الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعوب العربية ومتطلبات المواجهة

حسن خليل - لبنان

2019 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


الشعوب العربية ومتطلبات المواجهة

لقاء الأحزاب الشيوعية العربية – الجلسة الثانية


تشهد منطقتنا العربية حالة مواجهة مفتوحة في غير ساحة ضد الهجمة الإمبريالية للهيمنة عليها وعلى شعوبها، وهي تتخذ أشكالاً وأساليب متعددة ومتنوعة؛ من انتفاضات وحراكات شعبية سلمية وصولاً إلى المقاومة المسلحة ضدها مباشرة وضد مشروعها الشرق الأوسطي، وأدواتها من أنظمة رجعية عربية وقواها، وكيان صهيوني مغتصب... من فلسطين إلى لبنان والعراق وسوريا واليمن والسودان والجزائر... مواجهة تترافق مع دخول مباشر لكل الدول المؤثرة، الدولية منها والإقليمية، ليتبدى في هذه المرحلة بأن ثمة مؤشرات لها دلالاتها، تنم عن تغيير في موازين القوى لغير مصلحة المشروع الأميركي، ما سينعكس تأجيجاً للصراع على مستقبل المنطقة ومستقبل شعوبها.

فالمشروع الغربي، بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، لم يستطع حسم المعركة لمصلحته رغم كل الضغوط السياسية والعسكرية والعقوبات الاقتصادية، لكنه لم يُهزم أيضاً؛ حيث يستمر في العمل على تنفيذ صفقة القرن وإطلاق عملية التطبيع "كمؤتمر البحرين" وغيره من الفعاليات التطبيعية المتنقلة من بلد إلى آخر، وفي عرقلة الحلول السياسية لأزمات المنطقة وإدخالها في حرب استنزاف طويلة الأمد، مع استخدام كل أشكال الضغط الممكنة. وما الساحات السورية والفلسطينية والعراقية واللبنانية وغيرها وتكثيف زيارات المسؤولين الأميركيين إلى المنطقة، إلّا مؤشر حقيقي على ما يمكن أن تكون عليه نتائج تلك المواجهة المفتوحة التي بانت ملامحها جيداً، ولو طالت نهايتها بعض الشيء، إذ لا يمكن "للبلطجة الأميركية"، المتمادية في عدوانها، التسليم بعجزها عن الحسم من دون المكابرة أو تعظيم كلفتها، ما سوف يفرض عليها في النهاية الرضوخ واللجوء للتفاوض، لكن ليس من موقع الآمر الناهي بشؤون المنطقة كما كان يحصل سابقاً.

إنّ مواجهة السياسات الإمبريالية في المنطقة، معطوفة عليها السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، والتي بأكثريتها تستجيب لإملاءات صناديق النقد والتجارة والديون المرتبطة بشروط رأس المال، لا يمكن أن تكون إلّا من خلال نظم سياسية تقوم أساساً على منطق المواجهة المزدوجة: بين متطلبات الداخل وموجبات تحدي مشاريع الخارج؛ فمحدودية المواجهة أو تجزئتها واقتصارها على قضايا محددة وساحات منفردة، سوف يضعفها، ويجعل من التشرذم عنواناً دائماً لها، ما سيؤثر في مآلات الأمور وتطورها. من هنا، كان الأجدى أن تأخذ شعوبنا العربية، المبادرة للمواجهة، كي تقودها وعلى حدود ثلاثة: الداخل، من خلال إقامة نظم سياسية لمصلحة الأكثرية الشعبية وتطلعاتها في سبيل بناء دول وطنية ديمقراطية، والخارج، من خلال ضرب ذلك المشروع الذي يهدف إلى السيطرة، ومن الموقع النقيض الذي يقوم على التحرر الوطني الرافض لكل أنواع الاستتباع والهيمنة، والوحدة، من خلال تجميع كل موارد القوة، كي تصبح المواجهة واحدة وشاملة تضم كل الساحات والقضايا من خلال التكامل بين السياسي والاقتصادي. وعلى هذا الأساس، تصبح المقاومة-المواجهة خياراً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لشعوبنا العربية وبإمكانياتها الذاتية وآفاقها؛ فكلّية المواجهة، وتشابك القضايا والساحات، تجعل إمكانية الانتصار فيها متوافرة ما يُعيد إلى الأذهان مقولة بأن للشعوب حقوقاً في المقاومة والتحرر والتحرير، وهو مفهوم، لطالما جرى العمل على طمس معالمه، ليس لسبب إلّا لتثبيت ثقافة اليأس وتعميمها كقدر لا خلاص منه.

إن تنفيذ صفقة القرن المطروحة، تستوجب المزيد من الفوضى والضعف العربي وتشرذم القوى لتصفية القضية الفلسطينية، وما صدر مؤخراً عن الإرهابي "ديفيد فريدمان"حول ضم الضفة لا يمكن فصله عمّا سبقه حول القدس والجولان المحتلين؛ فإرهاصات تلك الصفقة بانت معالمها، تسريباً وتلميحاً وتنفيذاً. صحيح أنه حتى الآن ليس هناك غطاء فلسطيني لها، إلّا أن هذا الواقع لا يكفي، بل يتطلب تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية على أساس تغليب خيار المقاومة ووضع خيار السلطة في خدمته. ولنا في نضال الشعب الفلسطيني وأسراه، وفي مسيرات العودة المستمرة والعمليات البطولية للمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها في الضفة وغزة، والتصدي للاعتداءات الصهيونية أمثلة عن القدرات والإمكانيات المتوافرة لدى الشعب الفلسطيني في الصمود بوجه الاحتلال ومنعه من تحقيق أهدافه. وهذه المواجهة توضح الترابط العضوي بين شكلَيْ النضال: الشعبي عبر الحراك المتواصل في الشارع والعسكري عبر التصدي المباشر للعدوان.

إنّ الحصار الاقتصادي والمالي، على دول المنطقة وشعوبها من خلال العقوبات والحظر بات يشكل الوسيلة الأساسية، التي تضاف إلى تهديداته بشن الحرب والعدوان، وهو إن دلّ على شيء، فإنما يدل على مسألتين رئيستين: أولاهما، هو تعبير واضح عن تفاقم أزمة النظام الرأسمالي، أما الثانية، فهي أن الأنظمة التابعة، تعود بدورها، لتفرض على الشعوب المقهورة، وفق تعليمات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، سياسات الإفقار وفرض الضرائب واتباع نمط اقتصادي ريعي، تتعرض بموجبه هذه الشعوب لاستثمار مزدوج: محلي، من قبل سلطتها الوكيلة للإمبريالية، وخارجي، من الإمبريالية نفسها، وهو ما يعطي أهمية سياسية للحراكات الشعبية التي تقوم بها شعوبنا العربية من السودان إلى الجزائر إلى فلسطين إلى البحرين وصولاً إلى لبنان،والتي بدأت كردة فعل طبيعية على الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة التي تمر بها بلداننا، وأيضاً كامتداد لمسار نضالات خاضتها شعوبنا بقواها السياسية والنقابية على امتداد العقود المتعاقبة، من معارك الاستقلال وصولاً إلى الحراكات الشعبية التي حصلت منذ العام 2010، والتي لا يجوز أن تتوقف، بل عليها أن تتصاعد،وأن تُستكمل بتثبيت هويتها السياسية ضد السياسات المتبعة، وخارج أي اصطفاف مهما كان نوعه، وبأن الحل هو بالتغيير الشامل وبناء الدولة الوطنية العادلة التي تسودها العدالة الاجتماعية والاقتصاد المنتج.

وما يجري اليوم في السودان وبحق شعبه الثائر والمنتفض من تنكيل وقمع وإجرام من قبل المجلس العسكري-الانقلابي، لهو أبلغ دليل عمّا وصلت إليه حالة التبعية الوظيفية في الدور السياسي للعديد من النظم الرسمية العربية الحاكمة بأمر من ذلك اليانكي المجرم. من هنا، فإن دعم الشعب السوداني وحركته الوطنية والشعبية هي مسؤولية تاريخية أمام كل أحرار العرب والعالم وقواهم الوطنية والتقدمية وفي الطليعة منهم قوى اليسار. وفي هذا المثال أيضاً يتجسد الترابط ما بين نبض الشارع المنتفض على نظامه، ربطاً بسلوكه وتبعيته وسياساته، كمعركته لكسر الاستبداد ومعركته للتحرر الوطني ولرفض التبعية والحفاظ على الثروات والتنمية والحرية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر...

من هنا تصبح عملية الربط بين المسألة الوطنية والقومية والتحرر الاجتماعي والاقتصادي، باعتبارهما مساراً واحداً، ضرورة، وكذلك تصبح ملحّةً أكثر فأكثر مسألة صوغ موقف واضح من أحداث المنطقة. ومن هذا المنطلق وبناءً عليه، تصبح مهمة بناء الكتلة السياسية والشعبية الواسعة أمراً ملحّاً وضرورياً،وهذا الأمر يتطلب ضرورة العمل، وبذل الجهود لإنضاج برامج موحّدة تأخذ في الاعتبار مواجهة العدوان والسياسات المرتبطة بتبعيتها السياسية والاقتصادية، والعمل على تمكين القوى الوطنية واليسارية لتأخذ دورها ولتكون قاطرة تمنع الانحراف وتعطّل أي مصادرة، وتحبط أي محاولة، سواء أكانت داخلية أو خارجية، تسعى لتحقيق لذلك، وبذلك فقط تستعيد دورها التاريخي الذي تفتقده اليومفي مقاومة العدوان، في وجه الإمبريالية والصهيونية والأنظمة التابعة لها. فكسر الأساس هو الهدف وكسر الأدوات ضرورة لتحقيقه.

فاليوم، أميركا هي الخطر الذي يهدد البشرية، الرأسمالية هي عدوة الشعوب، المشروع الإمبريالي-الأميركي هو الذي يجب مواجهته، الحلفاء هم كل من يقف في الموقع النقيض من حيث الجوهر والطبيعة والموقع النضالي ومن كل القوى المعنية في كسر الهيمنة الإمبريالية-الأميركية على العالم. هو واقع يستدعي الرد عليه وفي كل الساحات؛ فهذا الإجرام الأميركي الفالت يجب أن يتوقف. من هنا، وعلى هذا الأساس، على كل القوى المعنية، وفي طليعتها قوى اليسار العالمي والعربي، المبادرة لإطلاق أوسع مواجهة ضد تلك العدوانية وبمختلف السبل والوسائل المتاحة والممكنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا


.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا




.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف المدنيين شرقي وغربي مدينة رفح


.. كيف تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية عرض بايدن لمقترح وقف حر




.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا