الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستقطاب والانتخاب.

فريد العليبي

2019 / 7 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


يقوم الاستِقْطَابُ السياسي في الديمقراطية الليبرالية على وجود قُطبين متضادين في شكل حزبين " كبيرين " ، وحتى إن لم يوجدا ينبغي خلقهما ، ومن هنا الحديث عن تجاذُبات سياسية ، إذ يقع الشعب بين فكي كماشة القطبين المتصارعين ، فيجري طحنه كما تطحن حبات القمح بين قطبى الرحى . وتبلغ تلك العملية أوجها عشية الانتخابات ، فيكون الشعب موضوع صراع بين القطبين، صراع عليه لا لأجله ، حيث يعمل كل منهما على جلبه الى صفه طلبا لمصلحة سياسية ، فالاستقطاب يقتضي القيام بأنشطة متنوعة ، تتجه كلها نحو تحقيق السيطرة السياسية لقطب ما ، من خلال فوزه بالسلطة . ولا يهتم الاستقطاب بمخاطر تقسيم الناس وبث الفرقة والتنازع والتباغض بينهم ، فالعملية الانتخابية تتطلب ذلك ، وترى فيه شرطا من شروط نجاحها .
ويعتمد الاستقطاب كأسلوب في العمل السياسيّ لبلوغ غايات وتنفيذ مهمات، حيث تبذل جهود ، وتستنفر قوى ، وتبعث أجهزة ، جهاز يشرف على التخطيط وآخر على التنفيذ وثالث للتقييم ، وقد تجتمع تلك الوظائف في جهاز واحد ، فالاستقطاب يجري وفق خطة تستند الى دراسة الذهنية العامة واكتشاف بؤر التوتر داخلها ، والتركيز عليها ثم تفجير الصراع حولها وترقب النتيجة ، ومن ثمة إعادة التقييم والمرور الى الخطوة الموالية بحشد الجموع حول موضوع جديد للصراع . وهكذا يجري خلق قاعدة انتخابية صلبة ، كما لو أن الأمر يتعلق بصناعة جمهور في لعبة كرة القدم ، حيث لكل فريق أنصاره ، الذين يتبادلون اللكمات مع كل مباراة ، فتفقد السياسة قيمتها كتدبير حكيم لشؤون الشعب .

وغاليا ما يجري الاستقطاب في بيئة تسودها قابليّة الشعب للاستقطاب ، إذ يكفي تحريك مخزونه الثقافي ، بما فيه من وعي ديني وأخلاقي وحتى أسطوري وسحري ، للحصول على النتائج المرجوة ، بتوجيه انتباهه نحو حدث ما ، عادة ما يجري اصطناعه ، ويكون متصلا بالصراع حول الهوية الدينية ، أو الطائفية والمذهبية والقومية والعرقية الخ .. هذا من جانب ، ومن جانب آخر يسعى كل قطب الى خلق أساطير خاصــــة به ، وصناعة زعماء من بين الأموات والأحياء .
وكثيرا ما يكون ضحايا الاستقطاب غير واعين بالضرر اللاحق بهم جراءه ، متحولين الى منفذين رغما عنهم لاستراتيجيات سياسية ، تتعامل معهم كحطب في محارقها ، وعندما تتحول تلك المحارق من السياسة الى الحرب ، يكونون لحم مدافع . والاستقطاب مؤسس على نزعة سياسية وايديولوجية تقوم على الاعتقاد أن الشعوب تسهل السيطرة عليها بتحريك عواطفها وغرائزها ، وإيهامها أنها فاعلة وحرة سياسيا ، وأن السلطة سلطتها ، والإرادة ارادتها .
وفي تونس الواقفة على عتبة الانتخابات القادمة ، عادت حرب الهوية الى واجهة المشهد السياسي من بوابة ملاحقة المفطرين ، في إستثمار سياسي لشهر رمضان ، وحدث الانقسام كالعادة بين الداعين الى تجريم الإفطار ، وغلق محلاته ، وإنزال العقوبة بأصحابه ، ووصفهم بالمارقين والعصاة والكفرة والملحدين ، المعتدين على المقدسات من جهة ، وبين القائلين بحرية الإفطار من جهة ثانية، باعتباره مندرجا ضمن حرية الضمير التي أقرها الدستور ، ومن ثمة المطالبة بإلغاء منشور محمد المزالي لسنة 1981 القاضي بغلق المطاعم والمقاهي وتسليط عقوبات على المجاهرين بإفطارهم .
وكنت حادثة رادس مليان التي اختلفت الروايات بشأنها ، بين قائل إنها غزوة سلفية ، وزاعم أنها معركة طرفاها صاحب مقهى ومنحرفين ، و ساد الهرج والمرج ، وبغض النظر عن الصدق والكذب فإن النتيجة المطلوبة حصلت ، وهي تقسيم التونسيين على قاعدة العقيدة وقد يكون الاستقطاب إياه هو صانع ما وقع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30