . ومن ثمة فقدت ثقة الشعب ، فقويت نسبة مقاطعة الانتخابات ، مثلما بينته الانتخابات البلدية ،و ساد هجران السياسة وانتشار الاحباط.
وهنا نأتي الى السبب الثاني وهو بروز جمعيات وشخصيات شعبوية ، لم تقدم وعودا ، وانما ذهبت خاصة الى الجهات المحرومة ، لتوزع العطايا والهدايا ، وتنظم مآدب الطعام ، مغطية ذلك كله بحملات دعائية ضخمة على شاشة القنوات التلفزيونية التي تملكها ، والنتيجة الاقبال السياسي عليها ، ورواج الاعتقاد أنها لا توزع الأقوال وانما تقدم الأفعال ،وأنها لو حكمت البلاد لأمكنها حل مشكلاتها الكثيرة .
و يبدو اليوم كما لو أن هناك تناقضا بين هذا " الجديد " وذاك " القديم " وأن الغلبة في الانتخابات القادمة ستكون للجديد ، ومن ثمة سعي القوى التقليدية لكبح جماحه ، والتخلص منه بتغيير القانون الانتخابي ، مما سيولد صراعا أكبر سيجري فيه تقسيم الشعب ، برفع شعارات الهوية والمظلومية من جهة ، والاستجابة المزعومة لصوت المحرومين من جهة ثانية ، وقد تتناطح فيه القصبة وقرطاج وباردو ، مثلما لم تتناطح حتى الآن ، قبل أن تحط المعركة الانتخابية أوزارها ، لتكشف عن مشهد سياسي مرتبك ومتوتر ، مما سيعمق الأزمة السياسية الاجتماعية ، فالقوى الجديدة والقديمة لا تتصارع حول برامج واختيارات سياسية اجتماعية وثقافية متناقضة ، وانما حول مواقع سلطوية ، فالغاية ليست خدمة الشعب وانما خدمة نفسها.

21 جوان 2019.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القصف الإسرائيلي يجبر سكان أحياء شرق رفح على النزوح نحو وسط


.. عرض عسكري في العاصمة الروسية موسكو بمناسبة يوم النصر على ألم




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بعد عودة وفد التفاوض الإسرائ


.. مستوطنون يغلقون طريقا بالحجارة لمنع مرور شاحنات المساعدات إل




.. مراسل الجزيرة: جيش الاحتلال يواصل السيطرة على معبر رفح لليوم