الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هكذا يَكتُبُ الرّائي رُؤاه

محمد يعقوب الهنداوي

2019 / 7 / 4
الادب والفن


كَتـَـبَتْ لِي:

"أحببتُ في قصيدتِك:

نهرَ النهارْ
وخجلَ الصنوبرْ
وعَطشَ المَحارْ

ولكن،
العنبر الوحشيّ...... صورةٌ مخيفة... ربّما لأنّي أعشقُ رائحةَ العنبر

أُريدُ أن أعْرفَ مقصدَك من:
العنبرُ الوحشيّ في مِسْكِ اللــّيالي لا ينام...

أعلمُ أنّ الشاعرَ تختلطُ عليهِ الصورُ أحياناً، ولكنّها اختلطتْ عليّ كثيراً فتِهتُ...
جمالُ كلماتِكَ يُجبِرُني على أنْ أرتشفَ حتّى آخر قطرة...."

وكتبـْـتُ لها:

تنثالُ في ذهنِ الشاعر صور ورؤى لا تحتكم الى ما هو متعارف من تفاسيرٍ من مدلولاتِ المفردة أو مقاييسِ التمنطق ومعايير النقد، فمن يفشل في أن يكون مبدعا يصبح ناقدا...

في الشعر لا أكتبُ شيئاً عامداً بإرادةٍ مسبقة بل أخطّ ما يُملى عليّ وأنا هائمٌ في عوالم فاتنة من الضوء تتراءى فيها طلاسمُ لها هيئة أيقوناتٍ مزخرفةٍ تتهادى من العُلى كالريش وتذهب في كل صوب بفعل نسائم خفية

أتابعُ تلك الأيقونات تتأرجح ثم لا تلبث أن تضمحلّ في بحرِ ضوءً أو تحطّ كالفراشاتِ في مواضع أخرى ربّما كان فيها شاعر آخر يهيمُ في عوالم ذهوله وغيبوبة الحس المروّض

أكاد أقرأ أحياناً ما في تلك الطلاسم وأشخّص مفرداتِها من صورٍ وحروف لكنّ نسائمَ خفيةً أخرى تهبّ من جهة لا أعلمها تُبعدها عن مرمى بصري كما كنا صغارا نطارد ريشة في حقلٍ... يومَ نسيم

فأعود بنشوةٍ تتغلغلُ في كياني وتنتابُ جسدي قشعريرةٌ أحبّها وأحبّ انتفاضةَ الجسد في كنفها مسلوبَ الارادة

حين يكون لي نصيبٌ من بعضِ تلك الطلاسم تتهادى تلك الأيقونات من عُلاها كريشة تلاعبها الريح ثم ما أن تبلغ مُنتصف المدى في فيض نور عارم تتجه نحوي حثيثا وآنئذ أعرفُ أنّ آنَ النبوءة آنْ

تصبح الأيقونةُ الطلّسمُ قاب قوسين أو أدنى من ناظري فتنفكّ عُراها وتتراخى صلاتُها فلا تعودُ طلاسمَ بل حروفاً ورسوماً وأنغاماً تسيل على كفّ خفية تعيدُ قذفَها في الهواءِ مليّاً حتى ألتقطُ منها ما استطعت

إذ أفيق من غيبوبتي تلك التي لا أدري كم تطول بمقاييس وحسابات الشعور المروّض أتغنّى بما رأيت وأستعيد اللحن من تهادي رياش تلك الطلاسم في مهب الضوء

أتذكر أحيانا أن هذا كان شعرا وأن بإمكاني أن أكتبه

إذا كنت محظوظا وجدت قلما فأقتنص تلك اللحظات في شِباك الورق أما إذا لم أجد فغالبا ما تظل الأغنية تدوّم في الرأس حتى تضمحل دوائرها في بحيرة اللا ذاكرة وتغيب

في لحظات الحسرة التي تعقب تلك الرؤى غالبا ما ألوم نفسي على الوقوف هكذا في استلاب المأخوذ بدلا من الاقتراب من تلك الطلاسم والتقاطها وتفكيك عناصرها والامساك بجوهرها الغامض كلّه

في استعادات لاحقة للحظات الوعي الطفل أذكر صحوي في بعض الصباحات وأنا أسترجع حلماً رأيتُه منذ قليل وأكوامُ المال بين يديّ فألوم كفـّـي اللتين ارتخيتا وأفلتتا ما فيهما لأحكّ رأسي أو قفاي وأعاهد نفسي على أن أشدّ قبضتي جيدا في المرة القادمة لأعود من الحلم ثريّا

في الحالين أصحو على الخواء

وفي الحالين تذوب فرحة الطفل لحظة يزيح الغطاء عن السر فيكتسح ضجيج الآخرين دواخله فيختلّ نظام الأشياء

هكذا... نختلس قبلة وضمّة واحتضان ونشمّ عبق حقول العنبر في حضور أميرة الحلم لنظل نحياه طويلاً طويلا ونحن نجوب غربات الوعي والجسد يقتلنا شيءٌ نسميه خداعا حنيناً الى وطن

ونحن ندري أنه حنين لتلك الزوايا الخبيئة وما خفي من شهوات الروح وأنينها المكتوم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي