الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدخل إلى رواية فئران لاغوس

محمد رمضان الجبور
(Mohammad Ramadan Aljboor)

2019 / 6 / 29
الادب والفن


مدخل إلى رواية فئران لاغوس
بعد أن صدرت للروائي مصطفى القرنة العديد من الروايات أذكر منها على سبيل المثال للحصر ، دموع على حدود طنجة ، بنسمايا ، عائلة من الروهينغا ، خيمة مُشرعة للرياح ، المدرج الروماني ، وغيرها ، نقف اليوم على عمل روائي جديد ورواية جديدة بعنوان يشد المتلقي ويفتح أمامه أبواب الخيال ( فئران لاغوس) .
ترتكز الرواية على موضوع قد يكون الأبرز في هذا العمل الروائي ، وهو بمثابة المحور الرئيس في تشكيل طبقات وأنواع السرد المختلفة في هذا العمل ، فالفقر عنصر من عناصر التغير في كل المجتمعات على حد سواء .
وقد استطاع الروائي القرنة بخياله الخصب الجميل ، أن يُشرك المتلقي في أحداث هذا العمل الروائي ، وأن ينتقل بالمتلقي إلى مكان الحدث ، وقد اختار الكاتب مدينة أفريقية تعرضت للكثير من الظلم والفقر ، إنها مدينة لاغوس النيجيرية ، واختيار الكاتب لهذه المدينة الإفريقية لم يكن اختيارا عشوائيا أو بمحض الصدفة كما قد يخطر أحيانا في الذهن ، بل كان اختيارا موفقا لما عانته هذه المدينة من ضيق العيش والفقر حتى فكر أهلها ببيع وأكل الفئران ، فهذا أحمد أبسارو ، التلميذ الفاشل ، الذي وجد نفسه وعائلته في حالة فقر مدقع ووجد بجانبه أم تحتاج للعناية وتأمين لقمة العيش قرر أن يعمل ، حتى لو كان هذا العمل هو اصطيد الفئران وبيعها ، من هنا تبدأ الرواية ، ويبدأ كاتبنا ببراعة الروائي الذي يُتقن ما بدأ به برسم شخصيات الرواية ، فشخصية أحمد أبسارو ، شخصية ولد فاشل دراسيا ، وجبان ، يخاف من كل شيء ، وهو أشبه ما يكون بالفأر ، دائم الشجار مع والدته شوكورا ، نعم هذا هو اسم والدته .
الفضاء الروائي :
يعرف الأستاذ محمد عزام الفضاء الروائي في كتابه فضاء النص الروائي بأنه " الفضاء باعتباره مكانا تشغله الكتابة التي هي حروف تحتل حیزا مكانیا من الصفحة
الورقية ، ویشمل ذلك طريقة تصميم الغلاف وتنظيم الفصول ، وحروف الطباعة وتشكيل العناوین ، وكل ذلك یزید الدلالة عمقا وثراء "
ففي العمل الروائي الذي بين أيدينا نرى أن عنوان الرواية قد تألف من مفردتين ، المفردة الأولى ، فئران ، التي تحمل في طياتها الكثير من الدلالات الرمزية ، فالفأر الذي يحمل دلالة الفقر والخراب والدمار ، والأوبئة والأمراض يصبح تجارة رابحة في مجتمع يعاني من الفقر والأمراض والتخلف ، بل يصبح الهم الأكبر ، فيبحث الناس عنه في كل مكان ، ويصنعون ويبتكرون الحيل للامساك به وبيعه ، فلا يقف هذا الرمز عند هذا الحد ، بل يزداد عمقا وأثرا في هذا العمل الأدبي عندما نرى أن هذه الفئران قد كبرت وانتفخت بطونها وامتلأت من أرزاق وقوت الناس ، واستولت على مخازن الأرز والطعام وغيرها فكبرت وازداد حجمها حتى بات من الصعوبة التغلب عليها ، فهذه المفردة تحمل في طياتها دلالات رمزية أرادها الكاتب ، فما هذه الفئران سوى الفقر الذي راح ينهش البطون الجائعة ، فقد أجاد الكاتب والروائي مصطفى القرنة في اختيار الفأر رمزا للفقر والبطالة وسوء الحال ، وبالإضافة لما ذكرنا فأن هذا الرمز يحمل في داخله دلالة أخرى قد تكون هي الأقوى والأعمق عندما أراد الكاتب الحديث عن الطمع والجشع الذي أصاب الإنسان الحديث وسيطرة فئة قليلة على غالبية المجتمع .
أما عن المفردة الأخرى من هذا العنوان ، فنحن أمام مدينة أفريقية تعاني من ويلات الجوع والفقر ، وسكانها قد ازمعوا على الرحيل إلى الدول الأخرى المجاورة هربا من شبح الجوع والفقر ، فهذه المدينة لاغوس هي أنموذج للمدن الإفريقية ، فالهجرة التي أرادها سكان هذه المدينة قد وجدت في مدن أخرى كثيرة ، ولكن تبقى لاغوس هي الأنموذج الذي أراده الكتاب ليكون مدخلا لهذه الرواية وهذا العمل الجاد .
حتى تلك اللوحة التي زينت غلاف الرواية قد أوحت للمتلقي بمدى الفقر الذي أصاب هذه البقعة من الأرض ، فظهرت صورا لقوارب تسير مبتعدة عن المدينة وفوق هذه القوارب صورا للناس الذين دلت صورهم وما يرتدون من ملابس على فقرهم وضيق الحال التي وصلوا إليها .
الشخصيات :
لا شك أن الشخصية أو الشخصيات التي يقوم الكاتب برسمها في عمله الأدبي تعتبر العامل الأساسي والهام في تتطور أحداث ومجريات القص ، ومن خلال رسم الشخصيات يستطيع الكاتب توصيل الفكرة التي تختمر في ذهنه .
إن تكامل الشخصية الروائية "هو دائماً نتاج مجموع الجهد الروحي والجسماني عندها وذلك الجهد الذي يكشف أدق رابطة أو علاقة معادلة في السمات الخارجية والداخلية للشخصية الإنسانية ، ومن هذه العملية تنعكس ثقافة المكان كلها، وذوقه وتجربته، وانطباعاته المختزنة ومعرفته ووجدانه، والجهد الكبير الذي يبذله في خلق الشخصية وبنائها . .
وقد تعدت الشخصيات في العمل الروائي الذي بين أيدينا ، فظهرت مجموعة من الشخصيات تكمل بعضها بعضا ، فشخصية أحمد ابسارو وأمه شوكورا يشكلان جانبا هاما في تصارع الأحداث وتطورها ، فشخصية أحمد ، بدت شخصية ضعيفة ، مهزوزة ، فاشلة في مجملها ، لذا برزت شخصية الأم ، توجه هذه الشخصية بعد ما رأت الفشل يصاحبها حتى لو كان الأمر باصطياد الفئران وبيعها ، وتظل شخصية أحمد ابسارو وأمه شوكورا من الشخصيات الديناميكية الرئيسة التي لها دور كبير في تحريك الأحداث حتى نهاية الرواية ، عندما يشتد المرض بأحمد ابسارو ، وتكون أمه أيضا قد سقطت وأصيبت بالشلل ، وتطلب النجدة من ابنها أحمد إلا أن المرض كان قد استفحل في جسده الضعيف وخارت قواه وأسلم الروح .
هناك شخصية أخرى كانت ترافق أحمد ابسارو ، وتؤثر عليه وعلى طريقة حياته ، بل ربما كانت السبب الأكبر في دمار حياة ابسارو ، إنها شخصية الفارو أو زعيم الفئران ، التي كبرت رويدا رويدا حتى غدت تحكم وترسم وتتحكم .
وهناك شخصيات أخرى ، كان لها الدور الأكبر في أحداث الرواية وبلوغها الذروة ، مثل شخصية علي ، وإبراهيم ، وعمو سليم ، والطفلة لولو التي تقع فريسة مرض الايبولا وتظل في صراع مع المرض حتى تفارق الحياة .
الفكرة المركزية أو ما يسمى بالحالة الفكرية والشعورية المسيطرة على الرواية هي تصوير الواقع المرير والواقع الذي تعيشه مدينة أفريقية كمدينة لاغوس ، فمدينة لاغوس هي كنموذج للمدن الأفريقية التي تعاني من ويلات الفقر والمجاعة والتشرد ، وأراد الكاتب أن يصور لنا الحال التي وصلت إليها بعض المدن الأفريقية بأسلوب وطريقة قد يشعر المتلقي بنوع من الاشمئزاز ، عندما يصل الأمر بالناس أن يبيعوا الفئران ويأكلونها وهذا ما أراده الكاتب ، أن يصف بشاعة ما وصل إليه الأمر في مثل هذه المدن ، ويتطرق الكاتب إلى موضوع الهجرة ، سواء كانت هذه الهجرة إلى مدن أخرى أو إلى دول أوروبية مثل إيطاليا على سبيل المثال ، فهم يرحلون لأكثر من سبب ، الفقر والبطالة والجوع ، الأمراض والأوبئة التي تنتشر كالنار في الهشيم ، بسبب عدم وجود الوعي الصحي ، انخفاض مستوى التعليم ، الجهل العام ، أسباب كثيرة تجعل من العيش في بعض المدن من المستحيل .
الروائي القرنة أراد أن يرسل لنا عدة رسائل من خلال هذا العمل الأدبي الجاد ، فبنى روايته وأسسها على أبشع الحيوانات وأكثرها تخريبا ، وأكثرها جلبا للأمراض فكان الفأر ، رغم كما قلنا سابقا أن هناك دلالات أكبر من هذه الدلالة ، فما أكثر الفئران التي تشارك الناس في أرزاقهم وتحرمهم من طيب العيش والحياة .
قد يكون هناك الكثير مما لم نذكره أو نتعرض له ، فاللغة والصور الفنية ، واللغة الحكائية ، وتقنيات استخدام الحوار وغيرها من الأمور الفنية تحتاج إلى وقفة أطول ، ولكن يبقى أن نقول أن الروائي مصطفى القرنة استطاع من خلال هذا العمل الروائي أن يقدم لنا صورة تحمل في طياتها الكثير من الرموز والدلالات ، وما أجمل ما ختم به الروائي مصطفى القرنة عندما قال في نهاية روايته هذه " انه الصراع الدائم بين الظلام والنور والموت والحياة ، ولكن الشمس لا بد أن تشرق مهما طال الليل ومهما تكاثفت الغيوم ، ومهما ازداد أعداد الفئران في أي مكان ، ورغم أنف الفقر والموت والجوع الذي ينخر الكثير من المجتمعات البائسة . تغادر شخصيات هذه الرواية بصمت دون أن يعبأ بها أحد وتقدم أوراق اعتمادها للموت طائعة ذليلة لعل في موتها حياة لغيرها من البائسين "
بالتوفيق دائما للروائي مصطفى القرنة ونبارك له هذا العمل الجديد ليكون أضافة نوعية جديدة في صفوف مكتبة الرواية العربية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??