الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وتغلب المنطق على العاطفة

علي مرزوك الجنابي

2019 / 7 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


وتغلب المنطق على العاطفة

م.م علي مرزوك الجنابي
العراق/ بغداد
تُعدُّ دراسة وتحليل (البرامج الانتخابية) مجالاً مهماً في فهم سياسة الاحزاب السياسية العراقية بادواتها ووسائلها المختلفة، وإلى أي مدى نجحت هذه الاحزاب في تطبيق برامجها الانتخابية، وتحقيق وعودها أمام جمهور الناخبين، كونها من اهم الركائز التي ترتكز عليها الاحزاب في انجاح التحول الديمقراطي، اذ لا غاية عادلة دون وسيلة عادلة، ولا وسيلة مبهمة توصلك إلى هدف نبيل، ولا تتحقق الديمقراطية إلّا بتطبيق (البرنامج الانتخابي) للمرشحين؛ وإلّا سيكون للديمقراطية الناعمة أسنان حادة وربّما قاطعة.
لكن كثيرون ينظرون الى الانتخابات على انها عملية وقتية تبدأ عند اعلان الترشح، وتنتهي عند اعلان النتائج، وما بينهما من مراحل وخطوات تمر بها العملية الانتخابية؛ لكن دراسة العملية الانتخابية وفقاً لمنطق (السياسة العامة) وكيفية صنعها وادارتها من منظور (البرامج الانتخابية) التي تنادي باحتياجات الدائرة الانتخابية هي عملية مستمرة حتى انتهاء الدورة المنتخبة، ذلك ان السياسة العامة للدولة هي عملية مترابطة وتكاملية.
انطلاقاً من المقدمة اعلاه، دفعتني كلمات (حسن العاقولي) رئيس تحالف سائرون، ومن داخل قبة البرلمان العراقي، قبل اعلان استقالته، حيث قال: "...خلال حملتي الانتخابية كان برنامجنا الانتخابي وكشخص هو تحقيق العدالة الاجتماعية، والقضاء على المحاصصة الطائفية والحزبية، وكنا مؤمنين بهذا الشيء، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية، والنهوض بالواقع التربوي البائس والواقع الصحي والواقع الزراعي، وهذا الامر لم يتحقق بعد في هذه الفترة الزمنية التي قاربت على انتهاء الفصل التشريعي، ومن هنا اعلن استقالتي من عضوية مجلس النواب واتمنى على اخوتي اعضاء مجلس النواب العراقي ان يكملوا المسيرة ولعله تتحقق هذه الامنيات للشعب العراقي المظلوم"، وبعد مدة من الزمن اعلن عن سحب استقالته!
وبعد ان اطلعت على معظم الاراء والنقاشات والتفسيرات حول هذا الفعل، كلاً حسب فهمه وتشخيصه، ما دفعني للكتابة اكثر هو: غياب التحليل السياسي بصبغته العلمية في علم السياسية حول هذا الفعل.
لذلك يطرح هذا المقال اجابة مفتوحة للسؤال الآتي: لماذا انسحب العاقولي من البرلمان؟.
ماذا نعني بالبرنامج الانتخابي؟
إنَّ عملية كسب السلوك الانتخابي، وصناعة حملة انتخابية (تلبي احتياجات الدوائر الانتخابية) بمؤسساتها وناخبيها، هي عملية معقدة وتُستعمل فيها ادوات عديدة، منها (التسويق السياسي) كفن لعملية بيع السلعة السياسية بما تحملها من منتجات سياسية (برامج، مشاريع، مرشحين) ترسم صورة مستقبلية للسياسة العامة للدولة وتتكفل بتنفيذها.
لذلك يجب ان يعمل الحزب السياسي على صناعة (منتج سياسي) او ما يسمى بمنطق الحملات الانتخابية (البرنامج الانتخابي) يلبي احتياجات الدائرة الانتخابية المتنافس فيها، وللاختلاف الأيديولوجي في عمل الأحزاب السياسية لا يمكن حصر اهداف الحملة، اذ يعمل كل حزب سياسي على وفق جمهوره المستهدف، او على وفق ما يملكه من تأييد شعبي، ويحاكي اي طبقة اجتماعية.
ويفترض بالبرامج الانتخابية أن توازي متطلبات الواقع الاجتماعي وتراكيبه المتعارضة والمتنافسة، وان تكون برامج مدروسة، أي قائمة على دراسة (المشاكل) التي تواجه الدائرة الانتخابية المتنافس فيها، وفق دراسات علمية، وحتى ينادي بايجاد حلول (واقعية) و(منطقية) و(قابلة للتطبيق). إذ أن الأمر الحاسم في العلاقة بين الكتل السياسية المتنافسة والناخبين هو البرامج الانتخابية، فهي الوسيلة الأهم في العمل السياسي في ظل التحول الديمقراطي المنشود.

نعود قليلاً الى الوراء:
شهدت انتخابات مجلس النواب العراقي لعام 2018، جملة من التحديات التي واجهت الأحزاب والتحالفات السياسية العراقية، وتلك التحديات نفسها، التي كانت عائقاً في طريق بناء الدولة العراقية بعد العام 2003، لذلك تعددت الآراء والنقاشات حول أهم التحديات منها (أزمة المحاصصة الطائفية، انعدام الثقة السياسية، التحديات الأمنية، البطالة وأزمة الخريجين، تدني الخدمات، وتدهور الواقع الصحي، تراجع الثقافة الوطنية... وما إلى ذلك)، واختلفت الأحزاب والتحالفات السياسية في التعامل معها، كما وظفتها في برامجها الانتخابية، وفي الخطاب السياسي للمرشحين وقادة الكتل والأحزاب، من مناظرات تلفزيونية ومنشورات...وغيرها من وسائل الترويج للحملات.
وعند قراءتي للبرامج الانتخابية وما طرحته الأحزاب السياسية في الظهور الإعلامي في وسائل الاتصال السياسي المختلفة من (مناظرات وبرامج تلفزيونية) زيادة على الرسائل السياسية المصورة التي يروج لها المرشحون والأحزاب السياسية بوسائلها المختلفة، يتضح الآتي:
- اتسمت البرامج الانتخابية للأحزاب والتحالفات السياسية بالتشابه في البنود التي نادت بتطبيقها عند الوصول إلى السلطة، لكن رغم ذلك التشابه بين التحالفات السياسية والأحزاب، لم تكن هنالك مركزية بين الأحزاب المتحالفة والبرنامج السياسي المركزي للتحالف، فضلاً عن البرنامج المركزي للتحالف وبرامج المرشحين، حيث كانت هنالك برنامج انتخابي للتحالف، وبرنامج انتخابي للمرشح، وبرنامج انتخابي للحزب المنضوي داخل التحالف... وما إلى ذلك، فقد شهدت الانتخابات حالة غير مسبوقة من فوضى البرامج والاهداف الانتخابية (دون ان تفقه ماذا تعني بالبرنامج) وانعدام المركزية التي تعد من أسس عمل الحملات الانتخابية وتنفيذ اهدافها، وقد اتسمت بالشخصنة والارتجال للمرشحين.
- جاءت البرامج الانتخابية بأسلوب سردي مطول ووصفي للمتطلبات التي يأمل الناخب الحصول عليها، ومن المتعارف عليه في صياغة البرامج الانتخابية ان تكون مختصرة بصفحة واحدة أو صفحتين وتختص بمحاور معينة نابعة من مشاكل الدوائر الانتخابية ويتم مناقشة تلك الإشكاليات في الظهور الإعلامي في وسائل الاتصال المختلفة وهذا ما نسميه التنافس الانتخابي المعول عليه.
- في حين جاءت برامج الأحزاب والتحالفات السياسية العراقية في كتب ومجلدات دون بيان (التشريعات، السياسات، الخطط) التي ستعمل على نهجها لحل المشاكل العراقية، وهذا يفسر تهرب الأحزاب من المسؤولية في حالة تعثرها في تنفيذ برامجها فيما لو وصلت إلى الحكم، فالتعهد بالإصلاح الدستوري والحكومي والبرلماني وتحقيق الأمن والسيادة والخدمات، يجب أن يكون ممكن تحقيقه وتطبيقه، لأن البرامج الانتخابية والكيفية التي يتم التعامل معها، هي أحد معايير توصيف مدى احترام تلك الكيانات للقيم الديمقراطية والالتزام بها.
- إن أي برنامج انتخابي يقدم في الحملات الانتخابية للأحزاب للتنافس في انتخابات مجلس النواب يكرس رؤية الأحزاب داخل السلطة، ولم نجد برنامج انتخابي يتبنى خيار المعارضة والرقابة والمتابعة، كما أن تلك البرامج تتجاوز حدود صلاحيات ومهام النائب وطبيعة عمله، فإذا كانت البرامج الانتخابية هي وسيلة الارتباط بين المرشحين والناخبين في النظم الديمقراطية، فأنها في العراق ليست بالأهمية التي تماثل ما هو موجود في الدول الديمقراطية الأخرى؛ ذلك لأن الشعب العراقي لا يعدها الأساس في انتخاب المرشحين، لأن ميول الناخب العراقي إما أن تكون دينية مذهبية، أو قومية، أو حكومية، أو سياسية، من دون وعي سياسي حاذق يجعل من فهم ماهية طبيعة عمل النائب، هل هي تعيين الناخب وتمكينه على حصوله لوظيفة؟ أم تبليط شارع؟ أو المحافظة على بيضة العشيرة والمذهب والقومية...؟، فالنائب مهامه تشريع القوانين ورقابة على عمل السلطة التنفيذية، لكن يستمر المرشحون بمحاكاة الفهم البسيط للناخب لطبيعة عمل مجلس النواب، وهذا أدى إلى أن تكون البرامج الانتخابية حلقة فائضة في العملية السياسية في العراق، لهذا نجد دائما أن هذه البرامج الانتخابية تكاد تكون مستنسخة لغالبية الكيانات السياسية المتنافسة، إذ إننا نجد المواضيع والرؤى نفسها ولكن بصياغات مختلفة تتكرر في برامج الأحزاب المختلفة.
صفوة القول أنّ البرنامج الانتخابي ومضمون رسالته الانتخابية، ينبغي ان يرتكز على مجالات عديدة، وفقاً لاحتياجات الدائرة الانتخابية بعد دراستها وتحليلها، منها على سبيل المثال:
• المجال التشريعي بوضع مخطط تشريعي مندمج اعتماداً على تراتبية (المشاريع المهيكلة، والمؤسساتية الملائمة)، ومجال السياسات العمومية والقطاعية وتمثل خريطة طريق لتدقيق مسلسل تنزيل مقتضيات دستورية، ومجال التمثيل الجيد ويتجلى في الشفافية، وتحديد المسؤوليات وسيادة القانون وتثمين الموارد البشرية والصرامة في ربط المسؤولية بالمحاسبة، والتوزيع العادل.
• ومجال بناء مجتمع متوازن ومتماسك ومستقر ومتضامن ومزدهر يضمن العيش الكريم للمواطنين والرعاية الخاصة للمقيمين في الخارج، وقائم على تنمية الطبقة الوسطى وتعزيزها، وغيرها من المجالات.
هذا واكثر، لا يتم الا من خلال دراسات يجريها الحزب قبل دخوله الانتخابات بمدة لا تقل عن 4 سنوات، لتشخيص المشاكل وايجاد الحلول، والاستفادة من التجارب السابقة، حتى تكون الوعود مدروسة وقابلة للتطبيق.
اذن انسحب العاقولي بسبب:
- غياب الرؤية السليمة المبنية على صياغة سياسة عامة مستقبلية، مع غياب التخطيط الاستراتيجي لعمل الاحزاب والتحالفات العراقية، ادى الى غياب مصداقية وامكانية تطبيق برامج الاحزاب، كونها برامج تقليدية (كلاسيكية) غير مدروسة ولا تحتوي على تشريعات وآليات واستراتيجيات للعمل، ما ادى الى فشل وانسحاب العاقولي من البرلمان).
- عمل المرشحين في سياسة (حملاتهم الانتخابية) على التأثير في السلوك الانتخابي عن طريق (العاطفة) وليس (المنطق)، حيث بينت معظم الدراسات من المتخصصة في الانتخابات (ان الحملات الانتخابية في العراق لم تبنى على معطيات سياسية تتعلق بالبرامج الانتخابية ومعطيات الواقع، بل عملت على كسب سلوك الناخب وفقاً للانتماءات الاجتماعية التقليدية كالانتماء الى العائلة والطائفة والعشيرة والقبيلة والدين فالتصويت في العراق لا يجري على اساس الانتماء السياسي والفكري، ولا يستوحي المشاريع السياسية الوطنية (لانعدامها)، او يقوم على برامج انتخابية واضحة المعالم والاتجاهات (وهذا ما يتضمنه عمل الحملات الانتخابية المبنية على اسس علمية)، ويتجلى هذا الامر في تحول الممارسة الانتخابية الى عملية بثيه تفرضها القيم التقليدية المضادة للقيم الديمقراطية في العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا