الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقة بين المسؤولية والمحاسبة للموظف

سعد عزت السعدي

2019 / 6 / 30
دراسات وابحاث قانونية


ذكرت المادة الرابعة من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل واجبات الموظف حيث تضمنت (اولا) أداء إعمال وظيفته بأمانة وشعور بالمسؤولية اذن مادام وجدت المسؤولية ايضا توجد المساءلة.
ومفهوم المساءلة؛ فالمسؤول هو الشخص الذي يسأل ويقع على عاتقه عبء الجواب عن تبعات أعماله.
أن تتبعها المحاسبة بما هي عبارة عن مسلسل لوضع القرارات التي اتخذها، والإنجازات التي قام بها أو أشرف عليها المسؤول، رهن إشارة من يملكون القدرة على تقييمها والحكم على مدى صحتها ودقتها، تتلوها المساءلة عند الاقتضاء. والمساءلة قد تقترن بالمحاسبة عندما ينصرف مفهوم المحاسبة إلى أبعد من مجرد "تقديم الحساب" أي عندما ينطوي على معنى المسؤولية على الأعمال التي يقوم بها أصحاب القرار وبالنسبة للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة فإن المساءلة تعني "الطلب من المسؤولين تقديم التوضيحات اللازمة لأصحاب الشأن حول كيفية استخدام صلاحياتهم وتصريف واجباتهم، والأخذ بالانتقادات التي توجه لهم… وقبول تبعات الفشل وعدم الكفاءة أو الخداع والغش". وبالعودة للمسؤولية فإنها تستمد من الصلاحية أو الاختصاص وتتفرع عنه، فالشخص المعهود له بتكليف عمومي عليه أن يؤدي المهمة التي عين من أجلها. فهي مسؤوليته واختصاصه، يؤديها حسب توجيهات أو تعليمات محددة من المستوى الرئاسي. لأن المسؤولية، تمتح مرجعيتها الشرعية من العلاقة الهرمية؛ وتأخذ المسؤولية شكل التزام مستمر ولذلك فإنها لا تفوض بصفة كلية؛ ومادام الشخص الذي يقبل المسؤولية قد يخضع للمحاسبة على مدى أدائه للمهام المسندة إليه فمن الصعب أن يتحمل المسؤولية في غياب السلطة ووسائل التنفيذ، إذ يستحيل تصور تنظيم إداري أو تدبير برنامج أو مشروع عمومي دون أن يكون هناك شخص في مركز يسمح له بإلزام آخر على القيام بأعمال معينة. والسلطة إذ تفوض من أعلى إلى أسفل، فينبغي قبولها من أسفل، بينما المسؤولية تتحرك صعودا من أسفل إلى أعلى. ولا يمكن تفويضها كلية؛ أما المحاسبة وبما هي واجب تقديم الجواب عن مدى أداء المهمة الموكلة، فإنها تستهدف إخلاء المسؤولية. بهذا المعنى فكل من يتولى مسؤولية هو في وضعية محاسبة أو مساءلة مفترضة. إذ يفترض في المحاسبة أن تمثل ذلك العبء الملقى على عاتق كل من يتولى السلطة، ثم يفرغها في شكل مسؤوليات تنفيذية. والأشخاص الذين يتولون المسؤوليات بناء على تكليف من صاحب السلطة لا يمكن لأدائهم الضعيف أن يخلي مسؤولية من كلفهم بتلك المسؤوليات. فالمسؤولية هي بمثابة الالتزام بأداء المهمة المفوضة مع الاستعداد لتقديم الجواب (أي الحساب) على نتائج أداء المهمة المفوضة. يتم إسنادها بتكليف بينما المحاسبة لا يتم إسنادها بتكليف بل يتم قبولها مع تحمل نتائجها. وإذا كانت مرجعية المسؤولية هي السلطة فإن مرجعية المحاسبة هي المسؤولية. والمسؤولية كما سلف لا تفوض كلية لكن يمكن تفويضها جزئيا، بينما المحاسبة لا تفوض إطلاقا. إن أداء الشخص ليس بالضرورة خاضعا للقياس أو التقدير عندما يكون مسؤولا، بينما تنطوي المحاسبة بالضرورة والتعريف على قياس الأداء. وأخيرا وليس آخرا فإن المسؤولية تنشأ قبل أو بعد القيام بالمهمة بينما المحاسبة لا تنشأ إلا بعد القيام بالمهمة أو عدم القيام بها. إن المحاسبة هي خضوع الشخص للسؤال عن عواقب أفعاله أو قراراته، بينما هذه العواقب ليست مرتبطة بالضرورة بالمسؤولية؛ والمحاسبة تتطلب من الشخص أن يكون مسؤولا عن تقديم جواب عن الأعمال التي قام بها، بينما المسؤولية تتطلب من الشخص أن يكون مسؤولا عن القيام بالمهمة التي تم تكليفه بها.
إن أول شرط لازم للتفعيل السليم لمبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة يتمثل في الشفافية والحق في الحصول على المعلومة وحرية تداولها، ذلك أن الشفافية والمحاسبة توأمان سياميان ملتصقان، فالنظام الشفاف يضمن التدفق الحر والشامل والموصول للمعلومات بحيث تصبح متاحة ومتداولة بين جميع المعنيين بها، وفائدة الشفافية كونها تلعب دورا كاشفا للحقائق، وبالتالي استباقيا ووقائيا من الأخطاء، ومن سوء تقدير الموارد، ومن الفساد. والإفصاح عن مختلف القواعد والأنظمة والتعليمات واللوائح المعتمدة في وضع وتنفيذ السياسات واتخاذ القرارات من شأنه أن يسمح فيما بعد بالمحاسبة والمساءلة والتصويب والتقويم.
وأن يسمح قبل ذلك بتحديد الأدوار والمسؤوليات، باعتبار هذا التحديد هو فاتحة مسلسل الربط العملي بين المسؤولية والمحاسبة. وتكمن أهمية التحديد الدقيق للأدوار والمسؤوليات في مواجهة إشكالية رسم حدود المسؤولية وتبديد غموضها؛ ومن خلال التمييز بين مختلف أنواع وأشكال ودرجات المسؤولية؛ وفك عقدة تداخل المسؤوليات وتعويم المسؤولية، المؤدية للإفلات من المحاسبة؛ ونقطة الانطلاقة هي التفويض، تفويض السلطة، ثم التكليف بمسؤولية القيام بمهمة أو نشاط معين لشخص آخر يكون عموما في وضعية مرؤوسية. والتفويض يكون في منصب، أو في وظيفة، أو في مهمة؛ والتفويض يرسم حدود المسؤولية ويعقلن ممارسة السلطة؛ لكنه لا يعفي من المسؤولية، لا بالنسبة للمفوض ولا بالنسبة للمفوض إليه. وتفويض السلطة يختلف في الدرجة والعواقب عن تفويض التوقيع، وشرعية ونطاق المحاسبة مستمدان من شرعية ونطاق التفويض. وإذا كان وعاء المسؤولية هو الالتزام، أي الالتزام بأداء الواجبات المحددة بمقتضى المنصب أو الوظيفة أو المهمة؛ فإن دعامتها هي السلطة: إذ لا مسؤولية حقيقية بدون سلطة في اتخاذ القرار وتنفيذه، وبالمثل، لا مناص للمسؤولية من وسائل التفعيل العملياتية وهي الموارد سواء كانت موارد تقليدية: مادية ومالية وبشرية؛ أو موارد غير تقليدية: قانونية ومعلوماتية وزمنية. ذلك أن تنفيذ مقتضيات المسؤولية صعب، وفي بعض الأحيان مستحيل، في غياب أو محدودية الوسائل العملياتية أو صعوبة تعبئتها ولو وجدت السلطة. ويسمح تحديد الأدوار والمسؤوليات بالمراقبة، بمختلف أشكالها وإيقاعاتها ومناهجها ومستوياتها، فالمحاسبة رهينة بالمراقبة والمسؤول غير المراقب يكون بعيدا عن المحاسبة وأبعد عن المساءلة وبالتالي محصنا من المعاقبة. والمراقبة قد تنصب على مدى احترام القوانين والانظمة واللوائح والاجراءات والتعليمات والالتزامات التعاقدية؛ كما قد تنصب على مدى احترام مبادئ الفعالية والاقتصاد في التدبير العمومي؛ كما قد تنصب على التحقق من مدى تحقيق البرامج والمشاريع والمرافق والمؤسسات العمومية لأهدافها ومدى تحقيق هذه الأهداف للآثار الملموسة بالنسبة للمواطنين، وهذا المعنى الأخير هو الأهم على الإطلاق.
وللقضاء دور مركزي في ترتيب العقاب الناتج عن المحاسبة، إنه القضاء المستقل طبعا، والمعيار العملي لاستقلاله يتمثل في مدى قدرته على تطبيق مبدأ المساواة أمام القاعدة القانونية , فالقضاء الفعال أي السائر وفق إحكامه القضائية الرشيدة وإدارة قضائية حديثة تفعيلا لشعار القضاء في خدمة المواطن المعلق في الواجهة الأمامية للمحاكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالحبر الجديد | نتنياهو يخشى مذكرة اعتقال بحقه من المحكمة ال


.. فعالية للترفيه عن الأطفال النازحين في رفح




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - اعتقال عشرات المؤيدين لفلسطين في


.. العربية ترصد معاناة النازحين السودانيين في مخيمات أدرى شرق ت




.. أطفال يتظاهرون في جامعة سيدني بأستراليا ويدعون لانتفاضة شعبي