الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمان وأبوان حتى انتهاء الزمان (2)

أمير بالعربي

2019 / 7 / 3
الادب والفن


قالت ماما -ابنة الأكابر الشرفاء- أنها توقعت أن تكون حفلة ليس بكبر ما اعتادت , لكن كبيرة قليلا على الأقل .... لكنها لم تجد إلا عددا قليلا من الناس متراصين كالسردين في استوديو صغير .
كان ذلك انطباعها الأول عندما دخلت بينهما , أي بعد بابا وقبل بابا جمال الذي كان يضع يديه على كتفيها من خلفها ويدفعها وقدمها بـ "دكتورتنا أميرة" , كان هو من قاد سيارتها حتى منزل ماما إيناس وفي الطريق علم منها اسمها وأنها تدرس طب ومن عائلة كرهت الانتماء إليها , لكن ماما لم تعرف اسم أي من ثلاثتهم أي بابا جمال , بابا وماما إيناس .
قالت ماما أن تلك الليلة لم يعدلها شيء في حياتها كلها , كانت يوم ولادتها الحقيقي بعد قرابة العشرين سنة ضاعت هباء في عالم مزيف لم تختره ولم تفتخر به يوما , على عكس الذين رأت ليلتها ...
لم تشعر ماما أنها بطلة لتلك الأفلام التي تتنازل فيها الأميرة فتنزل من برجها العالي لتأكل وتشرب مع العوام البسطاء , بل أحست أن أناسا مهمين ترفقوا بها وسمحوا لها بدخول عالمهم , ورأت أنها لم تستحق كل ما فعلوه معها حيث جعلوا منها الشمس التي دار الجميع حولها وكأنها صاحبة الحفلة ...
بدأ كل شيء في اللحظة التي سلّمت فيها ماما إيناس عليها , قالت أنها سلّمت وكأن ماما صديقتها أو أختها التي لم ترها منذ سنين , قالت أنها رأت في عينيها عفوية نادرة ومحبة لا ترفقا وشفقة بطفلة مدللة مرتبكة نفسيا ... قالت أنها أحست عندما ضمّتها بحنان أمٍّ لم تشعر به يوما , وتفهّمتها ! لأني عرفت جيدا جدتي ولا أتذكّر أنها حضنتني يوما أو قبّلتني كما تقبّل جدة ابنها أو ابنتها أو أحد أحفادها , أظنها كانت تحبذ أن أجثو أمامها وأقبل يدها أو ربما رجلها ! عليها اللعنة وعلى عالمها وبهرجه وشرفه المزعوم ! منذ أن كنا صغارا قالت أمينة لماما عن حب الحيوانات المفترسة : "ماما , أستطيع أن أحبهم كلهم إلا جدتي !" فسكتت ماما . أما بابا عندما سألته عن قول أمينة , اكتفى بالقول أنها "امرأة كبيرة" .
بعد أن ضمتها قالت ماما أنها جعلتْ من وجهها بين يديها وقبّلتها بقوة من خديها وكأنها تقبّل رضيعة , ثم أعادت ضمّها إلى صدرها وقالت لها في أذنها : "حاولي أن تنسي كل شيء , اعتبرينا أهلك واستمتعي , لكن لا تأكلي كثيرا من الحلويات ... سنتعشى بعد" ...
كانت ماما أصغر كل من حضروا , تسع عشرة سنة وعدة أشهر , ماما إيناس كانت في الخامسة والعشرين أما بابا وبابا جمال فكانا في الثامنة والعشرين ... بقية أصدقائهم كانوا من نفس أعمارهم .
استمرت الحفلة قرابة الثلاث ساعات , أكلوا وشربوا وضحكوا ... كلهم كلموا ماما وسلّوها , أغلبهم كانوا مهندسين تختلف اختصاصاتهم لكن الغالب عليها كان البيولوجيا والكيمياء الصناعية , وقد سرّ ماما أنه لم يوجد بينهم أحد من خلفية أدبية !
حبيبتي ماما ! كم كانت تغلظ علينا أنا وأمينة عندما كنا نخطئ في حفظ حكم أهلها الشرفاء ! وكم كنا نشكوها لبابا جمال ... مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا , كجلمود صخر حطّه السيل من عل ! واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين ! السيف أصدق إنباءً من الكتب , في حده الحد بين الجد واللعب ! قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ! فأيّمتُ نسوانا وأيتمتُ إلدة , وعدتُ كما أبدأتُ والليل أليلُ ! ... بابا وماما إيناس لم يكونا مثلها , كانا أقل قسوة علينا , أنا وأمينة , لأن أهلهما لم يكونوا حكماء وشرفاء كأهل ماما ! لم نفهم كل ذلك عندما كنا صغارا ... كنا مثل ماما في تلك الليلة التي بدأ فيها كل شيء ...
قرابة التاسعة غادر كل الأصدقاء , ولم يبق إلا أربعتهم ... ماما إيناس قالت أن بابا كلّمها خلسة عن ماما وطلب منها أن تطلب منها المغادرة فرفضتْ واقترحت عليها البقاء إذا أرادت واستطاعت , اعتذرت ماما وشكرت ثلاثتهم على كل شيء واعتذرت من بابا وبابا جمال عن كل ما صدر منها ... لكن ماما إيناس ألحّت عليها فقبلت .
قالت ماما وكان يوم سبت , كانت تظن أنها ستزيد نصف ساعة أو ساعة على أقصى تقدير ثم تغادر ولم تكن تتصور إطلاقا الذي حصل بعد ذلك .... لأن الاحتفال الحقيقي كان سيبدأ وقتها .
قال بابا أنه غضب من ماما إيناس وعبّر عن سخطه لبابا جمال وقال له أن ذلك كثير وأنه لن يقبل بأن تذهب معهم وغادر الأستوديو ...
قالت ماما إيناس أنها عندما علمت بغضبه لحقت به ولامته على تهويله للأمر , قالت أنها تريد أن تبعد تلك الفتاة الصغيرة أقصى ما يمكن عن أفكارها السوداء لا أكثر ولا أقل وأنهم لن يخسروا شيئا إذا ما ذهبت معهم ... فأجابها بابا أن الذي فُعل يكفي وأنه لن يقبل بأن تُفسد ليلتهم تلك الطفلة البرجوازية , فأصرّت ماما إيناس وهدّدته أنها ستُلغي كل شيء إن لم يقبل ... فأذعن وقبل .
كنا صغارا عندما رووا لنا ذلك , بابا قال : "لا أحد يجب أن يغضب ماما إيناس أو لا يسمع كلامها !" , ماما قالت : "من يحب بابا جمال , عليه ألا يغضب ماما إيناس !" ... أما ماما إيناس , فقالت : "أريد قُبلة كبيرة من هنا وأخرى أكبر منها من هنا !" فجرينا إليها أنا وأمينة وكل قبّلها من خد ... وكل يريد أن تكون قبلته أكبر .... وكل صاح بعد قبلته : "أنا أكبر ! أنا أكبر !" .

قالت ماما إيناس أنه في ذلك الزمان , كان المنتزه البلدي مفتوحا للجميع , كل وقت , وكامل أيام الأسبوع ... لم يخصخص بعد ... كان يتواصل مع غابة الجبل , فوق , والتي لم يكن بها أفاعي وذئاب وخنازير ... وكان من عادات بعض الشبان التخييم ليلا هناك حتى في الصيف مفضلين الغابة على البحر والمهرجانات ...
قال بابا أن التخييم كان عادة ثلاثتهم .... مهرجانهم عند الاحتفال , وخلوتهم عند الحلم والتفكير في المستقبل ... تلك الليلة كانت ليلة احتفال وليلة وداع لمدينة ماما إيناس , لأنها قررت الانتقال إلى العاصمة , لم يكن هدفها العمل لأنها كانت تستطيع الحصول عليه في مسقط رأسها ... هدفها كان بداية حياة جديدة مع بابا جمال .
قالت ماما أنها لم يكن عندها عادات , حاولت جدتي أن تجعل هواياتها الشوبينغ وزيارة المكتبات وحضور الحفلات الشريفة لكنها لم تفلح ...

عندما عادت ماما إيناس وبابا للأستوديو , قالت ماما أن عليها العودة لمنزلها لكي لا ينشغل أهلها ...
بابا جمال ضحك ولم يتكلم , أما ماما إيناس فقالت لها مشيرة له : "انظري , أضحكته النكتة ..." وجذبتها من يدها إلى المطبخ ... "تعالي , ساعديني , تأخرنا" ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد