الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حكايات الدكتور سْفَر 10
زياد بوزيان
2019 / 6 / 28الادب والفن
كالعادة المكان مدرج من مدرجات قسم اللغة العربية و آدابها بالجامعة المركزية وسط العاصمة الجزائر ، الزمان بداية العشرية الثانية من القرن الواحد و العشرون ، الموضوع المجموعة الطلابية المعروفة باسم مجموعة الخلف يتناقشون حول حكايات الدكتور سْفَر الماضية :
ـــ أخشى أن الدكتور سْفر قد أصاب أمسا لب القضية ، لو تنظرون معي هي فعلا إشكالية صداقة الذكور للإناث. تكاد تكون أمر مستحيل في مجتمعاتنا لأنه في فكرنا و ثقافتنا ما من اختلاء لرجل بامرأة إلا و يكون الشيطان/ الجن ثالثهما أما في المجتمعات الأخرى فضرب الدكتور سْفر العبرة استعارةً في اختلاط الإنس بالجن كما في باريس و نيويورك ما ينجر عن ذلك الاختلاط فعالية النشاط الفكري و الاقتصادي و حتى الاستعاري. خذوا على سبيل المثال ضحالة الاجتهاد التأويلي في القرآن فضلا عنه في أحاديث الصحابة ، عُرف في سياق مجتمع البداوة الجاهلي أن قمة البلاغة و الفصاحة نفسها يمكن أن تُنسب إلى تنافس معشر الجن مع معشر الإنس بلاغيا ألم يقل وليد بن المغيرة عن القرآن « وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه و ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن» أم ماذا تقولون؟
ـــ أما أنا فأعتقد أنك مصيب ، أن المشكل في القرآن أن تعابيره و طريقة نظمها تداولية خاضعة للسياق الجاهلي أي تداولية الخطاب اللغوي في لغة قريش و ما جاورها من قبائل دون غيرها، و بما أننا أمة مجازية مازلنا نحافظ على بعض المعاني بما و صلنا عن تداولية لغة القرآن كونه نزل مجاري للسياق ( بلسان قبلي ) كمثل قوله : الذين آمنوا ولم يَلْبِسُوا إِيمانَهُم بِظُلْمٍ و قوله أيضا : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ و معنى السكن في قوله : و قلنا يا آدمُ اسْكُنْ أنت و زَوْجُكَ الجنَّة ، لكن أيضا تُنُسيت أو أُشتبهت لحد الارتباك أمر المعاني الحقيقية لِأكثر الاستعمالات اللغوية فيه و هي المعاني التي تحملها الآيات المتشابهات ولن نسأل بإزائها أهل الذكر ، كنا سنفعل لو أن حال أهل الذكر و بلدانهم مِن حتى بدايات توسع الدولة الإسلامية كان هو الأفضل على الإطلاق ، لكن مادام الأمر ليس كذلك فالنقد العلمي هو السبيل الأنجع للأفضل ، و الصحابة أنفسهم وقعوا في مثل هكذا موقف ، مثلا مازلنا نقول أن من توقف أنه أناخ لكن هناك : ضجع و هيت و فادارأتم و أضغاث و الغابرين و نكالا و جنفا و غيرها كثير لم نضبط بدقة معناها. و وضع كهذا عندنا ( من منطلق الاحتراس من التأويلات البنيوية في منظومتنا الفكرية و التراثية بخاصة في تأويل القرآن) شبيه بحال النقد في فرنسا قبل تبلور البنيوية في بداية الستينيات حيث كان النقد عندهم يتجاذبه طرفان أيديولوجيان ، واحد حكومي دعي بالنقد الجامعي critique universitaire نقد وضعي لادعائه الموضوعية العلمية و نقد تأويلي أيديولوجي critique d interprétation يحتكم إلى التيارات الوجودية و الماركسية و التحليل النفسي و الظاهرتية في تفسير النصوص ، و إن كان النقد الأول يرفض التحليل المحايث البعيد عن التأثيرات الخارجية فإنه تهيأ لقبول النقد الأيديولوجي بتحفظ بعد أن أبانت منهجيته عن تناقض رفض النقد التاريخي للتاريخ ، و الحال عندنا يشابه هذه المرحلة مع بروز طائفة من الأكاديميين الأيديولوجيين ملتفتين للخطاب القرآني التفاتا تأويليا شديد الحرص.
أتعلمون ما كان يقصد بقوله النقد عند الحافِرة؟ كان يقصد به الدكتور سْفر النقد الذي استحوذ عليه الاسلاميون صابغينه صبغة دينية كأنه فرع من فروع الفقه ( و فعلا أصبحت اللغة العربية مبحث وفرع لا تستغني عنه مدوناتهم ) محولينَهُ إلى شكل من أشكال النيل من حرية الإبداع و النقد ( و على فكرة حرية الإبداع الشعراء و النقاد الحقيقين إن ضاعت منهم ولجوا دروب التفكيه و التأريخ و إضاعة الوقت ) كما تحدث طه حسين عن الانتحال الذي لحق بالشعر الجاهلي مع مجيئ الإسلام خدمة للنزعة الدينية ؛ مازالت بعض الجامعات العربية تحور تراثنا الشعري الجاهلي و النقدي متصرفة فيهه كما يحلوا لها. انظروا مثلا إلى مرثية متمم بن نويرة التي قالها في الجاهلية قبل أن يسلم ، ستجدونها في المواقع الاسلاموية كشبكة فصيح و الألوكة و غيرها ، كأنها تريد أن تأسلم سيرته الذاتية وكل شعره الذي قاله قبلاً! و قارنوا بينها و بين المواقع العلمانية التي تتحرى العلمية فتنقله دون تحريف أو مع ذكر المحقق كموقع أدب مثلاً .
ـــ أما أنا فرأيت بالأمس على اليوتيوب فيديو أردني يقول فيه صاحبه مفتخرا بأن الجزائر هي البلد الوحيد الذي لا يقيم علاقات مع إسرائيل! و لم يعلم المسكين أنه البلد الوحيد الذي مازال يعيش في سبعينيات القرن الماضي ، فليس في الأمر بطولة و لا شكيمة إنما هي العصبية التي حكمت هذا البلد طويلا و سلِمت غير ما مرة من محاسبة شعبها موظفة أرزاقه و خيراته للبقاء في السلطة ، و مازالت تُنبت فيه مخالب الحقد و الكراهية مسنودة من الطغمة أو العصابة الخلف سليلة العصابة السلف.
ــ لقد نَمَت معطياتكم العلمية و مقدرتكم التحليلية كثيرا هذا ولا شك بفضل أسلوب الجد و الهزل الذي تمتع به الدكتور سْفر. أما أنا فليس لدي أي تعليق لكن أرغب حقا في أن أسأل الدكتور سْفَر عندما يدخل عن المصطلح الذي غزا فجأة حياتنا و مدونتنا اللغوية كجزائريين ألا و هو مصطلح العصابة .
الحكاية العشرون « في مزرعة الحبر الأعظم »
لقد خلُص كل حبر إلى تعلم العلم المادي في مزرعته أو ورشته الخاصة ، فقدم للعالم الحضارة المادية التي نعيش ، مساهما واقعيا بكلتا يديه اللتين تثقفان تلكم النفوس روحيا و تبعث فيه الطمأنينة و الهداية الرسولية بذلك اكتسب صفة الحبر الأعظم. فما كسب يا ترى إمام المسلمين من وراء هداية البشر كل يوم و يوم جمعة ناقما مزدرياً محاولا بكل ما أوتي من قوة تجريد الناس بعد تأنيبهم من مسراتهم و ملذاتهم بعد عناء العمل ، بل مرجعا تخلفه و تخلف سائر المسلمين إلى إتباع الشهوات كما يضل يردد!
لمّا قلت لكم سابقا أن اللغة العربية و آدابها بالجزائر يجب أن يتم تطهيرها من كل الزبالة و الأدران العالقة بها ، كنت أحاكي الزعيم المصري سعد زغلول لما قال هبوا أن مجنونا يهذي في الطريق فهل يضير العامة شيء من شكه؟ انصرفوا بسلام ، فقد تذكرت مقولته هذه و أنا اقرأ لشكري عياد قوله : و تبقى حماسة العقاد في الدفاع عن الشاعر المعاصر و الناقد المعاصر في أن يترجما عن نفسيهما و يفكرا بعقليهما[1] فلو أخرجا هذا الشاعر و هذا النقد من سياقهما الجزائري و وضعناهما في السياق العربي المصري مثلا فسيبدوان كأنهما مجنونين ، و هو يعني ﺒ---قوله "يترجما عن نفسيهما" الفئة العلمانية عندنا التي يعوزها ملكة اللغة فلا تترجم بأسلوبها ( ثقافتها) أما قوله "يفكرا بعقليهما" فيعني بهم الإسلاميين الذين يدخلون لازمة الدين و الأخلاق في الحساب ، و إن تجاوزوا الفئة الأولى بثراء مخزونهم اللفظي غير أن المعاني التي تولدها ألفاظهم جارية مطروقة في القرآن و السنة و مصادر الأدب القديم ، و قد أكل عليها الدهر و شرب فلا نظم عندهم ولا أسلوب أيضا. فكأنهم ينظمون بعقول المتقدمين لا عقولهم هم.
يقول شكري عياد يجب إخراج النقد من تقوقعه داخل أسوار جامعاتنا إلى الحياة الثقافية العامة ليغدو خطابا نقديا عاما أولا لتكسير ثقافة الخوف : " و الأدب الحر هو الأدب الحي .. و النقد ملازم للأدب .. و ليس مكانه محصورا داخل جدران الجامعات ، فأعظم ما تكون الجامعة عندما تفتح أبوابها لثقافة الحياة ، و تدفع بما عندها إلى ثقافة الحياة"[2]
و ثانياً تنمية خطاب التحاور بيننا أولا ننطلق به إلى محاورة الآخر ، فمؤخرا بدأ حوار الكنيسة البابوية في الفاتكان للمسلمين بكل أطيافهم ، غير أن نتائج الحوار كانت رجع صدى صوتهما ، فعندما حدد المسيحيون مصدر الصدام قصد النظر فيه مع المسلمون ، حدد المسلمون بدورهم مصدرا آخر مفارق للنظر في صدامهم فيه معهم!
كثير من رجال الدين الغربيين مسيحيين أو يهود ، قساوسة و رهبان و قديسون لهم طاقة ـــ لا أدري أمصدرها إيماني أم لا ـــ على متابعة نشاط ثانوي أو زائد عن مجال التخصص الرئيس و غالبا ما يكون ذي صلة بالتجربة العلمية أي بمجال العلوم المادية فيزياء و طبيعة و طب. لعلكم تذكرون في هذا الصدد مخترع علم الوراثة و هو راهب نمساوي اسمه غريغور ماندل و الأسقف جورج بيركلي و ألبيرتوس ماغنوس أعظم لاهوتي و فيلسوف ألماني من العصور الوسطى ، صاحب نظرية التعايش السلمي بين العلم و الدين و حتى نيكولو مكيافيلي الفيلسوف السياسي اتّبع في شبابه نظام الرهبان الفلورنسيين ، بل هناك من تابعوا دروسا جديدة في تخصصات علمية و فلسفية في كهولتهم و نجحو في أن يأتوا بإضافات حفظها لهم التاريخ . أما ما يقابلهم عندنا فمكتفون راضون بنعمة الوظيفة المحترمة كمرشد ديني أو إمام أو مُفتي أو مُقرأ قرآن أو حتى مُحفّظ الصبية ، برغم سهولة العمل و قلة مدخولها سترضيه و تثنيه على إيجاد مفرغ لطاقتة الفائضة و ربح جنيهات إضافية ، إلا إذا كانت في شكل مساعدات تأتيه جاثية ، أجل لا يكلف نفسه محاولة إعانة نفسه بوظيفة جانبية تقيه الحاجة لأن المنظومة السوسيوــ ثقافية مسجدية أو شعبية ستتكفل بذلك.
أما الطلبة الذي يلجون تخصص علم اللاهوت في الغرب غالبا ما تكون تحفيزاتهم مادية في توفُّر مناصب الشغل أو قل إنه التخصص بالصدفة ، بينما عندنا فتجدهم يُهملون أولادهم في صغرهم لكن إذا قرب موعد ولوجهم الجامعة استدركوا ما فاتهم فأغروهم إغراءً لدخول معترك الوعظ و الإرشاد الديني و التفقه فيهما ، الواحد من العلماء اللاهوتيين الغربيين سيعمل المستحيل من أجل تكريس الإنجيل لخدمة الإنسانية حتى و إن اقتضى الأمر البحث المُضني لتأصيل عقلية لعلم التأويل و هي أبحاث جد محدودة لأن الإنجيل ليس معجز لغويا ، بينما لا يحدث ذلك مع علماء الإسلام وقد تدافع مؤخرا جمهرة منهم جلُّهم من تخصصات علمية كالعلماء السوريون : محمد شحرور و منصور الكيالي و خالص جلبي و لكنهم لقوا هجوما عتي من الفقهاء الكلاسيكيين ، لا شك و أن هناك كلمات مفاتيح في القرآن باستطاعتها لو أعيد تأويلها من أن تحبب شعوب الأرض إلى الإسلام بل و تضفي عليه طابع السلمية و الاعتدال كإعادة قراءة آيات الاختصاص بعالمية الرسالة المحمدية ، بقراءات تأويلية جديدة ناهيك عن آية رباط الخيل و الآيات التي تحض على الكراهية و العنصرية.
واحد مثل الشيخ ولد الددو الذي يعطي دروسا في النحو و الصرف في جامعته الإسلامية الخاصة بنواقشط ، قال أنه لابد لمن يحصل على علامات جيدة أو ممتازة في جامعته أن يكون مؤدبا آدابا إسلامية لأن طالب العلم هو من يخشى/يتقي الله. أوَلم يهديك ضميرك و يؤلمك قلبك على حال موريتانيا في ظل طريقة خشية الله هاته التي تحرص عليها أين هي من حال المغضوب عليهم و الضالين في مجال واحد فقط ؟ و هو نسبة ثقافة القراءة بين طلبتك و طلبتهم وهي نسبة واحد مقابل مئتين! أما في تصورك أن أصحاب العلم أتقياء فصحة لا غبار عليها لكن ليست التقوى إسلامية بالضرورة ، بل كذلك تقوى أهل الديانات الأخرى و حتى تقوى الضمير و الإيمان بالعلم في حد ذاته و بهدايته للإنسانية أخلاقا و معيشةً كما آمن به رهبان العلم الوضعي في عصر التنوير إسحاق نيوتن و فرانسيسكو غريمالدى و جورج بيركلي ، فلولا هؤلاء ما كنت لتتحدث إلى طلابك بدون مكبر الصوت و كهرباء وغيرها . الأدهى و الأمر من كل ذلك أن هذا الشيخ وهو رئيس رابطة علماء المسلمين عندما سئل عن كراهية الآخر في الثقافة الإسلامية و ضرب له السائل مثال عدم إلقاء السلام على غير المسلمين و محاولة التضييق عليهم في الطريق أجابه باسم العلم أن الأمر متعلق بالسياق الذي وردت فيه الآيات الداعية إلى ذلك وفي نفس الوقت يقول بأن القرآن صالح لكل زمان و مكان! أقول لكم بصراحة لا مراء نتيجة هذا المنطق و هذا العلم بين قوسين أنه في حال سقطت الحضارة الغربية لن تخلفها بأي حال من أحوال حضارتنا بسبب الجفاء الموجود بين العلم و تعاليم الإسلام ، لأن التطور خليق بالمعاصرة بل يكاد يكون مرادف لها و معاصرتها ( التعاليم ) للحداثة لا تتأتى دون العلم الذي يفرض القراءة التأويلية الجديدة ، أما جعلها هي معاصرة لنا فإنما يعني الزج المتجدد بنا إلى مدارك التخلف.
الحكاية الواحدة و العشرون « أصل كل عصابة »
قال قائلهم و تحركت آلة الاحتجاجات بعد طول خنوع و قنوع من إقامات الطلبة. ليت شعري و كم كانت الأنظمة الدكتاتورية في العالم الثالث تهاب حشود الطلبة ، تحركت عدالة الحِراك باتجاه محاسبة رؤوس الفساد وهم عدد معتبر من الذين كانوا مقربين من بوتفليقة ، من عرين الطلبة الحاملين لمشعل العلم و منظماتهم الطلابية ، منادين بالعدالة و الاقتصاص من العصابة ، فقدم جل الوزراء و رجال الأعمال المحسوبين على التيار الديمقراطي و الوطني: خليدة تومي و كريم جودي و أحمد أويحي و سلال و علي حداد ، العرباوي ، كونيناف و البوشي بتهم الصفقات و الامتيازات الاستثمارية المشبوهة و النفوذ العائلي بينما أُستبعد عمار غول ( رأس العصابة الحقيقي ) الذي كان أول من تملق الرجل الكسيح في مقابل أن يغنم منصب جديد ، هذا إن دل على شيء إنما يدل على إسلاموية هذا الحراك و عن وجود نية مبيتة لإرجاع البلاد إلى سابق عهدها ، أي محاولة تحكيم الإسلاميين أو على الأقل تكرار سيناريوا محمد مرسي رحمه الله في الجزائر ، بل الأكثر من هذا على خطئية مشروع مستقبل العلم بالمفهوم الإسلامي ، تخطيطا و انتاجا و استشرافا ، لأن من يحرص و يحرّض على عدالة اللاعدالة و نزاهة اللانزاهة هذه هم الطلبة مستقبل الأمة باحتجاجاتهم غير المصوبة المستمرة. و لعل ما يدل على تحيز حراكهم باتجاه خطاب إسلاموي بالقطع هو التشدق بالأداء الجماعي للصلاة في الساحات و بدئهم في رفع رايات جانبية غير العلم الوطني يحدث هذا كله تحت أعين القايد صالح ؛ بالرغم من أن قطاع الإعلام و نخبته المثقفة وهو بالمناسبة القطاع الوحيد الذي يغلب عليه العلمانيين عندنا ، عكس القطاع الأكاديمي و التربوي الذي يطغى عليه الخطاب الاسلاموي المتمثل في الحَمْسيين و الأصوليين (خلايا الفيس النائمة) ، فتذكرني حالة غليان قطاع التعليم العالي و الشعبي الملتبس المشبوه و المشكوك في نوياه بقطاع الإعلام التونسي بعد هروب الرئيس بن علي ربيع 2011 حين حدث تغير مفاجئ في خطابه ، من خطاب علماني إلى خطاب إسلامي ؛ بالإكثار من بث الأناشيد و الأدعية الدينية و الحصص التي تأخلقت فجأة و صارت ترشد و تعظ متوقفة عن بث الأغاني العربية نهائيا! و امتد بهم الحال إلى غاية انتخاب القايد السبسي من ثمة بدأت الأمور تعود رويدا رويدا إلى سابق عهدها. أخشى أن الأمور سائرة بنا نحن في الجزائر إلى ما يشبه الحالة التونسية لكن ليس في قطاع الإعلام بل في قطاع التربية و التعليم العالي ، فمنذ بداية الاحتجاجات قامت إدارتنا بترقية مُريبة لعدد معتبر من الأساتذة الغير الأكفاء ، لكنهم أكفاء في إبرام صفقات المصلحة بينهم و التبهرج بمظاهر الالتزام الديني و الأخلاقي ، فأصبحوا بين ليلة و ضحاها رؤساء مجالس علمية و عُمداء كليات!
و الله أن متيقن أن الجيش الذي أخطأ تقديرا في اختيار خليفة لبوتفليقة بعد التأكد من عدم تعافيه لن يخطأ مع هؤلاء الغوغاء وهو يرقُبُهم بل قد شرع في تحذيرهم وسيحين و قتهم قريبا.
ــ هل تقصد إمكانية تفريقهم بالقوة و ضربهم؟
ــ نعم ، أنتم بصدد مؤسسة عريقة تحكم البلد منذ نحو ستين عاما لها شبكة استخباراتية و أجهزة استشرافية كُفئة و متطورة ناهيك عن الخبرة في التعامل مع البؤر التي هددت و تهدد أمننا القومي. فإذا كان نجح مِن اختراق الجماعات المسلحة الإرهابية عن طريق ما عُرف بمجازر الضواحي بسياسة فرق تسد أو سياسة من يقتل من؟ بالرغم أنه وُجِهت له التهمة بارتكاب تلك المجازر غير أنه استطاع إقناع المواطنين بأن المذابح المرتكبة في حقه لا يمكن اقترافها إلا من هم من أبناء الأحياء أنفسهم و ذلك شيء لا يقدر عليه غير أعضاء الجماعة الإسلامية المسلحة اﻠ--- GIA بالتالي بتر الإرهابيين عن لحمة المجتمع ، أخشى هو الآن بصدد إيجاد وسيلة مماثلة مثل ما فعل الجيش المصري في إيجاد مُبرر التخابر مع قوى أجنبية و لن تكون هذه الوسيلة غير الأمازيغ في رأيي ، فالأمازيغ قد ظهروا بوضوح في الأسابيع الماضية رافعين شعارات مناوئة للسيادة الوطنية علما و تراثا ثقافيا و قد أطلق عليهم القايد صالح اسم القلة الأيديولوجية الحاملة لشعارات مُضللة للمظاهرات السلمية ، لاشك أنه سيستثمر في هذه الثغرة لضرب المظاهرات و إرجاع الأمور إلى سابق عهدها.
ولو رجعنا إلى الحقيقة أم الحقائق جميعا لوجدنا أن الجيش الجزائري الحالي نفسه عبارة عن عصابة مجرمة حكمت البلاد بالقوة راهنة تقدمها منذ 1962 إلى يومنا ، لكن كما قلت لكم ضعف التيار الديمقراطي و الليبرالي عندنا هو الذي حتّم و مازال يحتّم على الجزائريين و الوطنيين الحقيقيين الغيورين على الأصالة و النكهة الجزائريتين من السكوت و الرضى بحكم الجيش لأنه بغيابه يعتلي الحكم من هو أخطر و أشد إجراما و هم الإسلاميين . و لعل الشخص الوحيد الذي لم يتخوف من الجهر بهذه الحقيقة فأودع السجن هي رئيسة حزب العمال. لذلكم فإن العصابة الحقيقية أصل كل عصابة حالية هي جماعة وجدة أي أفراد بعينهم من جيش التحرير الذي حارب فرنسا في مقدمتهم العقيد محمد بوخروبة المدعو هواري بومدين ( و هم شئنا أم أبينا العصابة الخلف التي تفتخر بها العصابة السليل ) ينضاف لهم جماعة القاهرة أي عصابة أحمد بن بلة لتكتمل حلقة العصابة في ذات يوم من أيام سبتمبر العام 1962 مُدشنين لحقبة الدكتاتورية و القبضة الإجرامية على شعبهم و مقدراته التي تحسدها عليهم الشعوب الأخرى.
الحكاية الثانية و العشرون « حلحلة مشاكل الأقليات المسلمة في العالم »
« كم سمعنا في نهاية القرن الماضي عن المجازر و المذابح الصربية ضد البوسنة و الهرسك التي أقامت الدنيا ولم تقعدها ضجيجا و عويلا أما اللغط الإعلامي حول ممارسات اليهود العنصرية ضد الفلسطينيين فحدث ولا حرج ، بخاصة من قبل الوسائل الإعلامية الإسلامية في السعودية و الجزيرة و الجزائر. و ها نحن اليوم نسمع عن اضطهاد أقلية الروهينغا المسلمة في بورما/ ميانمار بنفس حدة الخطاب التأويلي التشهيري الذي نهضت عليه تلك الوسائل. لكن برغم من أني لا أعمل لصالح أحد ، حتى مجلس الأمن نفسه و منظماته المدنية و الحقوقية ، غير أني أقول لكم بكل صدق ضمير أن في الأمر تضخيما مقصودا يعني هل ستكون لتلك الأقليات المسلمة حياة ملائكية من دون جميع الأقليات في العالم تجعلها دائما موضع عنصرية!؟ ثم أن هناك أقليات مسيحية و بوذية في كل أرجاء المعمورة صُفيّت عن آخرها و مورست عليها أشد أنواع القهر و الاضطهاد العنصري غير أنها لم تحظى بالمتابعة الإعلامية و التشهير المنقطع النظير بحقوقها كما حصل مع مسلمي الروهينغا ، أبرزها إقليم دار فور بشمال السودان و قبلها كانا التاميل و الآرمن و جنوب السودان الذي نال استقلاله كأقلية مسيحية بعد حرب طويلة مع المسلمين في الشمال لكن بمجرد أن تظاهر الإريتريون المسلمون مطالبين بالانفصال حتى مكنهم المسيحيون الإثيوبيون من استقلالهم. فهل يعني ذلك أن الأقليات المسلمة أرقى خلقة من الأقليات المسيحية و البوذية و الهندوسية في العالم؟ يعني هم مخلوقين من ذهب و الأجناس الأخرى مخلوقة من فضة ، أم ماذا؟ و إلا فأين تكمل المشكلة أساسا؟ .. » هذا جزأ من كلمة خبير السّلم الأمريكي سكوت ليبرمان المختص في حل المشاكل و النزاعات العالمية مضيفا :
ـــ لعلَّ المشكلة تكمن في تصور المسلمين أنفسهم أطهارا و أخيارا محظيي السماء/الله. حسب ما هو مدون في قرآنهم أنهم أفضل عباد الله لأنهم يأدون الصلاة و يأتون الزكاة و يأمرون المعروف و ينهون عن المنكر ، وأنهم الموعودين بالجنة و غيرهم ضالين و أنجاس موعودين بالنار. فالذين مُنِعوا من أداء الصلوات في غير أماكنها المخصصة مثلا يتصوروا أن شيطان الكفر يريد بهم إذلالاً لا قانونا يريد بهم خيرا و تنظيما وهكذا دواليك مع فرص التوظيف و العيش الكريم . و هذا لعمري خطأ بشري جسيم توصلنا بجهدنا المعتاد من التوصل إلى حلول تقي من استفحال الوضع و سقوط مزيد من الضحايا. سأعطي خطة شاملة لحل مشكلة بورما مع الأقلية المسلمة و حل نهائي لمشكلتي كاشمير و طنب الكبرى و الصغرى :
1 ــ أما جزر طنب الكبرى و طنب الصغرى و أبو موسى فنجعلها بسكانها الثلاثة ألاف إيرانية و إمارتية في الوقت ذاته ، كما جعلنا مثلث حلايب سودانيا و مصريا لا جرم أن أصلهم جميعا مسلمين ، نجعل علَمهم من جهة إيراني و من الجهة الأخرى إماراتي و جواز سفر إماراتي وإيراني كذلك ، لسكانها الحق في التمتع بمواطنيتهم كإماراتيين بدخول الشارقة و غيرها من الأراضي الإماراتية متى أرادوا و كإيرانيين لهم الحق في أن تكون طهران عاصمتهم ، بالمختصر المفيد لهم حقوق الشعبين الإماراتي و الإيراني سياسيا و اجتماعيا و اقتصاد الموارد تعود لأهل الجزر. مع شرط واحد و وحيد عدم الحِرص على التناسل المفرط ، يعني فرض قانون تحديد النسل على أهل الجزر الثلاث. اللغة لغة مزدوجة. الحاكم يُختار بديمقراطية يتبع الدولتين معا أما ديانة الجزر فالإسلام شيعيا كان أم سنيا.
2 ــ لأن لِإقليم كاشمير المتنازع حوله بين الهند و باكستان وضع مختلف ، بعدد سكان معتبر 15 مليون فيهم أقلية هندوسية ، لا يمكن منحه استقلال عن الهند التي تعد أكثر من مليار نسمة ، اِرتأينا عوض ذلك ضمان خمسين بمئة من موارده للكاشميريين مع امتيازات خاصة للطرفين الكاشميري و الهندي أما باكستان تستفيد هي الأخرى من طريق سيار يصلها بالتبت مرورا بوسط الإقليم لفك العزلة عنها و يبعد الواحد عن الآخر مسافة من 30 إلى 50 متر، بإمكانهم إقامة مراكز للتوقف فيه لكن تحاط حواف الطريق الخارجية بعازل أو سلك شائك.
3 ــ بالنسبة لبورما هناك تعدد ثقافي ( % 58 بوذيين و 38 % برمان و 4 % روهينغا ) لو استثمروا فيه مثل الحالة اللبنانية لكان أفضل لكن الجهل و الانعزالية لا يخلقان غير البغض و العداء ثم الفقر ، عدد الروهينغا في إقليم أركان المسلم نحو 6 ملايين جلهم فقراء ، و الدراسات التاريخية الرسمية تقول أنهم بدون جنسية أصيلة فمن سيأخذ بيدهم غير المجتمع الدولي ، أي قدموا مع الانتداب البريطاني عام 1824 ربما تكون جنسيتهم بنغالية و في هذه الحالة جزء من المسئولية يقع على عاتق بريطانيا ـــ وربما يكون ذلك بإيعاز من أمراء عرب لنشر الإسلام في جميع أنحاء العالم! ـــ و الحل لهذه المعضلة التاريخية اقتصادي محض ، يجب أن تتكفل به الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنح القروض و فتح المشاريع الاقتصادية بالتنسيق الدولي مع المنظمات الإنجليزية و البنغالية في قطاع الاستثمارات ، لأن الفقر يزيد من تفاقم العداء العنصري نتيجة النشاطات الغير أخلاقية و العنف السياسي و العينة الغير خافية عن الأعين هي في قطاع غزة ، لذا كان على المجتمع الدولي معالجة القلاقل السياسية بالصفقات الاقتصادية و التوجه بصفقة القرن بشكل مماثل نحو الأقليات كل على حدى .
ــ هذا ما كان من دبلوماسية السيد ليبرمان. و لعل حسن الختام الاعتبار ما دمنا في السياق.
انتهى
[1] - شكري عياد : مدخل إلى علم الأسلوب ، ص20.
[2] - المرجع نفسه ، ص 9.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تفاصيل انطلاق مهرجان الموسيقى العربيةفى دروته الـ 32 الحدث
.. مهرجان الموسيقى العربية.. 14 ليلة غنائية وموسيقية على مسارح
.. تذكرتي تتيح حجز تذاكر حفلات وفعاليات مهرجان الموسيقى العربية
.. ابنة ثريا ا?براهيم: محمد سعد عمل لها نقلة فنية في فيلم «كتكو
.. بسمة الحسيني: أولويات الإغاثة الثقافية في المناطق المنكوبة •