الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اَلْسُّوْدَاْنُ وَمَتَاْهَاْتُ اَلْتَفَاْوُضْ ..!

فيصل عوض حسن

2019 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية



أعلن المُتحدِّث باسم المجلس العسكري بالسُّودان، عن (رفضهم) للمُبادرة الإثيوبيَّة التي أكَّد بأنَّهم (لم يطلعوا عليها من أساسه)، وطَالَب كلاً من مبعوث الاتحاد الأفريقي والمبعوث الإثيوبي، بدمج المُبادرتين (الأفريقيَّة والإثيوبيَّة) في مُبادرةٍ مُشتركة، مُشدِّداً على تلافي ما أسماه (إملاءات وحلول جاهزة)! وفي سِيَاقِ (التَنَصُّلِ/التَرَاجُعِ)، أشار عددٌ من أعضاء المجلس بما في ذلك المُرتزق حِمِيْدْتِي، لصعوبة مَنْح قُوَّى الحُرِّيَّة والتغيير نسبة 67% من المجلس التشريعي، لوجود (قُوَّى أُخرى) حسب زعمهم، مع التلميح لقيامهم (مُنفردين) بتشكيل حكومة عبر مجلسهم!
المُدهِش في الأمر، انخراط غالِبِيَّة السُّودانيين في نقاشاتٍ (سفسطائِيَّة) لإثبات غَدر المجلس وتَنَاقُضاته، ولا أدري ما الفائدة من إثبات (الثابت) والمعلوم بالضرورة للقاضي والدَّاني؟ وما الذي كُنَّا نتوقَّعه/ننتظره من المُتأسلمين وأزلامهم في المجلس العسكري وغيرهم، ومتى نتَّعظ ونتلافى (فِخَاخهم) الإلهائِيَّة؟! ولقد تَمَنَّيْتُ لو أنَّنا (ادَّخرنا) طاقاتنا الذهنِيَّة/البدنِيَّة وعامل الزمن، للتَدَبُّر في أسباب/عوامل واقعنا المأزوم والمُربك الماثل، وتقييمها ثُم تقويمها/مُعالجتها بموضوعيَّةٍ وحِكْمة! ليتنا اعترفنا بشجاعة أنَّ ما أدخلنا في هذه الأوضاع (المُعقَّدة) والمُختلَّة، هو قبولنا بـ(التفاوُض) مع هذا المجلس الإجرامي، والوقوع في (مَتَاهاته) اللامُتناهية، وهذا خطأ فادح وشنيع يجب إيقافه وحسمه بأسرع وقت! والمنطق والعقل، يطرحان عدداً من التساؤُلات/الاستفهامات الموضوعِيَّة أبرزها: الفرق بين البشير وابن عوف وبين البُرهان وحِمِيْدْتِي ومن معهما من سَقَطِ المَتَاع؟ ولماذا رفضنا ابن عوف مُباشرةً و(قَبِلْنا) بالمُجْرِمَيْنِ البُرهان وحِمِيْدْتِي، رغم إجرامهما المُتراكم و(المُوثَّق)، واللَّذان أضافا له فصولاً إجراميَّةً، على أكثر من صعيد وفي جميع مناطق السُّودان! ولماذا سَعَينا لتغيير البشير إذا كُنَّا سنقبل بالبُرهان وحِمِيْدْتِي؟! علماً بأنَّ (التَفَاوُض) مع هؤلاء الخَوَنة والمُجرمين، لم يكن مَطْلَباً شعبيا أبداً، وإنَّما كان المَطْلَب الشعبي هو (الإسقاط) الشامل للمنظومة الإسْلَامَوِيَّة ومليشياتها وأزلامها والمُتواطئين معها، من الكيانات الوضيعة!
بالنسبة للعالم الخارجي ووساطاته/تحذيراته وغيرها من التمثيليات، فهي تسعى لامتصاص غضبة الشعب، وإمهال المجلس العسكري المزيد من الوقت، لضربِ/سَحْقِ السُّودان أرضاً وشعب، ولا طائل من مُبادراتهم تلك ولا خير يُرجى منهم، جميعاً ودون استثناء! ولو أخذنا على سبيل المثال إثيوبيا، التي يتباكى البعض على ضياع جهودها، فإنَّ (جوهر) مُبادرتها منقوصٌ ومعلول، ولا يفي بتَطَلُّعات الثورة ولا يرتقي لمُستوى تضحيات الشعب الكبيرة، وصولاً للدولة المَدنِيَّة/الديمُقراطِيَّة المنشودة! والأهمَّ من هذا وذاك، فإنَّ إثيوبياً غير مُؤهَّلة إطلاقاً للتَوَسُّط في قضايانا، لأنَّها تحتل جُزءاً مُقدَّراً من أراضينا، وما تزال تَوَغُّلاتها مُستمرَّة حتَّى بلغت منطقة الدِنْدِر، بعدما كانت في الفشقة ونواحيها، وخلال تَوَغُّلاتها هذه قتلت مليشياتها العديد من السُّودانيين ونهبوا ممُتلكاتهم، وهناك سد النهضة الكارثي الذي يُهدِّد سيادتنا واستقلالنا ومُستقبلنا السياسي والاقتصادي، وهي أمورٌ وثَّقتُها في مقالاتٍ عديدة ولا جدال عليها، فبأي تبريرٍ نقبل وساطتها من أساسه؟! كذلك الحال بالنسبة لمصر، التي التهمت مُثلَّث حلايب وغالِبِيَّة الأراضي النُّوبِيَّة وبعضاً من شمال دارفور، بخلاف تآمُرها الفاضح مع مجلس البُرهان وحِمِيْدْتِي، وهناك الإمارات والسعوديَّة (رؤوس الشرِّ والفُجور)، اللَّتان مَارَسَتا كل أنواع (الغدر/الكَيْدِ) بالسُّودان وأهله، ولم يحفظا جميلاً أو فضلاً، ولا أدري كيف ولماذا وإلى متى نغفل عن هذه المُعطيات الواقعِيَّة والمُعاشة؟!
أمَّا أمريكا فهي (رَاعِية) المُتأسلمين، رغم العداء (الظاهري/التضليلي)، ولقد كتبتُ في هذا أيضاً، كمقالتي (خَفَاْيَاْ اَلْعُقُوْبَاْتِ اَلْأَمْرِيِكِيَّةِ عَلَىْ اَلْسُّوْدَاْنْ) بتاريخ 22 يوليو 2017، و(مَنِ اَلْمُسْتَفِيْد مِنْ رَفْعِ اَلْعُقُوْبَاْتِ عَنِ اَلْسُّوْدَاْنْ) بتاريخ 31 يوليو 2017، و(اَلْتَحَاْلُفُ اَلْإِسْلَاْمَوِيُّ اَلْصَهْيُوْنِيّ: مِنَ اَلْخَفَاْءِ إِلَى اَلْعَلَنْ) بتاريخ 6 ديسمبر 2018 وغيرها من المقالات. كذلك الحال بالنسبة للدول الأُورُوبِيَّة عموماً، والدول المعروفة بالترويكا خصوصاً، بعدما اكتفوا فقط بتوجيه وتوثيق الإدانات والشجب والبيانات (الصُوْرِيَّة)، واستمرُّوا في دعم المُتأسلمين ومليشياتهم الإجرامِيَّة (مالياً/عينياً)، خاصَّةً الجنجويد، تارةً بحِجَّة مُحاربة الإرهاب وأُخرى الإتجار بالبشر وثالثة الهجرة غير الشرعيَّة، بينما الواقع الذي نحياه جميعاً يؤكد أنَّ المُتأسلمين هم رُعاة جميع هذه الجرائم التي نَفَّذوها في الشعب السُّوداني، وقاموا بـ(تصديرها) للعالم على نحو ارتزاقهم باليمن وليبيا وغيرها، وهي أيضاً أمور مُوثَّقة بإقرار رؤوس الفجور الإسْلَامَوِي صوت وصورة! وبعبارةٍ أُخرى أكثر دِقَّة، فإنَّ العالم الخارجي بكامله (طَامعٌ) في السُّودان، وَوجَدَ ضالته لإشباع تلك الأطماع في المُتأسلمين، الذين لم يتوانوا عن بيع وإهدار والتنازُل عن جميع مُقدَّراتنا الوطنيَّة/السيادِيَّة والاقتصادِيَّة، سواء برَهنِها أو بيعها أو تركها للاحتلال، مما يجعل التعويل (بأي شكلٍ من الأشكال) على الدعم الخارجي (مَتاهة) لا طائل منها، ودونكم ما عشناه في الثلاثة عقودٍ الماضية، لم نَرَ فيها مما يُسمَّى مُجتمع دولي أو (أشقَّاء/جيران) خيراً.
لقد بدأت انتفاضة السُّودانِيُّين الأخيرة فعلياً في 12 ديسمبر 2018، باجتهادٍ شعْبيِ (خالص)، دون أيِّ مُشاركة من (الكيانات) السُّودانيَّة، وبعَفَوِيَّة واضحة دون قيادةٍ مُوحَّدة، يقودون أنفسهم ويحمون بعضهم بعضاً، بجسارةٍ مُدهِشة ورائعة وفريدة، رافعين شعار (تسقط بس)، وقَدَّموا الغالي والنفيس لبلورة ذلك الشعار النبيل إلى واقع. وحينما جاء الخامس والعشرين من ديسمبر 2018، غَطَّت الاحتجاجات الشعبِيَّة كلاً من: الدمازين، الفاشر، بورتسودان، عطبرة، بربر، دنقلا، كريمة، كسلا، الأُبَيِّضْ، القضارف، الجزيرة أبَا، كوستي، رَبَكْ، سِنَّاْرْ، مدني/الهِلاليَّة، النُّهُود، ومُدُن العاصمة الثلاث (أمدرمان والخرطوم وبحري) بأحيائهم المُختلفة، ثُمَّ ظَهَرَ بعدها تَجَمُّع المهنيين كقيادة للحِرَاكِ الشعبي القوي، واتَّحَدَ الشعب خلف التَجَمُّع ولا يزالون، وما أن انضمَّ إليه بعض الكيانات إلا وحدثت الربكة والخلافات فـ(التَرَاجُع)، لتنحصر التظاهُرات في (حَيَّيْنِ) فقط بالخرطوم أو ثلاثة على الأكثر، وهذا واقعٌ عشناه جميعاً لا يُمكن إنكاره! دَخلنا بعدها في (دَوَّامات/مَتاهات) التفاوُض والتسويف، بحِجَجٍ/مُبرَّراتٍ واهية وغير موضوعيَّة، واستمرَّ (التسويف) رغم الجرائم المُتلاحقة للمجلس العسكري، والتي كانت ولا تزال (تُحتِّم) إيقاف أي مُفاوضات معهم، ليس فقط من باب (الغضب) واستهجان ذلك الإجرام، وإنَّما أيضاً لأنَّ العاقل يُدرك بأنَّ المجلس لن يتنازل عن السُلطة خاصَّةً عقب (مَجْزَرَة) الاعتصام، والتي لم تأتِ من فراغ/صُدفة، وإنَّما شَكَّلَت خيارهم الاستراتيجي، بعدما وجدوا الوقت للتخطيط والتنفيذ! ومع كلِّ سَّاعة، يزداد (تَمَسُّك) العسكريُّين بالسُلطة، و(سيتحايلون) على أي مُبادرة للتنازُل عنها بغض النَّظر عن نِسَب/حِصَصْ المُشاركات والتمثيل التي يلهون بها الغافلين، لأنَّ (السُلطة) ضمانتهم الوحيدة للنجاة من المُحاسبة والعقاب، ومهما بَلَغَ جُنون/سَذَاجة أعضاء المجلس لن يُسلِّموها للمدنيين، وبالتالي يُصبح (شَغَفَ) البعض بالتفاوض ضَرْباً من الخيال!
الوقت الآن ليس للمُحاسبة والعِتاب أو التخوين وغيره، وإنَّما للاتحاد والتَلاحُمِ والعمل الجماعي بموضوعيَّةٍ وتَدَبُّر، وحسناً فعل تَجَمُّع المهنيين بالإعلان عن التصعيد، ولكن علينا (استدراك) الأخطاء التي وقعت سابقاً وتلافيها، وتحديداً نحن مُطالَبون بالتفكير والتخطيط المُحكَم قبل الإقدام على أي عمل، مع المُتابعة والتقييم والتقويم المُستمر، ومن ذلك أماكن وأوقات الاحتجاجات، وابتكار أساليب (الحِماية) المُتماشية مع السِلْمِيَّة، حفاظاً على الأرواح والأعراض والممتلكات. ومَجْزَرةُ الاعتصام الدَمَوِيَّة، تفرض علينا تلافي (مركزيَّة) الاحتجاجات، أي (تجميع) السُّودانيين في مكانٍ واحد، والأنسب هو تنفيذ الاحتجاجات بكل السُّودان في وقتٍ واحد، أو ما يُعرف بـ(شَدِّ الأطراف) لتشتيت جهود المُتأسلمين وإضعاف رقابتهم/سيطرتهم، التي تزيد/تَقوَى إذا تَجَمَّعنا في مكانٍ وميقاتٍ واحد والعكس صحيح. مع حَصرْ وتحجيم حركة المُتأسلمين (فُرادَى/جماعات) بالأحياء السَكَنِيَّة عبر لِجَان المُقاومة، دون استثناءٍ أو مُجاملة. ولنستشرف/نَتَوقَّع ما قد يفعله المُتأسلمون ومجلسهم الإجرامي ومليشياتهم، الذين لن يقفوا مكتوفي الأيدي وسيكون لديهم (تَدابير/فِخَاخ)، كالاعتقالات والاغتيالات وحظر أنشطة الأفراد/الجماعات، وتفعيل قانون الطوارئ وتبعاته (حظر التَجوُّل والتَجَمُّعات وغيرها)، مع تكثيف أعداد المليشيات (كتائب ظِلْ/جَنْجَوِيد) خاصَّة بالعاصمة، بما يُرَجِّح رأينا بشأن (عدم مركزيَّة) الاحتجاجات وحصرها في الخرطوم، وإنَّما إشعال كل السُّودان في وقتٍ واحد. وقد يقوم المجلس العسكري بتشكيل المجلس السِيادي والحكومة والبرلمان وغيره، وهنا أتمنَّى لو عاد تَجمُّع المهنيين للشعب السُّوداني، خاصةً الشباب وأنصفهم واستعان بهم واستند عليهم في تشكيل المجلس السيادي، بالنحو الذي أوضحته في عددٍ من المقالات، وآخرها مقالتي (شَبَاْبُ اَلْسُّوْدَاْنِ بَيْنَ اَلْتَضْحِيَاْتِ وَاَلْاِسْتِحْقَاْقَاْت)، بتاريخ 24 أبريل 2019.
بدلاً من إضاعة الوقت في (مَتَاهات) التفاوُض، لِتَرْتَقي طموحاتنا ونُفكر ونعمل على تخليص ما تَبقَّى من البلاد، وحفظ أرواح وكرامة وممتلكات الشعب دون التعويل على الخارج، ولنثق تماماً بأنَّ المليشيات المأجورة/المُرتَزِقَة ككتائب الظِلْ والجَنْجَوِيد، ليسوا أقوى من البشير الذي أجبرناه على (الاختفاء)، وحتماً سننتصر إذا اتَّحدنا و(أحْسَنَّا) التدبير/التخطيط وأبعدنا المُغامرين والخَوَنَة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا