الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لو أسند عبد الناصر وزارة المعارف لسيد قطب لتغير مجرى التاريخ

محمد القصبي

2019 / 6 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


ماذا لو استجاب جمال عبد الناصر لتطلعات سيد قطب وعينه وزيراً للمعارف؟
لو فعل عبد الناصر ذلك
لما أصبح قطب ملهماً لملايين الإسلاميين المتشددين عبر القارات الست ، وما أصبح أحد أبرز قادة الاخوان وتطاول شهرته شهرة مؤسسها حسن البنا ..وما أصبح كتابه " معالم في الطريق" "قرآن " الإرهابيين..بل لو استجاب عبد الناصر لتطلعات الرجل لما كتب سطرا واحدا في الكتاب!
فما هي تطلعات سيد قطب التي لم يحققها عبد الناصر ؟

عقب عودته من بعثته الدراسية المثيرة للجدل بالولايات المتحدة توطدت العلاقة بينه وبين عبد الناصر في المرحلة المبكرة من ثورة 23 يوليو إلى الحد الذي بدا فيها " قطب " من ثقة عبد الناصر به وكأنه أحد الضباط الأحرار.
ويحكي المستشار الراحل الدمرداش العقالى، الذي بدأ حياته الفكرية إخوانيا وكان أحد أعضاء التنظيم السري ، يحكي في مذكراته عن هذه العلاقة قائلا :
..لما قامت الثورة، وجد سيد قطب نفسه قريباً من جمال عبدالناصر الذى اختاره نائباً له فى «هيئة التحرير» وهى أول تنظيم سياسى تقيمه الثورة بعد أن أصدرت قرارها بحل جميع الأحزاب السياسية.
شكل جمال عبدالناصر هيئة التحرير لتكون بديلاً عن الأحزاب السياسية المنحلة ، واختير سكرتيراً عاماً لها واختار سيد قطب سكرتيراً عاماً مساعداً.
والذى يعود إلى جريدة «الجمهورية» ، وهى أول جريدة تنشئها ثورة يوليو لتكون لسان حالها، وكان الترخيص بإصدارها باسم جمال عبدالناصر شخصياً، سيجد أن مقالات سيد قطب بها هى المقالات الرئيسية التى تتصدر صفحاتها الأولى، وقد عبر فيها سيد قطب عن ضرورة الثورة والقرارات الثورية التى اتخذتها علاجاً للأوضاع السيئة فى مصر.
ويؤكد العقالي أن سيد قطب كان رسول جمال عبدالناصر إلى التجمعات الطلابية فى المدن الجامعية فى البدايات الأولى للثورة، حين تظاهر طلاب الجامعات مطالبين بالديمقراطية، فذهب إليهم سيد قطب موفداً من عبدالناصر ليشرح لهم الأوضاع السياسية. وكان سيد قطب فى معرض حديثه عن تلك الأوضاع يرى أنه لا مخرج لمصر مما تعانى منه من مشكلات مزمنة ومتضخمة إلا بإطلاق يد الثورة لترتيب البيت الذى تسلمته منهاراً.

وكان سيد قطب يدافع عن موقف جمال عبالناصر مهاجماً الهضيبى وجماعة الإخوان المسلمين.. وقد وصل سيد قطب فى هجومه على المرشد وجماعته إلى درجة التأثيم والتجريم، فكان يرى أن أهداف الأمة المتفق عليها لا تتحمل الديمقراطية لأنها أهداف استحكمت فى ضمير الأمة وعقلها الجمعى الباطن. ولذلك فإن تلك الأهداف لا تحتاج إلى ديمقرطية لتحقيقها بل إن تحقيقها هو الذى يفتح الباب أمام الديمقراطية التى ليست شرطاً لتحقيق الجلاء ومحو الأمية والإصلاح الزراعى والتصنيع والتحرير. ولكن الجلاء وخروج الإنجليز والتحرير من الإقطاع والرأسمالية هو الشرط الأساسى لتحقيق الديمقراطية.

هكذا ظل سيد قطب هو مفكر الثورة أو أحد مفكريها وأبواقها فى أوساط الجماهير- طلابية وعمالية وفلاحين- وكان شديد الولاء لجمال عبدالناصر وقوى الإيمان بزعامته. حتى جاء المنعطف الذى حول سيد قطب من مناصر للثورة وزعيمها إلى معاد- شديد العداء- لها.
فما هي الدوافع وراء هذا التحول الهائل ؟

بعد إقالة وزارة على ماهر- أول وزارة شكلتها الثورة- تقرر تشكيل وزارة جديدة برئاسة محمد نجيب، ففاتح جمال عبدالناصر صديقه سيد قطب فى أمر تعيينه وزيراً للمعارف فى الوزارة الجديدة، التى تجرى المشاورات لتشكيلها، وجاء سيد قطب إلى أصدقائه وأهله ومعارفه ليتحدث معهم فى هذا الأمر، الذى اعتبره وعداً من جمال عبدالناصر وليس مجرد تشاور.

ولكن قبل إعلان التشكيل النهائى للوزارة الجديدة- طبقاً لرواية العقالي الصديق المقرب من سيد قطب خلال مرحلة الطفولة والشباب، و زوج إبنة أخته - جاء جمال عبدالناصر إلى سيد قطب ليعتذر له عن وزارة المعارف التى كان قد «وعده» بها، بحجة أن كمال الدين حسين- عضو مجلس قيادة الثورة- كان مصراً على تولى هذه الوزارة بنفسه، وعرض جمال عبدالناصر على سيد قطب وزارة الأشغال بدلاً من وزارة المعارف، التى كان يرى سيد قطب أنه أحق بها من الجميع. .

غضب سيد قطب غضباً شديداً واعتبر عبدالناصر مسؤولاً عن ضياع حلمه فى وزارة المعارف التى كان ينتظر تعيينه بها مكافأة له على تأييده للثورة والدعاية لها.. وكتب لأحد أصدقائه وهو حسين عبدالفتاح الترامسى ناظر مدرسة «موشى» الإعدادية بأسيوط يقول له «إن العسكر استكثروا على سيد قطب وزارة المعارف.. والله سأجعلهم يدفعون ثمن استهانتهم بى غالياً».

انزوى سيد قطب بعد ذلك، ولم يعد إلى نشاطه السابق فى هيئة التحرير، بل أخذ يقترب من الإخوان الذين لم يكفوا عن مغازلته حتى وهو فى أحضان الثورة بقده وقديده.

وفى نوفمبر عام 1953 - يقول المستشار الدمرداش - اقتحمت جماعة شباب الإخوان من أعضاء التنظيم السرى- وكنت واحداً منهم- بيت حسن الهضيبى ليطالبوه بالاستقالة تنفيذاً للاتفاق الذى عقدوه مع زعيمهم عبدالرحمن السندى على إقالة الهضيبى.. وأما وقد فشل هؤلاء الشباب فى الحصول من الهضيبى على الاستقالة، فقد اتهم الهضيبى عدداً من قيادات الإخوان بتدبير هذه «المؤامرة» عليه، وكان صالح عشماوى، رئيس تحرير جريدة الدعوة، لسان حال الإخوان المسلمين، واحداً ممن أدانهم الهضيبى بمسؤولية التآمر عليه.. فقرر الهضيبى فصل صالح عشماوى ومحمد الغزالى من جريدة الدعوة، بل ومن جماعة الإخوان كلها.

وحين انفصل عشماوى عن الإخوان- وكان صاحب الرخصة لجريدة الدعوة- قرر الانفصال بالجريدة وسخرها للهجوم على الهضيبى.. عندئذ فكر الهضيبى فى إصدار جريدة أخرى غير «الدعوة» التى انتقلت إلى خصومه، وكان من شروط الترخيص لإصدار جريدة جديدة- ولا يزال- تحديد اسم رئيس التحرير الذى يصدر الترخيص باسمه.
تقدم الهضيبى بطلب إلى وزير الداخلية- الذى كان فى ذلك الوقت هو جمال عبدالناصر نفسه- ليصرح له باستخراج جريدة جديدة باسم «الإخوان المسلمون» محدداً اسم رئيس التحرير وهو سيد قطب إبراهيم!! حين تقدم السكرتير بطلب الترخيص لجمال عبدالناصر وقعه فوراً، بمجرد أن علم أنه طلب من الإخوان إصدار جريدة جديدة، فاندهش السكرتير من السرعة التى رأى عبدالناصر يوقع بها طلب الترخيص، مما حمله على سؤاله: هل تعلم من هو رئيس التحرير؟ فقال عبدالناصر: أياً كان رئيس التحرير، فقال السكرتير له: إنه سيد قطب!
هنا توقف عبدالناصر الذى لم يكن قد قرأ اسم رئيس التحرير على طلب الترخيص.. وطلب من سكرتيره أن يستدعى له " قطب" ليتأكد منه بنفسه، فربما يكون الهضيبى قد وضع اسمه على الطلب دون علمه ليورطه.. أو يوقع بينه وبين عبدالناصر.. وحين جاء سيد قطب، سأله عبدالناصر: هل أنت من الإخوان؟ وكانت هناك واقعة سابقة سأله فيها جمال عبدالناصر نفس السؤال: يا أخ سيد هل أنت من الإخوان؟ فنفى سيد قطب أى علاقة له بالإخوان..
أما هذه المرة أجاب سيد قطب: لم أكن.. فكنت!
. قال له جمال عبدالناصر: أنت حر فى أن تنضم لمن تشاء ولكن أرجو ألا يكون ذلك «تصفية حسابات»!!

لكنها بالفعل كانت تصفية حسابات ..طفح الشعور بالفشل في تأكيد الذات عبر منصب رسمي مرموق كوزير للمعارف .
وواصلت جريدة الإخوان المسلمين هجومها على عبدالناصر والثورة ولم يتعرض لها أحد بالمنع أو المصادرة حتى وقعت محاولة اغتيال عبد الناصرفي ميدان المنشية بالأسكندرية ..فقبض على سيد قطب مع من قبض عليهم من قيادات الإخوان فى ذلك الوقت وقدم إلى المحاكمة، وتم الحكم عليه لمدة خمسة عشر عاماً بتهمة الاشتراك فى تنظيم يستهدف قلب نظام الحكم بالقوة المسلحة.
وفى أعقاب إصدار «الميثاق» دارت المناقشات حوله فى أوساط المثقفين المصريين.. وكان الرأى الغالب على تلك المناقشات والتفسيرات يتجه نحو الماركسية واليسار، فكثرت الكتابات عن الميثاق كما لو كان اجتهاداً من الشيوعية.. وكان ذلك على خلاف ما كان يراه فيه عبدالناصر.. وحين فكر عبدالناصر فى الخروج من هذا المأزق الذى وجد الماركسيين يحفرونه له.. لم يجد أمامه غير سيد قطب.. فهو المفكر الوحيد القادر على أن يفهم الميثاق فهماً إسلامياً يتفق مع فهم عبدالناصر له.
قرر عبدالناصر الإفراج عن سيد قطب، وفور خروجه من السجن استقبله فى بيته، وقال له: إن الجماعة الماركسيين افتكروا أن الميثاق فتح لهم الطريق «لمركسة» الثورة، وأنت أعلم بأن الثورة ليست ماركسية ولن تكون، وأنا أريدك أن تكتب عن الإسلام، فى مواجهة الماركسية لإيقاف هذا المد الماركسى عند حده. وهنا سأله سيد قطب: وهل سيتركنى زبانيتك لأكتب ما أراه؟ فقال له عبدالناصر: اكتب ولا شأن لك بهم ولا شأن لهم بك..وفعلاً خرج سيد قطب من مقابلته لعبدالناصر ليكتب أخطر كتبه على الإطلاق: «معالم فى الطريق» الذى يكاد يكون الأساس فى الفكر المتطرف الذى تشهده الساحة الآن. أو «مانيفستو» الإرهاب!
ويشير العقالي إلى أن كتاب «معالم فى الطريق» طبع أكثر من طبعة ، وكانت تنفد كل منها بعد ساعات من إصدارها، وغنم "قطب " من وراء الكتاب مادياً مالم يغنمه من مؤلفاته الأخرى، فغير مسكنه من شقة متواضعة إلى فيلا فاخرة فى حلوان. واعتبر ذلك مؤشراً صحيحاً على اندماجه فى المجتمع، وانسجامه مع الأوضاع فيه..

ولقد نبه سيف اليزن خليفة رئيس المباحث العامة فى تلك الفترة خلال تقريرً له إلى خطورة الكتاب على المجتمع. ورفع التقرير إلى جمال عبدالناصر مقترحا منع الكتاب من الطبع والتداول لخطورته، ولكن عبدالناصر رفض التعرض للكتاب.

وهكذا نضح أخطر كتاب في الفكر التكفيري من عقدة صاحبه الناجمة عن فشله في تأكيد الذات ..خاصة بعد إلقائه في السجن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م