الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- أريد إتيان ماما - , قالت (طبيبة النفس) : مذكرات جيروفايل (3)

أمير بالعربي

2019 / 6 / 27
الادب والفن


سنتي الأولى في الإعدادية , عندما ذهبت مع ماما للترسيم , قال لها المدير : "يجب أن يقصّ شعره" ... رفضت وقلت لها أني لن أدرس في تلك المدرسة , فذكّرتني برغبة بابا فقلت لها أنه لم يكن يفهم لأنه كان كل يوم يحلق ذقنه ومرة كل شهر يحلق شعر رأسه .... وعندما قالت لي : "ألا تريد أن تسعد بابا ؟" أجبتها أنه كان يريدها هي أيضا أن تقص شعرها لكنها لم تستجب لرغبته .... ضحكت وقالت أن بابا كانت عنده مشكلة مع الشعر , ووعدتني أن تجد حلا مع المدير ... وفعلت .
أخي كان مثل بابا لا يحب الشعر , وكان دائما ما يقول لي أني لست رجلا , وعندما يرى ماما تصفّف شعري يسخر مني ويقول لها : "مَلَاكْ , سنوات قليلة وتكبر ابنتك ويأتيك الخطاب" , فتنهره ماما وتطرده من غرفتي أو من غرفتها .... لم يكن أصدقائي يقولون لي قول أخي , كنت أقواهم وكنت أغلبهم عندما نتعارك , كنت أكره أن يعيرني أخي بأني لست رجلا ولم أفهم ما دخل الشعر في الرجولة والأنوثة ... كنت عندما أسأل ماما عن لماذا يقولون أن الشعر الطويل للمرأة فقط , تقول لي أن ذلك غير صحيح وأن بابا نفسه عندما كان صغيرا كان شعره طويلا لكنها لم ترني أي صورة له . كنت أستغرب لماذا لا توجد صور لبابا وهو صغير , لم يكن جدي فقيرا بل كان غنيا يستطيع توفير كل شيء لابنه , ربما لم يشتر له مصورة لأنه كان يكره أن تبقى لبابا صور بشعره الطويل .... ربما . ضحكت مني ماما عندما قلت لها أن الرسول كان شعره طويلا وحتى الله شعره طويل , ابنة سارة كانت مسيحية وشاهدت مرة معها فيلما جميلا عن حياة الله ... قالت لي ماما أن سارة وابنتها ليستا مثلنا فنحن لا نرى الله عنده جسد وشعر طويل ! لم أفهم وقتها لماذا قالت أنهما مختلفتان عنا , فقد كنا مثلهما في كل شيء , كنت أدرس مع ابنة سارة ... كانت المسيحية الوحيدة التي أعرف , لكني لم ألاحظ عليها أي اختلاف عن بقية الطلبة , أما سارة فكانت صديقة ماما تأكل مثلها تلبس مثلها وتتكلم مثلها ....
عندما أتممت سنتي الثانية , نجح أخي في الباكالوريا واختار أن يصبح كبابا , وعندما قلت له أن المهربين سيقتلونه هو أيضا أجابني أن ذلك لو وقع سيكون شرفا له ...
رأيته غبيا في اختياره , لأنه كان يستطيع أن يختار دراسة أحسن من حلق الذقن وشعر الرأس ومطاردة المجرمين , وسعدت كثيرا عندما قالت لي ماما أنها في داخلها لم ترد له ذلك لكنها لم تستطع أن تقف ضد رغبته .... هكذا كنا دائما , هو في صف بابا , وأنا في صف ماما ...
المهم أني في سنتي الثالثة , صرت أكثر حرية بعد ابتعاده عنا , وأصبحت اهتمام ماما الوحيد .
تلك السنة طلبت منها أن تقص شعرها . قلت لها أن أريدها أن تبدأ صفحة جديدة , فقبلت بشرط أن أفعل مثلها لكني رفضت وظللت ألح عليها حتى استجابت لطلبي , وكانت أسعد اللحظات عندما رأيتها أول مرة ...
كان ذلك يوم أحد , قمت باكرا قبلها وأيقظتها , فطرنا معا ثم غادرت إلى الحلّاقة وعندما عادت ....... رأيتها أجمل من كل السنين التي مضت , وفهمت لماذا كان بابا يطلب منها قص شعرها ... فرحت كثيرا لأنها استجابت لطلبي ولم تستجب له , شعرت يومها أنها تحبني أكثر منه لكني ... كلما تذكّرت بكاءها عند قبره كنت أقول أنها تحبه أكثر مني !
تلك السنة كانت جوهرية في حياتي الدراسية لأني عدت إلى التميز الذي هجرني منذ سنتي الابتدائية الأولى , بعد وفاة بابا . تميزت فقط لأسعدها , كنت كل شيء عندها , ولم يعكّر صفوي أخي الذي لم يكن يعود إلى المنزل إلا مرة كل شهر وأحيانا كل شهرين , كان يستطيع المجيء كل أسبوع لكنه لم يفعل وكنت أقول في نفسي : "أحسن !" ...
قلت لماما في تلك السنة أني عندما أكبر سأصبح مهندسا مثلها , لكني لن أبنِ منزل ابنة سارة مجانا وسأجعلها تدفع ما لم تدفعه أمها !
كنت غاضبا من سارة لأني سمعتها مرة تقول لماما أنها يجب أن تبعدني عن نفسها قليلا , وطلبتْ منها أن يحضر خالي أكثر إلى منزلنا وكنت لا أحب ذلك الخال ! لكن ماما لم تسمع كلامها وقالت لها بأنها لن تسمح لأحد أن يتدخل في تربية ابنها ....
بعد أن غادرت سارة ذلك اليوم , قلت لماما أنها تغار منا لأن ابنتها لا تحبها ولا تجلس معها ... وعندما تذهب لغرفتها لا تفتح لها الباب , وإذا لم تجد الباب مغلقا ودخلت تطردها , كنا ندرس معا وكانت تحكي لي كل شيء عن أمها وعن أبيها ....
خالي أيضا كان يغار منا , لأنه كان فظا مع ابنه , لم أكن أحبه لأنه كان دائما يقول لي أني كبرت ولا يجب أن أقبِّل ماما من فمها , وعندما شكوته لماما قالت لي أن كلامه غير مهم وطلبت مني ألا أجيبه عندما يتكلم معي .
أهل ماما وبابا كانوا يأتون كثيرا لمنزلنا , لكن سارة كانت الأكثر مجيئا , مع مرور الأعوام أصبحت أقرب صديقات ماما ... وكثيرا ما كنا نتعشى معا : هي , أنا وماما , وابنتها . لم أكن أرى زوجها كثيرا , قالت لي ماما أن ذلك بسبب كثرة أعماله , لكن ابنتها قالت لي الحقيقة أن أباها وأمها منفصلان , لم يطلقا لكنهما كانا يتظاهران بأنهما متزوجان ...
سنوات الإعدادية , فُرضت عليّ ابنة سارة , كانت معي في الفصل وفي منزلها ومنزلنا , كنت كثير التشاجر معها لكني في السنة الثالثة حسّنت من سلوكي تجاهها برغم أنها كانت تحبني وكنت أعلم ذلك , لم أكن أحبها لكني تعودت عليها حتى صارت عندي كشيء يجمع بين الصديقة والأخت ... ربما يعود ذلك لغياب أخي تلك السنة , وربما لأني كنت لا أهتم لأغلب بنات المدرسة ولأنها كانت الوحيدة التي دائما ما تكون معي ومع أصدقائي , سارة كانت تقول أننا كنا كالقط والفأر أعداء لكن لا نصبر على بعض , أظنها كانت على حق ...
لا تزال ترفض ألا أناديها باسمها إلى اليوم , صنعتُ لها صفة كلما ذكرتها في غيابها عندما كنت صغيرا : "ابنة سارة" , كنت أناديها باسمها عندما تكون معي واستمر ذلك حتى نهاية الإعدادية . بعدها لم أنادها باسمها بل عمّمت صفتها على وجودها كله حتى عندما تكون معي , ذلك الوجود الذي وعيت حقيقته دون أن أدري منذ الصغر .
وجودها كان في الحقيقة عدما لأنه لم يكن لذلك الوجود أن يوجد لو لم تكن ابنة لسارة , سارة كانت الوجود الحقيقي -الذي بعد ماما- صنع وجودي وأعطى له معنى وحقيقة . علمت ذلك سنوات بعد فاتن التي فعلتْ الكثير , لكنها لم تكن إلا مجرد وصيفة من وصيفات ماما وسارة .
تجاوزت الأربعين اليوم , ولم تعد تلك الحقبة العمرية تستهويني , كبرت ماما وتجاوزت السادسة والستين , وكبرت سارة وتجاوزت السابعة والستين ... كانا في بداية العقد الخامس عندما بدأ كل شيء , وكنت في الرابعة عشرة عندما جربت أول مرة تلك المتعة ... لم أرها محرمة لكنها فهمت أنها غير عادية , كانت ماما مع سارة في خيالي وقتها ... ماما ذلك الحب المثالي الذي لا أجساد فيه , وسارة تلك الرغبة الجامحة التي لا شيء فيها غير الجسد وأوامره ....
مرت السنين بسرعة حتى حضرت فاتن , أستاذة الرياضيات ... أجمل الأساتذة كنّ أساتذة الإنكليزية والفرنسية والإسبانية , أقبحهن كنّ أساتذة العربية والإسلامية والمدنية والتاريخ والجغرافيا والفلسفة , أساتذة المواد العلمية كن في الوسط وفاتن كانت الوحيدة الجميلة بينهن ... رأيتها الأجمل بين كل من وجدوا في المعهد من طلبة وأساتذة وعملة . لم يكن يعنيني أنها متزوجة وعندها أطفال , لم أهتم لفارق العمر أو للخطر عليّ وعليها لو علم أحد ... كنت أهزأ بكل ذاك وبغيره , لم يكن يعنيني إلا ذلك الهوس العجيب الذي كان ينتابني في حصتها , لم تثرني زميلاتي الجميلات ولم أشعر نحوهن لحظة بشيء وأولهن ابنة سارة , لكني كنت جل حصص فاتن ... منتصب القامة ... أجلس في آخر الفصل , أفترسها بعينيّ كأسد شرس يفترس غزالا دون شفقة .. الغريب عندي كيف كنت أفهم دروسها , لله درها ! غذّت عقلي وجسدي أحسن تغذية طوال تلك السنة ...
حاولت أن أبقي لفاتن منزلة مع ماما وسارة , لكني لم أستطع ... لم أرد لها أن تكون مجرد عسكري يفتح باب مكتب الضابط السامي , الكبير . أردت لها أن تبقى ضابطا مع الضباط لكني لم أستطع ورجوت لوقتٍ لو أني استطعت ...
لم أرها يوما عاهرة , أو مجرد امرأة متزوجة تخون زوجها , لم أرها منحرفة تستحق اللعنة أو بيدوفايل استغلت نفوذها على أحد تلاميذها ... بل رأيتها ملاكا طاهرا وحبا فريدا رغم أنه بدأ جنسا وتواصل جنسا حتى نهايته , لم أزدرها أو أغضب منها بعد سنين عندما كبرت وتعلمت وتمرست مع النساء , لم أقل أنه من المفروض أنها هي التي كان يجب أن تكون المعلمة لا العكس ... بل رأيتها الشابة الصغيرة ورأيت نفسي الكهل المُعلِّم . أمضيت بعدها عدة سنوات في الجامعة أقول أني أحببتها , لكني تراجعت بعد أن تأكدت أن ذلك لم يكن حبا ...
الحب لا يمكن ذكره إلا مع ماما وسارة , سارة التي حضرت مباشرة بعد حضور فاتن , لم يكن ذلك صدفة بل كانت تعلم ما تريد وتنتظر لحظة البداية ...
لم تكن سارة طبيبة لم يمسسها رجل لسنين طويلة , لم تكن منحرفة ... كانت حبا حقيقيا لم تفهم كنهه في البدء , أنكرت وجوده بعد ذلك , خافت من أن توصف بخيانة ثقة صديقتها وأي جرم أقبح من أن تغوي ابنها ؟ لكنها لم تكن كذلك .... ومثلما حدث مع فاتن , لم تكن إلا صغيرة لا تزال تخطو خطواتها الأولى في طريق الحب ... طريق طويل لا يعترف بالأعمار والعقول والتجارب , طوبى لمن وعى حقيقته , طوبى لمن باركته قديسة كسارة ... أمي الثانية .
لكن القداسة نفسها تبقى ماما , عام الباكالوريا رأتني منحرفا بعد أن أعلمتها ابنة سارة بعلاقتي بفاتن , لكنها فهمت بعد ذلك خطأها ... وضعها الوهمي كأم في عالم لا أنتمي إليه جعلها تخطئ الحكم , كانت صغيرة لم تفهم بعد حقيقة الأمور , كانت صغيرتي التي أمام عينيها كبرتُ وتعلمتُ فكبرتْ معي وتعلمتْ ... وعندما تعلمت , فهمت ووعت خطاها فاعتذرت عنه دون أن تتكلم , وباركت كل ما أحسّت ورأت كل السنين التي خلت , ولا تزال .
منذ سنوات تزوجت ابنة سارة , -طبيبة النفس- كأمها ... كانت في السابعة والثلاثين , قالت لسارة أنها لا تريد رجالا لكن تريد طفلا ...
قالت لي سارة أنها ودّت لو كان ذلك الولد منّي , فأجبتها أني لأجلها أستطيع فعل ذلك لكن ابنتها لن تستطيع تحمل الأمر , ويكفيها ما تحملت طيلة عشرين سنة خلت وما ستتحمل مستقبلا ...
هل حقيقة تجاوزنا كل الحدود ؟ لا أرى ذلك , الخطوط الحمراء لا يحددها لنا الآخرون بل نحن من نفعل , من قبل بمحظورات غيره جهل الكثير وربما خسر كل احتمال أن يعيش ما لم يخطر على بال بشر .
لا تزال ماما أرملة لم تعرف رجلا بعد بابا , لا تزال سارة متزوجة ولم تطلق ... ولا تزال النساء تركب قاطرتي وتنزل في المحطة الموالية ... لا أحد منهن يستطيع البقاء , ليس ذلك لعيب فيهن , بل فقط لأن البقاء شأن الملائكة والقديسات : أحبكِ مَلَاكْ , أحبكِ سارة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منصة بحرينية عالمية لتعليم تلاوة القرآن الكريم واللغة العربي


.. -الفن ضربة حظ-... هذا ما قاله الفنان علي جاسم عن -المشاهدات




.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة


.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها




.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-