الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جذور الدكتاتوريه في العالم العربي

أياد الزهيري

2019 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


جذور الدكتاتوريه في العالم العربي
يمكننا تأصيل السلوك الدكتاتوري في العالم العربي الى زمن ما قبل الأسلام ,والذي تمثل بسيطرة بيوتات وقبائل على المجتمع آنذاك من منطلق ممارسة السياده على الآخر القائمه على مبدأ الأستغلال والأستعباد .من هذه البيوتات بيت عبد شمس الذي ينحدر منه أبو سفيان ,ومن هذه القبائل قبيلة قريش , هذه القبيله التي تسيدت على الجزيره العربيه وفرضت هيمنه طويلة أمتدت الى شعوب مجاوره , وما الدوله الأمويه والعباسيه الا أمتداد لذلك الأصل القرشي ذو النظره الأستعلائيه الفوقيه التي تستمد جذورها من ذلك الأصل العشائري الذي يدعي السياده والتفوق على غيره من الأقوام , وشاعرهم يقول؛
فأنهم أفضل الأحياء كلهم ان جد بالناس جد القول أو شمعوا
قد لا يختلف العرب عن غيرهم من الشعوب في ذلك الوقت في ممارسة هذا اللون من الفوقيه , ولكن ما يميزهم هو تجذر هذا اللون وأستمراره عبر الحقب الزمنيه الطويله , حتى أصبحت الدكتاتوريه خصيصه تلازم العرب , وظاهره تصطحبهم عبر الزمن وأصبحت جزء لا يتجزء من تقاليدهم بالحكم , حتى لتراها في تراثهم الشعبي , كما في المثال الشعبي (الأمام الي ما يشور ما ينزار) . لكن كانت هناك فاصله زمنيه جمدت هذا السلوك في عالم العرب وهي فترة البعثه النبويه , فكانت قفزه حضاريه هزت قيم هذا المجتمع القائمه على القوه فأعلن الأسلام مبدأ (متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) كما يبرز لنا التاريخ موقف النبي محمد (ص) من ذلك الأعرابي الذي وقف مرتجفآ خائفآ منه فخاطبه محمد (ص) (لا تخف فأني لست بملك , وأنما أبن أمرأه تأكل القديد) أراد الرسول ص أن ينزع من الناس ثوب الذل والعبوديه وأن يشعرهم بأنسانيتهم وأصلهم الواحد فقال لهم (كلكم للآدم وأدم من تراب) هذا المبدأ يعتبر غريبآ على حياة العرب ولم يألفوه في حياتهم فقاوموه بقوة السيف فعجزوا بسبب قوة الدعوه الأسلاميه , ولكنهم ألتفوا عليها بعد حين بعملية أنقلاب وتآمر على يد معاويه بن أبي سفيان والذي سار على نصيحة أبيه عندما دعى بنو سفيان الى أرجاع الأمور الى سابق عهدها , عهد السيطره والهيمنه السفيانيه فقال لأولاده وعشيرته (تلاقفوها يابني معيط لا جنه ولا نار) حتى حولوها الى ملك عضوض وهذا ما حدى بالوليد بن عبد الملك أن يتسائل بأستنكار(أيمكن للخليفه أن يحاسب ) فقد أستوطنت الدكتاتوريه العالم العربي وليومنا هذا بما زرعه ملوك بني أميه من تقاليد وأعراف للأستبداد ما أتي به الله من سلطان , فهذا عبد الملك بن مروان يقول في خطبته الأولى عند أستلامه للحكم والتي أراد أن يبين فيها سياسته القادمه والتي جاء فيها (والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا الا ضربت عنقه) أي جبروت أكبر من ذلك وأي أستهجان أفضع من هذا . أن البيت الأموي هو أول من قنن الأستبداد في العالم العربي وحوله الى تقاليد في السياسه والحكم , حتى يمكننا أن نعتبرهم الأباء المؤسسون له , وكانوا مدرسه أستبداديه جذرت أعرافه , وثبتت تقاليده لكل من يسعى للبقاء طويلآ في حكم الشعوب , حتى أنهم سبقوا المنظر السياسي الأيطالي مكيافيلي في نصائحه للحاكم الدكتاتور في كتابه (الأمير) . فمعاويه كان بالحقيقه أبو المكيافيليه وأول من أسس لها , وما مكيافيلي الا تلميذ صغير في مدرسة معاويه. هذه المدرسه هي من أورثت مناهجها للمدرسه العباسيه في الأستبداد , حتى لقب مؤسس الدوله العباسيه بأبو العباس السفاح نظرآ لما سفحه من دماء لأجل أقامة دولته , حتى وصف الشاعر ظلم بني العباس في معارضيهم من أهل البيت؛
والله ما فعلت أميه فيهم معشار ما فعلت بني العباسي
, فهذا زياد بن أبيه يقول في خطبه له ( من قال لنا هكذا, قلنا له بسيوفنا هكذا) , سياسه لا يحق للرعيه الأعتراض ولا التظلم ولا حتى النصيحه , وهذا أبن المقفع الذي قاده قدره الى نصيحة المنصور العباسي بأن أرسل له رساله ينصحه فيه بحسن أختيار معاونيه , ورعاية الرعيه , فما كان من المنصور الا أن يأتي به ويحمي له التنور ويقطع بجسمه ويرميه في نار ذلك التنور, فأي قسوه أفضع من هذه , وأي ساديه ووحشيه تطبع نفوس هؤلاء الدكتاتوريون العرب . هذه هي المدرسه التي أخذ منها صدام دروسه بالقسوه , وهذا ما يذكرنا بالعائله الكربلائيه التي ذوبها صدام بالتيزاب بكامل أفرادها بسبب معارضة الأب للنظام الحاكم . أن الحكام العرب أرسو تقاليد أسسوا فيها ألغاء الآخر بدل التعايش والمشاركه وأبداء المرونه مع الرعيه , فالغوا كل أجتهاد في وجهات النظر , بل كرسوا الجهل والخوف في الأوساط الشعبيه لكي يشلوا عندهم أي دافع للمطالبه في حقوقهم العادله , وهذا ما يذكرني بذلك العراقي اللاجئ للمملكه السعوديه في حرب الخليج الثانيه عندما سأل حارس معسكر الأعتقال في منطقة الأرطاويه للأسرى العراقيين عن سبب بقاءكم تحكمون من قبل ملك فأجابه الحارس العسكري ألم يكن من أفضال الملك علينا يدعنا نعيش في أرضه , فالملك هو المالك والحاكم والأب , والمانح , والمفكر , هذا ما أكده المفكر الأيراني الدكتور علي شريعتي في كتابه (علي والمحن الثلاث) في قول لروسو يقول فيه(لأن النظام الدكتاتوري لا يفكر فيه الا واحد فقط, والآخرون لا يحق لهم التفكير..) وهذا هو عين ما عبر عنه الأدب السياسي للبعث العراقي مختصرآ شعب بكامله بشخص دكتاتوره (أذا قال صدام قال العراق). أن التاريخ العربي عباره عن حكايه كتبها دكتاتور حكم بالحديد والنار , فالشعر العربي من قديمه الى حديثه يتغنى بالدكتاتوريه , والمثقف والأعلامي العربي ساهم بأغلبه بصناعة دكتاتوريه مقيته ودائميه , فالممارسه الطويله لهذا النوع من الحكم , ومساهمة الآدب العربيه وخاصه الشعر , فيما نظموه من ملاحم شعريه لصالح الدكتاتور , ومثال ذلك ما نظم الشاعر الأندلسي هاني الأندلسي مادحآ المعز لدين الله الفاطمي ؛ ما شئت لا ما شاءت الأقدار فأحكم فأنت الواحد القهار
هذا الشاعر الذي يرفع مقام الحاكم الى مقام الألوهيه , ولم يقف الأمر عند هذا الحد في محاصرة الناس من جو خانق للحريه , بل أن ما فعله وعاظ السلاطين ما هو أدهى وأمر في تطويق أي تفكير يمكن أن يتسرب الى ذهن المواطن في معارضة الحاكم , حيث يقول أحمد بن حنبل في رسالته (أصول السنه): "ومن خرج على أمام من أئمة المسلمين, وقد كان الناس أجتمعوا عليه, وأقروا له بالخلافه بأي وجه كان بالرضا أو الغلبه؛ فقد شق هذا الخارج عصا المسلمون, وخالف آثار الرسول- فأن مات الخارج عليه مات ميته جاهليه" , وقالت الشافعيه على لسان الأمام الشافعي (كل من غلب على الخلافه بالسيف حتى يسمى خليفه ويجمع الناس عليه فهو خليفه) , كما قالت الحنفيه على لسان الحصكفي الحنفي في الدر المختار (وتصح سلطنة متغلب للضروره) , وهناك الكثير من الأقوال والفتاوي التي تكرس الأستبداد بالحكم وقد شرعنوه وأطروه بأطار التقديس , حتى أصبح الولاء لها جزء من العباده , وأن الولاء للحاكم المستبد هو علامه من علامات التنسك والألتزام الديني لديهم , وهذا من أخطر الأساليب في تقنين الدكتاتوريه وتكريسها , وهذا هو سر بقاءها في العالم العربي الى يومنا هذا , وهنا يمكننا فهم سر تلازم النظام السعودي الملكي مع المذهب الوهابي بأعتباره مذهبآ يأدلج الملكيه السعوديه ويرفعها الى موقع القداسه , كيف لا وهم من يلقنوا أتباعهم بأن الراد على السلطان كالراد على الله كما في مقولتهم الشائعه (الراد عليهم راد على الله). هذه هي أزمة القياده في العالم العربي , الذي يرجع الى غياب الضوابط التي تحدد مواصفات القياده, وطريقة أختيارها , وهكذا أتوقع أن هذه الأزمه ستستمر مادام ليس هناك طروحات فكريه تزود الوعي الأجتماعي والسياسي بالأسس الأصيله للأسلام في عملية أختيار القياده , كما أن الأزمه تتعمق ويطول عمرها مادام هناك عامل خارجي يحقنها بجرعات البقاء ويحرسها من كل محاوله للأنقلاب عليها , ولنا من موقف أمريكا المساند لكل الأنظمه العميله في العالم العربي , وهي الحليف القوي الذي يحيطها براعيته ويحميها بآلته الحربيه عند الطلب . أنه التخادم الأمريكي مع الدكتاتور العربي.
أياد الزهيري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟