الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


3 الأستعداد السياسي

اسماعيل شاكر الرفاعي

2019 / 6 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


3 ـ الأستعداد السياسي

كانت نظرة محمد السياسية النابعة من دعوته الى التوحيد ، نظرة شمولية لم تخطر في بال أي عضو من أعضاء الملأ المكي ، أو أي رئيس من رؤساء القبائل . في هذه الرؤية السياسية : لم يعد للأرض مالك من البشر ، وانتفت شرعية امتلاكها من قبل القبائل والحواضر والقرى وسكنة المدن ، وصارت مكاناً واحداً ، يعود لمالك واحد هو الله ، خالقه وخالق ما فوقه من سماوات : ( ولله ملك السماوات والأرض والى الله المصير .النور : 42 ) وبعودة هذه الملكية الى الله ، صارت الأرض مكاناً واحداً واسعاً : أوسع من مكان القبيلة ( الحمى شبه المقدس ) الذي كانت تدعي ملكيته ، واكبر من أمكنة القبائل الأخرى ، وأشمل من المدن المعروفة ، ومن حدود المناذرة والغساسنة وما وراءهما من امبراطوريات . انه المكان الأصلي الذي لم تكن ثمة حدود تبعثره وتجزئه لحظة اكتمال خلقه ، وجاء على شاكلة خالقه الذي لا يمكن حده : ( فمن حده فقد جزأه ومن جزأه فقد ثناه ) " انظر نهج البلاغة ودراسة العقاد عنه " . وبهذا التحول في النظرة الى ملكية الأرض ، لم تكتف القبائل بالتخلي عن ملكيتها بل أصبحت مستعدة للهجرة الى خارج العربيا للدفاع عن ملكية الله للأرض وتحريرها من الحدود التي وضعها بنو البشر لها . وقد باشر النبي محمد بتطبيق هذا الوعي بعد الهجرة في ما سمي : بالغزوات والسريا التي امتدحت حركة خيولها الكثير من الآيات القرآنية ، ثم في الحروب والمعارك الكبيرة الفاصلة ( بدر ، أحد ، الخندق ) . وبحركة الخيول هذه التي أباح فرسانها لأنفسهم تجاوز حدود القبائل ومن ثم حدود المدن والأمبراطوريات ، تكوّن وعي سياسي تتدامج فيه الرؤية السياسية برؤية دينية عالمية تنطلق من الأرض صعوداً الى السماوات السبع التي خلقها الله في ستة ايام وكان عرشه على الماء ( الآية 6 من سورة هود ) وبتحرر هذا الوعي من النظرة الضيقة القديمة التي كانت تربط الشرف والمروءة والفروسية بالدفاع عن ملكية مكان القبيلة الصغير ، صار الكون الذي لا حدود له ، بمرئيه ومحسوسه ، وبما ورائه من عالم الغيب ، داخلاً في صميم المعتقد الديني : ككون شوهته وعطلت جماله أفعال الشيطان على الأرض ، والمطلوب العمل على استعادة توازن الكون وجماله . من هذا الهدف الكوني انطلق العمل السياسي الأسلامي باتخاذ قرار الفتوحات أو ( فتوح البلدان ) بتعبير البلاذري . وهذا الهدف الكوني الساعي الى استعادة توازن الكون وجماله ، باستعادة وحدة الأرض عن طريق الفتوحات ، لا يمكن تفسيره بشهوة البدو الجارفة للحصول على الغنائم وحدها ، وغض النظر عن البعد الروحي للدعوة المحمدية ، وما أثارته من حماس في الدفاع عن يثرب المدينة منذ معركة بدر الكبرى وحتى معركة الخندق التي لم تبدأ استراتيجية الهجوم الا بعدها . لا فصل في هذه الرؤية بين الديني والسياسي . الدين يمنح العمل السياسي استراتيجية العمل ، والسياسة تمنح الدين الأمل باستعادة وحدة الأرض عن طريق الجهاد أو الفتوحات . فالعمل السياسي الأسلامي نابع من الرؤية الدينية القائلة بأن للسماوات والأرضين مالك واحد هو الله ، وبالتالي فأن توحيدها عن طريق الحرب المقدسة ( أي السياسة ) يعني تحريراً لساكنها ( الأنسان ) من أوهامه وضلالاته بغض النظر عن اثنيته ولونه ، بالأضافة الى استعادة بكارتها واصالتها الأولى لحظة خلقها الله مع السماوات في ستة أيام ثم استوى على العرش ( ألآية : 54 من سورة الأعراف ) لقد انفتح المكان في هذه النظرة على ما يليه من الأمكنة وصار متحركاً ، تطويه حوافر خيول المؤمنين القادرين على الجهاد من أجل استعادة وحدة مكان الله تحت راية : الله أكبر . هذا هو المعنى الأصلي للجهاد : استرجاع حق الله في ملكية الأرض ، من أجل هداية ساكنيها . فمن غير تحرير الأرض من سلطان الدول والأمبراطوريات عليها ، لا يمكن هداية البشر الذين يعيشون فوقها . ولا استعادة لحق الله ، حتى بعد الأستيلاء عليها عنوة أو صلحاً تحت ظلال السيوف عن طريق الجهاد ، من غير ان يبدأ كادحوها وحارثوها أي ملاكها القدماء بالأيمان بان الأرض التي يفلحونها هي أرض الله ، وانه من الضروري لهم كبشر في طريقهم الى الفوز بالجنة يوم الحساب : ان ينتظروا قرار التصرف بها الذي سيصدر عن حكومة الله في الارض ، الموجودة في يثرب / المدينة . تمت عملية توحيد أرض الله ( أو ما استطاعت جيوشهم احتلاله من أرض الله ) بطريقتين : طريقة الصلح من غير حرب ، وطريقة فتحها عنوة أي بالقوة . ولكي تستمر جيوش الله بالغزو وتحرير الأراضي التي لم يتم تحريرها بعد ، لا بد من وضع ضريبة على انتاج الأرض ( الخراج ) وضريبة راس ( الجزية ) على اصحاب الديانات التي رفض اعضاؤها الدخول في ديانة المجاهدين ، وضرائب كثيرة أخرى على الماشية وعلى ما يضم جوف الأرض من معادن ( كتاب الخراج وكذلك كتاب الأموال ) . جرى ذلك بعد الهجرة الى يثرب / المدينة التي تحول فيها المؤمنون الى امة واحدة : " انهم أمة واحدة من دون الناس " ، كما ورد ذلك في صحيفة المدينة التي كتبها الرسول ، امة ذات كيان واحد منفصل عما سواه من التجمعات السكانية كاليهود والمشركين ، بما بدأ القرآن يبثه بين ظهرانيها من أحكام وتشريعات واجبة التطبيق ، تحول من خلالها المؤمنون بالرسالة المحمدية الى مقاتلين وحماة لأرض الله الواسعة ، يملأ وعي الغالبية منهم شعور صادق بكبرياء تمثيلهم لله على هذه الأرض ، ويصدحون نتيجة لذلك : بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : ( ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم آلمفلحون . آل عمران : 104 ) وفلسفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقع في الصميم من شريعة الدعوة المحمدية . ومثلما ينطبق هذا المبدأ على يثرب / المدينة ، يجب بالضرورة ان يكون متحركاً لتشمل أحكامه كل الأراضي المسكونة ، لكي تكون أرض الله بكل جهاتها ميداناً لطرد المنكر عنها واحلالها بالصالح من الأعمال . *
................................................................................................................
• للاستزادة يمكن العودة الى الطبري ، والى فنوح البلدان للبلاذري ، والى المغازي للواقدي ، والى تلميذه وراويته ابن سعد وكتابه الطبقات . ومن الكتب الحديثة : يمكن العودة الى الجزء الثالث من ثلاثية الدكتور هشام جعيط عن سيرة محمد " محمد في المدينة " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن