الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في أزمة اليسار المغربي

بحضاض محمد

2019 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


تتميز المرحلة الحالية، في المغرب، بالصراع من أجل التحرر الوطني من هيمنة الإمبريالية الغربية، وخاصة الفرنسية، ومن أجل الديمقراطية. هذا الصراع الذي تخوضه الطبقات الشعبية (الطبقة العاملة، الكادحين والعمال في البوادي والمدن، الطلبة، والبرجوازية الصغرى والجزء من البرجوازية المتوسطة المصطف بجانب الطبقات المذكورة سابقا). ويتكون اليسار من القوى التي تطمح إلى تمثيل الطبقات الشعبية وتناضل من أجل مصالحها الآنية (تحسين أوضاعها المادية والمعنوية) والاستراتيجية المتمثلة في التحرر الوطني والديمقراطية وتدافع على قيم التقدم والحرية والعلمانية والمساواة والكرامة.
على الرغم من كون الظروف الموضوعية في المغرب (أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة ومتفاقمة)، ملائمة لتطور اليسار وتبوئه موقع الصدارة، إلا أن هذا اليسار يتسم بالضعف والتشرذم والتيه الفكري. بل أصبح المفهوم نفسه غامضاً ومضبباً، وذلك بالخصوص بسبب الانتشار الواسع لمفاهيم "ما بعد الحداثة" وتأثيرها الذي يركز على "البنية الفوقية" لتحديد اليسار ("المحافظة" مقابل "الحداثة")، وتضخيم الهويات والخصوصيات الجنسية والفئوية على حساب الطبقات الاجتماعية.
بدأ الفكر اليساري المغربي مع حركة التحرر الوطني وبارتباط مع واقع مغربي صرف. ومع الاستقلال، غابت الحاجة الذاتية والموضوعية لوحدة الصف الوطني. كما شكل الوضع والتطورات والتصورات حول مسالة الدستور وتحديد الاختصاصات داخل الدولة الحديثة وموضوع الديموقراطية وإشكالات التنمية حافزا أساسيا لبروز تيار يساري مغربي. هذا التيار سيخوض معارك ونضالات ساهمت في خلخلة بعض من البنيات التقليدية في المجتمع والدولة.
وبارتهان اليسار إلى هذه النظرة الكلاسيكية سيكون للدولة الاستباق في طرح الانتقال إلى الديموقراطية، ولو بضغط خارجي أو حاجة موضوعية لضمان استمرار شكل الدولة أو لاستغلال الرصيد الشعبي لليسار. وأمام التيه الفكري والعقم الايديولوجي وانحصار دور المثقف اليساري، سيلتقط اليسار "شعار الانتقال الديموقراطي"، دون أي تدقيق لمضمونه وآلياته، وهو ما عمق من ضبابية والتباس التوجهات السياسية والفكرية لليسار.
كما أنه لا يمكن الحديث عن يسار واحد في المغرب، لأنّ هناك عدّة قوى تنسب نفسها إلى اليسار، من دون أن يجمعها إطار فكري أو سياسي واحد، لأنه يكاد يكون شبه متعذر أن نحدّد قواسم مشتركة بين التيارات التي تصف نفسها يسارية، فلا يوجد أي اتفاق حول المرجعية الإيديولوجية، أو قاسم مشترك حول المسار التاريخي، أو موقف مشترك بشأن المؤسسة الملكية والإصلاحات السياسية.

ثم إن بواعث ظهور هذه التيارات وسياقاتها التاريخية تعتبر حائلا دون وحدتها الموضوعية، فهناك اليسار الذي خرج من الحركة الوطنية، وأقصد هنا حزب الاتحاد الوطني للقوى الشعبية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهناك اليسار الذي ارتبط بالنموذج السوفياتي الشيوعي، ويمثله حزب التقدم والاشتراكية الذي هو حليف موضوعي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، ثم اليسار الذي استقى أفكاره من الماركسية اللينينية، ويمثله ما يسمى اليسار الجذري، والذي له قاعدة شعبية في مدرجات الجامعات المغربية، من خلال الإطار الطلابي، أوطم، وبعض النقابات العمالية.
وبشأن أسباب تراجع اليسار، يمكن القول إن الاختيارات غير الموفقة والتردد في المواقف، والرضوخ لرغبات بعض قادة اليسار في اقتحام التجربة الوزارية، قبل إتمام شروط الممارسة الديموقراطية في المغرب، والتي إلى اليوم، وحتى بعد دستور 2011، ظلت رهنا بالبيروقراطية التقليدية للمؤسسة الحاكمة في البلاد، وكان هذا سببا رئيسيا في تراجع نفوذ اليسار اليوم.
فاليسار اليوم مطالب أن يقدم نقدا ذاتيا لهويته وسلوكه وخطابه، وأن يحترم الديمقراطية الداخلية، وألا يبحث عن السلطة، مهما كان الثمن، ولو على حساب مبادئه، فيما حولت الانشقاقات الداخلية والمتكررة أحزاب اليسار إلى منتديات فكرية صغيرة ومتصارعة، وهو أمر لم يقبله الشارع المغربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع