الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمان وأبوان حتى انتهاء الزمان (6)

أمير بالعربي

2019 / 7 / 6
الادب والفن


عادة المتكلم أن يعود من اليسار ليلتحق بالواقفين عند ساقيّ بابا جمال , لكن أمينة عادت من اليمين ... أرادت أن تتجنب المرور بجانب ماما إيناس الواقفة عن يميني ... عندما وصلت بجانبي , قالت لي أنها ستمضي الليلة عند صديقتها آية , لم تهمس لكن تكلمت بصوت عال لتسمعها ماما إيناس ... وكأنها طلبت منها الإذن , لكن ماما إيناس رفضت وطلبت منا أن نمضي الليلة عندها .
منزل ماما إيناس يبعد قرابة المئة متر عن منزلنا , وهو لا يختلف عنه كثيرا ... أربع غرف نوم , واحدة لي , واحدة لأمينة , واحدة لماما إيناس والأخيرة لماما وبابا ... نفس الشيء في منزلنا , ولا يوجد غرف لضيوف لأننا لا ينام عندنا ضيوف , وحتى من كانوا يأتون من عائلات ماما وبابا وماما إيناس -على قلتهم- لم يحصل أن نام أحد منهم عندنا .
مباشرة عندما ندخل , توجد صورة كبيرة فيها أربعتهم قبل ولادتنا , وتحتها توجد صورة بنفس الكبر فيها خمستنا عندما كنا أنا وأمينة رضيعين ... لطالما تأملت تلك الصورة ووجدتها رائعة الجمال ؛ ماما إيناس في الوسط , عن يمينها يجلس بابا وأمينة في حجره , وعن يسارها تجلس ماما وأنا في حجرها , يد بابا اليمنى على صدر أمينة وبيده اليسرى يمسك يد ماما إيناس اليمنى , ويد ماما اليسرى على صدري ويدها اليمنى في يد ماما إيناس اليسرى ... وفي الخلفية , وراءنا , تظهر صورة كبيرة لبابا جمال .
تلك الصورة كانت عالمنا , فيها أسرتنا التي لم نترب على أن الأعمام والأخوال وأبناءهم والأجداد والجدات يمكن أن يكونوا أفرادا منها , لا أحد ينتمي لأسرتنا ولا أحد يمكن أن يدخلها باستثناء شخصين عندما نكبر : زوجتي وزوج أمينة ... "زوجتي" أكيد , أما "زوج" أمينة فالجزم في أمره صعب , خصوصا وآية معروفة عند الجميع أنها مثلية وأمينة لا صديقات عندها غيرها , وبرغم أن أمينة كانت تقول دائما أنها ليست مثلية إلا أني لم أعلم ما سرّ إصرارها على تلك الصديقة الوحيدة ولماذا كانت تغضب مني كلما قلت لها أنها يجب أن تراها كرجل بما أنها تحب النساء ... قولي ذاك كان غير مقبول بالإجماع عند أربعتهم , وعادة ما كانوا يلمحون لأني أحمل نسبة من الهوموفوبيا , وكان يربكني بعض الشيء ذلك الموقف العنيف لأننا تربينا أن العالم برمته وحوش برية فلماذا كانوا يستميتون في الدفاع عن أقلية فيه لا تعنينا في شيء بما أن أمينة لم تكن منها ! لم أعلم ... قبل تلك الليلة .

لا تزال السيارتان متوقفتان ... سيارة ماما وسيارة بابا جمال , لا تزال ماما في سيارتها تنتظر ولا يزال ثلاثتهم في سيارة بابا جمال . ولا أزال أنا وأمينة وماما إيناس لم ندخل منزلها بعد , اتصل بابا وماما بماما إيناس فلم أسمع منها إلا : "سأتصرف ... نعم ... أكيد ... كل شيء سيكون على ما يرام ... لا تقلقا ... انتظرا اتصالي" .

بعد أن دخلنا وجلسنا , أمينة بجانبي وماما إيناس أمامنا ... المشهد كان كالمحاكمة فهي المتهمة ونحن القضاة , لكنها وككل محامي بارع زرعت الشك بين القضاة والمحلفين ...

- أمينة , هل قلتِ كل شيء لأبيكِ ؟
- هو يعلم كل شيء , وليس عندي ما أخفي ...
- وأمين ؟
- ما به أمين ؟!! هو يعرف كل شيء أيضا ... السؤال يجب أن يوجه لغيري وليس لي !
- هل أنت متأكدة ؟

تذكرت سؤال أمينة لي عن نفسها : "هل أنا وحش بري ؟" , وتذكرت تعجبي من سؤالها ... بعد أسئلة ماما إيناس , وجه أمينة بدا عليه الحرج , ولم يختلف في شيء عن وجوه ثلاثتهم قبل أن تغادر منزلنا ... قلت في نفسي أنها أيضا مثلهم , كلهم يخفون أشياء , لكن لم أستطع تصديق ذلك ...
مع ثلاثتهم , ربما لم يحن الوقت لأن نعلم كل شيء , لكن مع أمينة يستحيل أن أقبل أعذارا ... وتمنيت أن أكون مخطئا , لكن الأمر كان جليا ولا يحتاج تفكيرا : أمينة تخفي شيئا عني , وأيضا عن ماما وبابا , شيء لا تعلمه إلا ماما إيناس ... هربت من كل أسئلتي وقصدت أمينة لأعرف , وصوت يصرخ في داخلي : "يستحيل أن تكذب أمينة , أمينة ليست وحشا , أمينة أختي الصغيرة , أمينة توأمي لا تكذب !" ..

- أمينة , لا أعرف ماذا تخفين ... أريد أن أعلم لماذا لم أعلم به ؟ وأنت تعرفين جيدا أني كنت سأدعمك مهما كان ؟
- أختكَ لا تخفي عنك أي شيء , وسؤالي لا يعني أنها تخفي ...
- ماما , دعيها تتكلم .

- كانت مجرد قبلة لا تعني أي شيء ...
- قبلة ؟
- آية ... ماما رأتني فظنت أني ...
- أنك ماذا ؟
- مثلية ... تعرف أني لست كذلك ...
- ولماذا تقبّلين آية إذا لم تكوني كذلك ؟
- قلت لك أنها مجرد قبلة لا قيمة لها ...
- وماما وبابا يعلمان ؟
- لا , إلا إذا قالت لهما ماما ولم أسمع ...

- لم أقل لهما , وعدتكِ بذلك ولم أخلف .
- لكنكِ أعلمتِ أمين ...
- هناك فرق .
- ماما لن تستطيعي أن تبعدي عني أمين إن كنت تتصورين ذلك !
- هدفي العكس صغيرتي , أريدكما متحدين إلى الأبد ... ولم أقل أنك مثلية ... أصدقك وأثق بك .
- ماما ... لا أصدق أي حرف من كلامك ... لماذا الآن بالذات أردتِ أن يعلم أمين أمرا تافها كهذا ووضعته في إطار يظهر منه وكأني أخفيت أمرا عظيما ؟
- سمعت جيدا كلامك لأبيكِ منذ قليل , كبرتما ومن حقكما أن تعرفا ... لكن قبل ذلك يجب أن تفعلا نفس الشيء كل مع الآخر .

- ماما ... انتظري ... أمينة إذا كان الأمر تافها , لماذا أخفيته عني وعن بابا وماما ؟
- لأنه تافه لم أخفه , بل لم يخطر ببالي أن أقوله لأنه لا يستحق ... ثم ... ألم يحدث معك أي مرة أن قبّلت ولدا ؟
- لا يا عزيزتي , لم يحدث ولن يحدث ... ولماذا سأفعل ذلك ؟ مجرد مرور الفكرة ولو لعشر ثانية ببالي يشعرني بالرغبة في تقيؤ أمعائي ... لكن ليس هذا المشكل , بل ما يهمني هو لماذا لم تقولي ؟ هل كنت تظنين أني سأرفض ذلك وأنت تعلمين أنك حتى لو قتلتِ أحدا فلن أكون إلا معكِ ؟!
- لا تهوّل القصة , قلت لك أنها لا تستحق ... ولم أقل , لأتجنب هذا الكلام السمج أنكم ستقبلون بي كيفما كنت , لأني بكل بساطة لست مثلية !
- ماما ... أصبحت أنا الملام ! هل تسمعين ابنتكِ !؟

- لا لوم عليكَ كأبيكَ ... لا لوم عليكَ ولا لوم عليها في كل شيء ...

- أمين ... صدقني لم يكن قصدي أن أخفي عليك , لكن القصة لا تستحق ..
- عندك لا تستحق , لكنها عندي تستحق وأكثر ! لماذا أقول لك كل شيء أنا ولا أخفي عنك حتى توافه الأمور ؟ ثم لم أركِ يوما مع أحدهم بل كل وقتكِ تمضينه معها ...
- لم ترني مع أحدهم لأني لا أمضي وقتي إلا مع من أحب , وليس كل وقتي أمضيه معها بل هي مجرد صديقة لا أمضي معها إلا عدة ساعات في الأسبوع ... ماما سأذهب إلى غرفتي ... أو ... سأعود إلى منزلنا ... سأخرج .

غادرت أمينة , وبقيت أنا وماما إيناس ... شعرت بمشاعر عديدة متضاربة غلب عليها الخوف من أقوال أمينة لي قبل لقاء ماما إيناس وعند بابا جمال , الخيانة لأنها أخفت عني , وقلة الفهم والغباء لأني اكتشفت أني آخر من يعلم ما يحدث في أسرتنا ...

- أمين ... أمينة غادرت لأنها لم تستطع أن تقول لك كل شيء ...
- جيد , هي مثلية إذن ؟
- مهما حصل , هي أختك وليس لك أحد غيرها ...
- وأنتِ ؟ وماما وبابا ؟ وبابا جمال ؟ ... ثم ماما , لست هوموفوبك ولا مشكلة عندي أن تكون أمينة مثلية , لكني أتعجب كيف أخفت عني ذلك !
- أمين ... أختك ليست مثلية ولا تحب النساء ...
- لا أفهم ... لم أرها يوما مع رجل بل فقط مع آيتها , ولا تحب النساء إذن ... بسيطة , لا تحب النساء لكنها تحب امرأة واحدة : آية ...
- تعال بقربي , أريدك أن تسمعني ولا تقاطعني ...
- ماما ... لست الملام , هي من أخفت وكذبت عليّ لا أنا لتكلميني وكأني المخطئ ثم صدقيني لا مشكلة عندي أن تكون مثلية ...
- قلت لك أن أختك ليست مثلية وليتها كانت !!
- ماذا تقصدين ؟
- كبرت وأصبحت رجلا اليوم , ويجب أن تكون دائما وراء أختك ... عدني ألا تتركها مهما حدث ؟
- ماما ... ما الذي يحدث ؟ ولست في حاجة لأن أعدك لأني أفديها بنفسي إن استوجب الأمر ...
- لست مطالبا بأن تعطيها حياتك بل بأن تتفهمها فقط ...
- أتفهم ماذا ؟
- أن أختك تحبك ...
- ماما ما هذا الكلام ؟ ما بكم هذا اليوم كلكم ؟ هل كون أختي تحبني يتطلب مني التفهم ! طيب ... طالبيها هي أيضا أن تتفهم أني أحبها ... وأنت ماما هل تعلمين أني أحبك ؟ أرجوك تفهمي ! وبالمرة , بابا أيضا وماما وبابا جمال , عليهم أن يتفهموا !
- أمين ! أختك تحبك !
- تحبـ بببــني ... ككككـ يف ؟!!
- الذي فهمته ! وإياك ثم إياك أن تعلم منير وأميرة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??