الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريدة هاآرتس لى الذكرى المئوية: إسرائيل بين اليهودية و الصهيونية

محمد كمال

2019 / 7 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


مع بزوغ يوم التاسع عشر من شهر يونيو عام 2019 إحتفلت جريدة هاآرتس الاسرائيلية بذكرى مائة عام على تأسيسها ؛ فقد تأسست هذه الجريدة يوم الثامن عشر من شهر يونيو عام 1919 في مدينة القدس بعد وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني ، و هذا طبعاً يشير بوضوح إلى الدور البريطاني في المساهمة و تشجيع السكان اليهود في فلسطين بتفعيل أنشطتهم الاجتماعية و السياسية و الثقافية و الإعلامية في موازاة الأنشطة للشعب الفلسطيني ، لأن الانتداب البريطاني كانت له أجندة واضحة و هي تنفيذ وعد بلفور . في زمن الانتداب كانت الجريدة لها صفة اليهودية ، و اليوم طبعاً ، و بعد زرع دولة اسرائيل عام 1948، فإن الجريدة صارت "هاآرتس الاسرائيلية". هذه الجريدة ولدت من رحم الصهيونية ، و هي تحمل شعار " مواصلة الصراع من أجل دولة إسرائيل حسب الرؤية الحقيقية للصهيونية" . جريدة هاآرتس ، من موقعها المبدئي الذي ينادي بالديمقراطية الليبرالية أي النهج الغربي ، يتعارض نهجها شبه العلماني مع النهج الديني اليميني أو اليميني الديني . فهي تنتقد النهج اليميني و الديني اليهودي في اسرائيل الذي تنتهجه الحكومة الحالية بقيادة نتانياهو .
و توصيفاً و توضيحاً للوضع الحالي في اسرائيل فان الناشر لجريدة هاآرتس السيد آموس شوقن قد بعث برسالة إلى القراء بهذه المناسبة المئوية مفادها أن اسرائيل استطاعت أن تحقق نجاحاً كبيراً منذ تأسيسها قبل 71 عاماً ، و لكنها مازالت تعاني من التهديد من قبل جيرانها العرب ، و مع ذلك فإن التهديد الأكبر يأتي من الداخل الاسرائيلي نفسه ، و هذا هو الأخطر على الكيان الاسرائيلي . التهديد الأخطر يتمثل في أن إسرائيل غير قادرة على تطوير استراتيجية تمكنها من التعامل مع الاحتلال في الضفة الغربية و تبعات ذلك من نهج الفصل العنصري ضد السكان الفلسطينيين ( الجريدة تتجنب ذكر "شعب فلسطيني") . و كيف أن اليمين الاسرائيلي أوجد شرخاً في المجتمع الاسرائيلي بتقسيمه إلى جماعات غير منسجمة ، و الدفع في إتجاه "الوطنية اليهودية" و الضغط على مؤسسات المجتمع المدني و حرمانها من حرية التعبير ، مما يعني الحد من مساحة الحرية التي تنادي بها الديمقراطية الليبرالية ؛ و أن تراكم هذه الممارسات سيفضي إلى قانون أساسي في الدولة يدعم التمييز و الفصل العنصري بين المواطن اليهودي و غير اليهودي ، و اعتبار غير اليهودي مواطن من الدرجة الثانية .
و هذا ما تقوله هاآرتس ، و هذا القول يضعنا أمام مفترق طرق بين المفهوم اليهودي و المفهوم الصهيوني لدولة اسرائيل ؛ الصهيونبة تسعى إلى استيعاب الفلسطينيين في إطار دولة اسرائيلية متعددة الاجناس و الاديان ، بينما اليهودية ، بذراعها اليميني، تسعى جاهدة إلى إقصاء (طرد) الفلسطينيين و جعل فلسطين أرضاً خالصة لليهود ، أو تهميش الفلسطينيين في الدولة اليهودية باعتبارهم أناس في الدولة لا يتمتعون بأية حقوق سوى العيش تحت السلطة الاسرائيلية .
المفهوم اليهودي للدولة يرتكز على قاعدة واحدة و هي مرجعية النصوص التوراتية و التعليمات التلمودية (الدينية) ... ترسيخ دولة يهودية لليهود ... و هذا يتسق مع الخط اليميني المتطرف في اسرائيل .
المفهوم الصهيوني للدولة يرتكز على قاعدتين ، اليهود و ليس اليهودية ، بمعنى تجميع يهود الشتات من اصقاع العالم في دولة واحدة على ارض فلسطين ، و اعتماد مرجعية الحداثة و الديمقراطية الليبرالية و فصل الدين عن الدولة ... بمعنى دولة غير دينية و لكنها لليهود ... يهود من غير يهودية !!! و هذه هي معضلة الصهيونية ، لأن اليهودي ليس بيهودي من غير اليهودية ، فاليهودية كمرجعية دينية ستسود في الدولة التي سعت اليها و عملت على تأسيسها الحركة الصهيونية ... و كأن الصهيونية ، ذات التوجه الديمقراطي الليبرالي و غير الديني ، ولدت من رحمها دولة اسرائيل و سلمتها إلى المؤسسة الدينية اليهودية ، و بهذا المنحى يكون الدور الصهيوني قد تحقق و انتهى ؛ و لكن ليس هذا ما كانت تسعى إليه المؤسسة الصهيونية .
التمزق البنيوي في المجتمع الاسرائيلي يتمثل بوضوح في المد و الجزر بين المفهوم الصهيوني و المفهوم اليهودي لدولة اسرائيل ، رغم اتفاق الطرفين على الارض و على اليهود ... الارض لا خلاف عليها بالمطلق ، بينما اليهود فالخلاف بين يهود اليهودية و يهود الصهيونية ... و الشعب الفلسطيني ، أمام هذا التمزق البنيوي في المجتمع الاسرائيلي ، فإنه يريد حقه في وطنه و على الارض التي زرعها و جعلها جنة من التين و الزيتون ، فجاءت الصهيونية فسلبت الجنة من أهلها و سلمتها إلى يهود الشتات . كانت الدولة ، يهودية او صهيونية، هذا غير مهم ، المهم هو إسترداد الجنة المغتصبة.

محمد كمال
2 يوليو 2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي ينصح بتعلم البرمجة لكسب 100 ألف دولار شهريا!


.. تونس.. رسائل اتحاد الشغل إلى السلطة في عيد العمّال




.. ردّ تونس الرسمي على عقوبات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات


.. لماذا استعانت ليبيا بأوروبا لتأمين حدودها مع تونس؟




.. لماذا عاقبت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات تونس؟