الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولاند ترامب هددني، هل هددك أنت وشعبك ؟

أحمد سالم أعمر حداد
(Ameur Hadad Ahmed Salem)

2019 / 7 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


العالم، وعلاقاته الدولية المفترض أنها قائمة على حفظ السلم والأمن الدوليين، إنماء العلاقات الودية بين الأمم، وتحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والانسانية كما ينص على ذلك الفصل الأول الخاص بمقاصد هيئة الأمم المتحدة ومبادئها، قد يتحول الى لعبة فيديو عملاقة من النوع القائم على العنف، القتل والسلب المتبادل، في وضع مخجل للإنسانية أكاد من خلاله أن أتصور رؤساء وملوك الدول يهاتفون بعضون وهم يتصايحون، أو يبرقون بعضهم عبر تطبيق الواتساب، أو يغردون عبر تويتر، يستنجدون، ويتساءلون " ترامب هدنني، هل هددك أنت وشعبك؟

من الواضح جدا أن العلاقات الدولية أصبحت صراعية، تافهة وتنزع الى الصراع والصدام وتشكيل المحاور الصغيرة، ضيقة الأفق، وعديمة الفعالية على مستقبل الكون وساكنته من البشر، والحيوان ومكونات البيئة، أكثر من نزوعها الى التعاون والبحث عن السلمي الازدهار الكوني، في حين يظل التطور الجديد في العلاقات بين الأمم والشعوب القمين بالمتابعة، العصي على الفهم، والتفسير معا، هو تهديدات الرئيس الأمريكي التي يطلقها عبر القارات، بشكل مفرطـ، الى درجة أصبح معها التهديد، والتهديد المرفق بالحصار الاقتصادي، او الحرب، او هما معا، مؤسسة دولية كبرى لصدوره عن دولة عظمى، مثل الولايات المتحدة، المفروض أن تكون مصدرا لقيادة العالم وفق سياسات كبرى تميل الى واقع التعاون بدل الصراع، بدل الحلول محل منظمة الأمم المتحدة، ذلك لأن "مؤسسة ترامب للتهديدات العابرة للقارات "، تشير بكل بوضوح الى احتقار منظومة الأمم المتحدة وكل ترسانتها القانونية، وكل الجهود التي تبذلها الدول، المنظمات والشعوب بهدف النهوض بأوضاع الانسان على الأرض.

ترامب يهدد شعبه دائما بحالة الطوارئ واعلاق المؤسسات، وقبل شهرين هدد دولاند ترامب بأنه قد يغلق الحدود مع المكسيك أمام التجارة، إذا لم تمنع الأخيرة قوافل المهاجرين من الوصول إلى الولايات المتحدة، لافتا إلى أنه سيبقي الحدود مغلقة "لفترة طويلة". ترامب يهدد ويهين المملكة العربية السعودية بالزوال نهائيا دولة وشعبا اذا رفعت عنها الحماية الامريكية في بحر أسبوع واحد، وأكثر من ذلك يطالبها بكل صراحة بالاستمرار في الدفع بملايين الدولارات فقط، مقابل هذه الحماية حفاظا على حياتها. هكذا، بكل بساطة على نهج القراصنة القدامى، عندما يخيرون ضحاياهم برا بالتخلي، عن حمولة القافلة، أو بحرا بالتخلي عن حمولة السفينة، كفدية أو تقديم حياتهم مقابل ذلك.

ترامب يهدد الصين برسوم جمركية وبحصار اقتصادي غير مسبوق، ويقول لها بكل صراحة: الصين لن تصبحي قوة عظمى في عهدي أبدا، ويقول أنه سعيد بعقوباته على الصين، التي سوف تؤدي الى انكماش الصين اقتصاديا، تخلفها تكنولوجيا، وتعثر نموها الاقتصادي وتوقف ابتلاعها للسوق العالمي بما في ذلك السوق الأمريكي، مقابل حقيقة رغبته في حل معضلة العجز التجاري الامريكي مع الصين الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا أبدا، والذي ارتفع شهر مارس الماضي ليصل الى إلى 50 مليار دولار، بدل الاستمرار في المفاوضات والتعاون وحل المنازعات التجارية وفق قواعد الدبلوماسية الاقتصادية.
ترامب هدد تركيا بالحصار وتدمير اقتصاديا بسبب تفضيلها الطائرة الروسية اس 400، بدل المقاتلة الامريكية اف 35.

ترامب يهدد الرئيس نيكولاس مادورو في فنزويلا، بغزو بلاده عسكريا، ويهدد كوبا بحصار شامل، وعقوبات قاسية اضافية، إذا لم تتوقف عن دعمها لنظام الرئيس الفنزويلي "نيكولاس مادورو".

ترامب يهدد ويبخ عمدة لندن، صادق خان، في عقر دارة وبلده، وهدد رئيس المجلس العسكري السوداني بعقوبات اقتصادية، اذا لم يتخلى عن العنف. ترامب يهدد الجزائر بعقوبات اقتصادية قاسية بسبب صفقة اسلحة مع روسيا. وهدد حتى الشركات مثل سامسونج ويهدد دائما الصحفيين ويسخر منهم ويحتقرهم.

ترامب ومنذ اسقاط ايران لطائرة الدرون الامريكية صعد من تهديداته لإيران، ويعدها بالزوال والابادة. ترامب اذن يهدد في كل مكان ويتوعد في كل زاوية من زوايا الكرة الارضية، لكن سياساته التهديدية، لا تبرح اجراءات الحصار الاقتصادي والاستمرار في التهديدات اعلاميا. التهديدات الترامبية المؤسسية، نظرية جديدة في العلاقات الدولية، ومؤسسة كبرى تحرك العالم وترجه رجا، تجني من وراءها الولايات المتحدة الأمريكية المنافع الاقتصادية، دون أن تخسر شيئا، وتجعل رؤساء العالم وقادته، ودولهم يدفعون لصالح ماكينة الاقتصاد الامريكي، هكذا يحدث عندما يصل البزنس مان الى سدة الحكم، ويقوم بكل دقة بإعلان موت السياسة والدبلوماسية، لقد أنهى ترامب السياسة في العالم، وخلق معضلة كونية كبرى، وعلى دول العالم أن تقرر بين الاستمرار في لعبة الفيديو هذه، أو مواجهة هذا الواقع الجديد.

قديما، قبل أن تعم الفوضى العالم، وتحكم قبضتها على مستقبل الانسان والحيوان ومكونات البيئة على الارض، كانت النظريات والأفكار الكبرى تساعد كثيرا، أو على الأقل تبسط نوعا ما، على الاذهان أحداث التفاعل بين الدول، والشعوب واكراهات الصراع حول المصالح الوطنية عندما تتعارض، وعندها يتخذ صناع القرار سبلا واقعية لإيجاد طرق مبتكرة عند فض المنازعات. ومن قبيل تلك النظريات السياسية الحديث حول الحرب، التي أذكى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحديث عنها، والخوف منها عبر القارات مقولة المنظر العسكري البروسي الشهير كارن فون كلاوسفيتز الشهيرة حول الحرب : " ان الحرب هي استمرار للسياسية بطرق أخرى، وفسر أحد الشارحين لنظريات الحرب مقولة كلاوسفيتز بأن كل أمة لديها أهداف من قبيل الأمن والتقدم والازدهار، التي تسعى الى تحقيقها عبر الوسائل السياسية، لكن حين تقوم أمة ما، او قوة داخلية، بإعاقة انجازاتها عبر السياسة، تكون الحرب نتيجة طبيعة. فالحرب اذن ليست اطلاقا النصر في الميدان، أو غزو الأرض ببساطة، بل هي سعي الى هدف سياسي لا يمكن تحقيقه باي طريقة غير القوة.

خلاصة القول، وهنا أصل الى خطورة تهديدات ترامب العابرة للقارات، لقد أصبح من الواضح ان هدف ترامب من وراء ماكينة التهديدات المرعبة، هو تحقيق منافع اقتصادية واستراتيجية وتجاريا بشكل خاص، لتحريك عجلة الاقتصاد الأمريكي المتوفقة بسبب أزمته الاقتصادية الكبرى غير معلنة، ولا يريد من خلالها قصد اشعال الحروب فعلا، لكن هذه التهديدات سوف تؤدي حتما الى حرب كونية غير مقصودة لسبب قوي : ان دونالد ترامب يدير المصالح الامريكية وسياسة بلده الخارجية بمنطق الصفقة التجارية بمزاد علني، دون احتساب مخاطر صدام المصالح الوطنية للدول، وطموحات الشعوب، والمفاجئات.
انتهى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا