الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ازمة الثقة السياسية (1)

علي مرزوك الجنابي

2019 / 7 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


أزمة الثقة السياسية

"منذ زمن بعيد شخص الدكتور علي الوردي أهم المشكلات التي تعترض الدولة العراقية والتي تتمثل في انعدام الثقة السياسية بين المواطن والحكومة، واقترح ان تواجه الحكومة العراقية باصلاح ذات البين بين الحكومة والشعب، كون الثقة السياسية ابرز احد التحديات التي تواجهها.. واليوم هذا التحدي يضع العصا بعجلة التقدم السياسي، فقد باتت الثقة السياسية من ابرز الأزمات التي تواجه الاحزاب السياسية والنظام السياسي العراقي..."

يواجه النظام السياسي والأحزاب السياسية في مرحلة ما بعد سقوط الأنظمة الاستبدادية والتحول نحو الديمقراطية، تحدياً جوهرياً، وهو إزالة موروث عدم الثقة بالأحزاب السياسية، وبناء نظام مؤسسي جديد يكسب ثقة المواطن، والعمل على تحقيق متطلبات التحول نحو النظام الديمقراطية، والسير وفق نهج تنموي شامل، اذ ان هنالك بعض الأمور يجب معالجتها من اهمها: (تطبيق مبدأ تداول السلطة ومحاربة الاحتكار السياسي، واستقلال القضاء وسيادة القانون، وتحقيق مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها والرقابة المتبادلة فيما بينها، وتقوية دور مؤسسة البرلمان واستقلاله في مواجهة السلطة التنفيذية، واحترام حقوق الانسان وكفالتها... وما الى ذلك) وإلى اي مدى نجح هذا التصميم المؤسسي الجديد في كسب ثقة المواطنين، وتحقيق توقعاتهم.
اذ يستوجب على الاحزاب تمثيل مصالح القوى الاجتماعية المختلفة وذلك بالتعبير عن مصالحها عن طريق ترجمة رغباتها وتفضيلاتها في قرارات وسياسات معينة عبر ممثلي الاحزاب في المجالس التشريعية والتنفيذية، فضلاً عن التزام الأحزاب ببرامجها الانتخابية وتحقيق الوعود التي روجت لها في حملاتها الانتخابية؛ وعلى العكس من ذلك إنَّ اتباع الاحزاب السياسية المشكلة للحكومة سياسات تتناقض مع ما اعلنته وتعهدت به قبل الفوز في الانتخابات يؤدي الى اضمحلال ثقة المواطنين فيها، بتعبير آخر ان اتساق البرامج الحزبية مع مصالح القوى الاجتماعية يعد عنصراً مهماً في بناء الثقة السياسية في الاحزاب، إذ أنَّ اتساق (الأهداف، البرامج، الوعود، السياسات العامة المستقبلية...الخ) الحزبية مع مصالح القوى الاجتماعية، يحسن من مستويات الثقة السياسية، وكسب سلوك الناخب لصالح الأحزاب والمرشحين، كونها من اهم العناصر التي تدفع المواطنين للانخراط في العملية الانتخابية والمشاركة فيها.
ظهرت أزمة الثقة السياسية واستفحلت في العراق بعد العام 2003، سببها الاحزاب السياسية العراقية والاداء الحكومي (الذي يعبر عن ممارسات تلك الاحزاب السياسية داخل السلطة)، وأدت إلى تآكل السلوك الانتخابي وبروز ظاهرة العزوف عن التصويت كتغذية عكسية او كنتيجة عدم الرضا عن المواقف والممارسات السياسية الحزبية التي تتضح في عدم تطبيق الوعود والبرامج من قبل النخب الحزبية الحاكمة.
وهذا الموضوع تكمن خطورته في التأثير على جوانب مختلفة في الحياة الوطنية، وليس ذلك فقط في جانب معين منها، بل يمتد اثرها الى كل جوانب الحياة كالجانب السياسي والثقافي والاقتصادي والامني والمجتمعي.. وما الى ذلك، واخطرها على الاطلاق جانب التأثير في الانتخابات، حيث يمكن التأكيد على انه كلما تراجع منسوب الثقة السياسية في الاحزاب السياسية وحملاتها الانتخابية قبل المناسبات الانتخابية، ازداد توسع دائرة الشك والريبة في مختلف الاهداف والتوجهات والقرارات الرسمية القائمة والقادمة لها من جهة اخرى، ما يؤدي بدوره الى زيادة السخط والامتعاض والاحباط المجتمعي حيال الانتخابات، وهو امر يؤثر في نهاية المطاف على ما يطلق عليه بالشرعية الجماهيرية للنظام السياسي.
وعند الرجوع الى الحملات الانتخابية التي وظفتها الاحزاب السياسية العراقية في انتخابات مجلس النواب العراقي لعام 2018، نجدها حملات تقليدية (كلاسيكية)، عملت على كسب سلوك الناخب العراقي وفقاً للهويات الثقافية والانتماءات والولاءات الفرعية للناخب، حيث عملت على بث ايديولوجيات مختلفة منها (الطائفة، الدين، العشيرة، الولاء، العائلة، القومية، اللغة....الخ) بغية كسب سلوك الناخب؛ وذلك راجع لعوامل، منها: ضعف تلك الاحزاب السياسية، وعدم امتلاكها لبرامج انتخابية قابلة للتطبيق لتحول الى برامج حكومية تعمل على رسم سياسة عامة مستقبلية تنموية للمواطن العراقي، طريقة اختيار مرشحي تلك الاحزاب خاطئة فمعظمهم (سياسيين سابقين) قد لوثوا العراق بالفساد وساهموا بتراجعه، الأمر الآخر: كان للمال السياسي دور فعال في تلك الانتخابات مقابل ضعف التوعية الانتخابية للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، حيث عمل معظم المرشحين على تقديم الهدايا؟ واقامة الولائم؟ وشراء الاصوات؟، والسؤال هنا: هل ان الدولة العراقية تبنى بهذه الطريقة؟
من ذلك واكثر، ان الحملات الانتخابية لمعظم الاحزاب والتحالفات السياسية العراقية إن لم نقل كلها هشة عقائدياً، أي أنه لا يمكن الوقوف على عقيدة أو ايديولوجيا شاملة في مقارباتها لوضع حلول للمشاكل والتحديات التي يواجهها العراق، زيادة على إنّ الهشاشة في طرح المشاكل والتحديات وسبل معالجتها، فإن البعض من تلك الأحزاب تضطر أحياناً للإعلان عن خليط غير متجانس من الأفكار والقيم السياسية والاجتماعية المختلفة، حسب ما تمليه الظروف أو ما يراه رجل الشارع خصوصاً في فترة الحملات الانتخابية لعام 2018، وفي كثير من الأحيان تصل هذه الأفكار إلى حد التناقض، فعلى سبيل المثال تعلن تنظيمات وشخصيات ذات عقائد إسلامية أفكاراً براغماتية - علمانية لا تنسجم بتاتاً مع القيم الدينية التي تعلن التزامها بها او عن خلفياتهم التاريخية، ويعلن رجال أعمال دخلوا معترك السياسة أفكاراً اشتراكية لا تنسجم مع رأس ماليتهم الصارخة، وتبقى البراغماتية هي الفكرة الأكثر التزاما من قبل الأحزاب العراقية وتعد قاسماً مشتركاً بينها، لذا فإن الخطاب السياسي اتسم بالخطاب الشعبوي أكثر منه خطاباً سياسياً اصلاحياً يشكل حالة انتقالية، فضلاً عن الانقسام الواضح في خريطة الأحزاب والتحالفات السياسية، اذ استمر مشهد الانقسام الاثني في طبيعة تشكيلات تلك الأحزاب والتحالفات.
لذلك كان الناخب متوجهاً الى صناديق الاقتراع وهو معبئ حزبياً، مناطقياً، عشائرياً، طائفياً دينياً اكثر مما هو ديمقراطياً مستنداً في تصويته على الثوابت الوطنية واسسها في بناء الدولة العراقية عبر صناديق الاقتراع، وهذا ما يتحتم على الأحزاب السياسية العمل على وفق خطة استراتيجية لبناء حملاتها الانتخابية وبث روح الثقة السياسية، والعمل وفق ثوابت وطنية شاملة بطبيعة تشكيلاتها وايديولوجيتها في استقطاب السلوك الانتخابي وكسب ثقته.
ومارست الأحزاب السياسية في حملاتها الانتخابية سياسة الهروب للأمام بطرح خيارات لا واقعية أو بتحميل كل طرف الطرف الآخر مسؤولية الازمات والمشاكل والتحديات التي عرقلت بناء الدولة العراقية بعد عام 2003، وتلك والأحزاب والتحالفات السياسية وبسياسة الهروب للأمام التي تنتهجها تريد أن تبرئ نفسها وتهيئ الشعب ليقبل بتسيدها عليه مجددا في ظل الخراب القائم ولتسوقه نحو عبثية جديدة، عبثية قد تأخذ اسم (كل الخيارات مفتوحة) من طرف نفس النخبة بل نفس الشخصيات التي مارست عملها في السلطة بعد عام 2003.
تطرح هذه المقالة مجموعة الارشادات الى الجهاز الحكومي والاحزاب السياسية العراقية، عسى ان تعمل على تجسير الهوة بينهم وبين المواطن، وزرع الثقة السياسية وحصد ثمارها:
• العمل على صياغة برامج سياسية للاحزاب السياسية نابعة من مشاكل الدوائر الانتخابية وازماتها، تحمل مشاريع تنموية قابلة للتطبيق.
• الاستفادة من الديمقراطيات الراسخة في عملية اختيار المرشحين للدخول في المنافسات الانتخابية.
• العمل على إعداد دراسات خاصة لبناء برامج للعلاقة مع الناخبين أكثر واقعية تأخذ بنظر الإعتبار متغيرات الواقع الذي تطبق فيه هذه البرامج.
• القيام بعمليات رصد مستمرة ودائمة للبيئة الانتخابية، وذلك يمكن أن يتحقق عن طريق إنشاء مراكز، أو وحدات للرصد في كليات الإعلام، وفي وزارة التخطيط، مهمتها الكشف عن توجهات الناخبين، عن طريق دراسات تتابعية، تأخذ بنظر الاعتبار جميع المؤثرات المحيطة بالمبحوثين .
• إعداد دراسات اجتماعية مختصة في البحث بموضوع شراء الاصوات، وما له من تبعات اجتماعية وسياسية وأبعادها المستقبلية، وكيفية التصدي لها بوصفها خطراً يواجه العملية الانتخابية النزيهة .
• إجراء دراسات عن تأثير العوامل النفسية في السلوك السياسي لدى الشرائح الاجتماعية الاخرى، مثل الموظفين، العاطلين عن العمل، ذوي الاعاقة، ذوي ضحايا الارهاب...الخ.
• الاهتمام بعلم النفس السياسي بوصفه منهجاً مهماً واساسياً في التحليل العلمي للظواهر السياسية الاجتماعية، ويتم ذلك عن طريق ترجمة المؤلفات الاجنبية التي تناولت هذا الموضوع، ومن ثم بناء منهاج دراسي ضمن مناهج كلية العلوم السياسية الاولية.
• العمل على تنمية الثقافة السياسية للناخب العراقي وذلك عن طريق تطوير بعض المناهج التربوية التي تزرع في الشخصية قيم الانتماء إلى الوطن، وهذا سيبني جيل من الناخبين أكثر وعي ودراية بالطرائق الموضوعية لاختيار المرشحين القادرين على تبني تطلعات الجماهير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة