الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم العالي أزمة سورية القادمة

أيهم أسد

2006 / 5 / 8
الادارة و الاقتصاد


يتأسس التعليم في أي مجتمع بناء على منطق الحاجة إليه ووفق ما تقتضيه ضرورات التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وانطلاقاً من ذلك على التعليم أن لا يتناقض مع البنية الإنتاجية للاقتصاد، وأن يواكب الحراك الاقتصادي العام. وعدم التناقض ذلك يعبر عنه بوجود "سياسة تعليمية" تقرأ الوضع الاقتصادي المتغير والمتبدل وتستنتج حاجاته، وتلبي الطلب عليه بمخرجات تعليم مناسبة. ومن وجهة نظر اقتصادية بحتة، يقع على عاتق السياسة التعليمية الموازنة بين الطلب والعرض على التعليم وتقليل الاختلالات بينهما إلى الحدود الدنيا، وهذا ما يعبر عنه في أدبيات اقتصاد التعليم بمواءمة مخرجات العملية التعليمية لمتطلبات سوق العمل، دون أن تُهمل تلك الأدبيات الأخذ بعين الاعتبار كلفة التعليم والعوائد المتوقعة منه، إضافة إلى الأبعاد الاجتماعية والنفسية للعملية التعليمية.
إن أنواع التعليم العالي التي فرّخت في سورية الأعوام الماضية من تعليم مفتوح وموازٍ وخاص وافتراضي بالإضافة للتعليم العالي العام ستزيد من حيث المبدأ حجم الكتلة المعرفية المتداولة اجتماعياً، وتنتج أفراداً ذوي وعي عالٍ نسبياً لهم طموحاتهم وأهدافهم المستقبلية، وهؤلاء قد قبلوا بالتضحية المادية والزمنية لسنوات الدراسة على أمل أن يتم تعويضها لاحقاً من خلال دخولهم حلقات الإنتاج الاقتصادي المختلفة،كما ستنتج أنواع التعليم تلك أفراداً مراكمين لقدرات وطاقات عقلية ومعرفية وهم بحاجة إلى تفريغها في المجالات العملية والنظرية في عملية من إثبات الذات المعنوية والمادية. وبلغة أرقام شهر نيسان من هذا العام نقول إن عدد الطلاب المسجلين في التعليم المفتوح حتى الآن وصل إلى 87114 طالب، وأن عدد الطلاب المسجلين في التعليم الخاص وصل إلى 7 آلاف طالب وبالمجموع فإننا أمام 94117 طالب في نظامين جديدين من أنظمة التعليم التي لم يتجاوز عمرها أربع سنوات وهؤلاء يشكلون ما نسبته 38% من طلاب التعليم العالي العام البالغ عددهم 245 ألف طالب، كما أننا أمام عدد متوقع من الجامعات الخاصة قد يصل مجموعها إلى 43 جامعة في حال تم الموافقة على كل الطلبات المقدمة لإحداثها ( 8 جامعات محدثة ومفتتحة، 2 جامعة محدثة وغير مفتتحة، 18 حصلت على موافقة الإحداث، 15 تقدمت بطلب للإحداث ). هذا عدا عن أعداد الطلاب المسجلين في التعليم الموازي والافتراضي.
وباختصار ستنتج أنظمة التعليم الجديدة عشرات الآلاف من البشر المؤهلين نظرياً، لكن في الوقت نفسه لا يملك الاقتصاد السوري ببنيته الحالية وجهازه الإنتاجي الراهن قدرة على استيعاب تلك الأعداد الهائلة من "المتعلمين الجدد" والوافدين إلى سوق العمل، كما لا يملك بالوقت نفسه إستراتيجية مستقبلية تسمح بامتصاص أولئك الخريجين بسبب افتقاده إلى نموذج تنموي شامل، الأمر الذي يرشح بقاء القسم الأكبر من تلك النُّخب مقذوفة على هامش العملية الإنتاجية الفعلية ومقصّية عنها تماماً، وهنا يبدأ التناقض الاجتماعي، وتظهر المشكلة بين أشخاص تكلفوا مادياً وزمنياً لإعادة إنتاج ذواتهم وتطويرها وبين اقتصاد متخلف امتصهم مادياً من خلال تكاليف رسوم وأقساط التسجيل وثمن المناهج، وعجزَ عن استيعابهم في الدورة الاقتصادية. وسينظر هؤلاء الخريجون لعلاقتهم مع الاقتصاد على أنها علاقة حقوقية بالدرجة الأولى، فالاقتصاد الذي أجاز لنفسه حق سحب كتلة نقدية كبيرة منهم إزاء تعليمهم سيتهرّب من منحهم حق استرداد تلك الكتل المدفوعة عبر حرمانهم من حق العمل الناتج أساساً عن تخلفه وضعف هياكله الإنتاجية.
من حيث المبدأ لا يجوز حرمان أي شخص من حق التعليم مهما كان نوع ذلك التعليم، وبالتالي لابد من أن ينصب الإصلاح على الاقتصاد أولاً، وعلى السياسة التعليمية ثانياً، إذ لا يجب أن يُنظر للجامعات على أنها أكياس نقود تُفرغ في خزينة الدولة فقط، فالعمل يجب أن ينصب على جبهة الإنتاج من حيث إعادة بناء وتطوير الجهاز الإنتاجي ليستوعب الخريجين الجدد سنوياً، ويؤمن لهم فرص عمل حقيقية تحقق لهم توازناً مادياً واجتماعياً ونفسياً، فالحل ليس في منع الناس من حق التعليم بل في إصلاح الاقتصاد وتعميق تقسيم العمل فيه، والأزمة المؤسسة سلفاً بشكل عنق زجاجة بين مخرجات نظام التعليم وحاجة الاقتصاد ستصبح في المستقبل أكثر عمقاً وتجذراً بسبب الآلاف من الخريجين الجدد، وعلى المدى الطويل وإذا لم يُحل ذلك التناقض فإن هذه العملية تهدد بانهيار المنظومة الاجتماعية في سورية، فالسياستان الاقتصادية والتعليمية الآن وبهذه العقلية هما خطوط إنتاج راهنة في مصنع أزمة مستقبلية حيث النظام التعليمي نفسه الذي تعتبره الحكومة إنجازا قد ينقلب إلى مشكلة وعقدة سياسية واقتصادية كونه لا يشكل أكثر من فقاعة في جوف الاقتصاد قد تنفجر فيه ذات يوم.

مجلة المجتمع الاقتصادي. العدد الخامس. نيسان 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أردوغان ونتنياهو .. صدام سياسي واقتصادي | #التاسعة


.. تركيا وإسرائيل.. مقاطعة اقتصادية أم أهداف سياسية؟




.. سعر الذهب عيار 21 يسجل 3080 جنيها للجرام


.. الجزائر في المرتبة الثالثة اقتصاديا بأفريقيا.. هل التصنيف يع




.. ما تداعيات قرار وزارة التجارة التركية إيقاف جميع الصادرات وا