الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلقة السابعة : إستئناف رحلة الإبحار في تفاصيل ودقائق الموقف الأمريكي من قرار تقسيم فلسطين رقم ١٨١ الصادر عن الجمعية العامة للأُمم المتحدة في ٢٩ تشرين الثاني ١٩٤٧.

عبد الرحمن البيطار

2019 / 7 / 6
القضية الفلسطينية


الحلقة السابعة :
إستئناف رحلة الإبحار في تفاصيل ودقائق الموقف الأمريكي من قرار تقسيم فلسطين رقم ١٨١ الصادر عن الجمعية العامة للأُمم المتحدة في ٢٩ تشرين الثاني ١٩٤٧.
مقدمة:
لاحظنا في الحلقة السادسة من هذه التغطية ، أن قادة الحركة الصهيونية كانوا منخرطين في مراقبة ورصد التطورات المتعلقة بفلسطين ، ليس يوماً بيوم فقط وإنما لحظةً بلحظة ، وأنهم جَنّدوا كل مواردهم ، على جميع المستويات داخل فلسطين وخارجها ، من أجل تحقيق أهدافهم أو على العمل على توفير شروط مؤاتية لتحقيقها .
في هذا السياق ، فقد تعرفنا في الحلقات السابقة على كيفية توظيف جهود وتأثير الأفراد ومجموعات الضَّغط ، اليهود وغير اليهود ، من أجل توفير فرصة للقاء وايزمان بالرئيس الامريكي ترومان .
لقد ختمنا الحلقة السادسة بإيراد مقتطفات مما أورده دان كيرزمان في كتابه ” جينيسيس ١٩٤٨” من رد الرئيس “ترومان” على الرسالة التي كان قد أرسلها له صديقه “إدي جيكوبسون”.
ورأينا كم كان الرد مُحْبِطاً لـ ” إدي ” وغيره.
ومع ذلك ، لم ييأس “إدي جيكوبسون” ، فَمَن له قضية يُؤمن بها ويُخلص لها ، حتى وإن كانت مفتعلة ، أو ظالمة ، لا يسمح لليأس أن يتسلل إلى نفسه ، ولا يترك وَسيلة أو فُرصة أُخرى إلا ويَستغلها لتحقيق أهدافه ،…
———————
إنتظر “إدي جيكوبسون” صديقه الرئيس “ترومان” إلى أن عاد الى واشنطون من رحلته في الكاريبي . ومع أنه كان يعرف أنه ليس من السَّهل تغيير فِكْر الرئيس عندما يكون قد شَكَّل مواقفه ، إلا أنه لم يتوانى عن القيام بمحاولة أُخرى معه.
تمَّ ذلك في يوم ١٢ آذار ٢٠١٩. كان الرئيس “ترومان” في مكتبه في واشنطون عندما اتصل “إدي جيكوبسون” بسكرتير الرئيس “مات كونيللي” طالباً لقاء الرئيس.
طَلَبَ كونيللي من “إدي” الحُضور فوراً للقاء الرئيس، لكنه حَذَّره من أن يبحث معه موضوع ” فلسطين” قائلاً:
” هذه نقطة مُؤلمة للرئيس في هذه اللحظة ، وإن إثارتها معه لن تزيده إلا غضباً”.
غير ان جَواب “جيكوبسون” على ما أبداه “كونيللي” له جاء صاعقاً ، فقد قال له:
” عُذْراً ‘ماتْ’ . لكن ‘ فلسطين ‘ هو الموضوع بعينه الذي جِئتُ إلى واشنطون من أجله”.
عندما دخل مكتب الرئيس، جلس الصديقان يتبادلان الحديث والسؤال عن أخبار أفراد عائلتي كل منهما ، وعن التطورات في مجالات العمل ، وعن أمور شخصية أُخرى ، وذلك قبل أن ينتقل “جيكوبسون” فجأة في حديثه الى مسألة فلسطين .
عندها، قاطع “ترومان” صديقه “جيكوبسون” قائلاً :
” لا أرغب أن أبحث أمراً يتعلق بفلسطين أو باليهود أو بالعرب أو بالبريطانيين”. ” لقد أشبعتها بحثاً . سوف أترك الأُمور تأخذ مجراها في الأُمم المتحدة “.
ومع أن “جيكوبسون” قد صُدِمَ بجواب ترومان الذي لم يكن يتوقعه منه بتاتاً ، الا أنه كَبَتَ غَيْظه ، وخاطب “ترومان” قائلاً :
” ……إنّك تعي كم كان مبلغ الدفء الذي يفيض من كلماتك في كل مرة كنت تتناول فيها ‘وايزمان’ بالحديث عنه.
لِمَ لا تَسمَح له برؤيتك ؟”.
أجاب “ترومان”:
“إنّي أحترم الدكتور ‘وايزمان’. لكني إِنْ رأيته ، فإني أخشى أن تكون النتيجة الوحيدة للقاء هو المزيد من التأويلات الخاطئة”.
مع جَواب “ترومان” الذي أنصت له بإمعان ، كاد اليأس يستولي على “جيكوبسون”،… لكنَّ نظره الهائم في فضاء الغُرفة إلتقط منظر تمثال لـ ” أنْدرو جاكسون ” ، لم يكن قد لاحظ وجوده في السابق في غرفة الرئيس في زياراته المتعددة له. أوحى التمثال لـ “جيكوبسون” بفِكْرَة .
فاجىء “جيكوبسون” صديقه ” ترومان” بقوله:
” هاري ، في حياتك كلها ، كان لك دوماً ‘بطل’ . ربما تكون أكثر الأمريكيين قراءة عن ‘أندرو جاكسون’ . إنّي أذكر أنّه وعندما كُنّا نمتلك متجراً معاً ، كم كُنْتَ تقضي الوقت تَقْرَأ كتباً ومنشورات وأوراق عن هذا الأمريكي العظيم . ( وأذكر أنه ) عندما بَنَيَت مبنى محكمة ‘كاونتي جاكسون’ الجديدة في ‘كانساس سيتي’ ، فقد شَيَّدت تمثالاً لـ ‘ أندرو جاكسون ‘ بحجمه الحقيقي في الرُدهة الكائنة أمام بيت المحكمة الجديدة ، وهو لا زال قائماً حتى الآن…”.
تَمَلَّكَت الحيرة والإستغراب الرئيس “ترومان” فيما يرمي صديقه ” جيكوبسون ” الوصول اليه.
لم يترك “جيكوبسون” حيرة الرئيس تطول ، فمضى في حديثه قائلاً :
” هاري ، كما أنَّ لك ‘ بطل’ ، فإن لي ‘ بطلٌ ‘ أيضاً ، أما بطلي فهو رجل لم ألتقيه أبداً في حياتي ، لكنه ، كما أعتقد، فهو اليهودي الأعظم الذي شَهِدَته الحياة . لقد قُمْتُ أيضاً بدراسة ماضيه ، وإني أوافقك الرأي ، وكما كنت دوما تقول لي ، فإنه رجلٌ فاضل ، وقائدٌ سياسيٌ عظيم أيضاً. إنّي أتحدث عن حاييم وايزمان . هذا الرجل المَريض جداً ، وصاحب الصحة المعلولة ، قد سافر آلاف وآلاف الأميال من أجل أن يلتقي بك وأن يتوسل إليك النَّظر في قضية قومه. أما الآن، فإنك ترفض رُؤيته ، وذلك بسبب إستياءك من التصرفات المُهينة التي بَدَرَت من عدد من القادة اليهود الأميركان ، وبالرغم من معرفتك من أن وايزمان لا علاقة له بتاتاً بتصرفات هؤلاء المُهينة ،…. “. ” …. إنّي لا يمكن أن أكون هنا معك إذا لم أكن أعرف أنه وفِي حال إلتقاءك به، فإنك ستسمع منه تقييما سليماً ودقيقا حول الأوضاع كما هي قائمة فعلاً في فلسطين ؛ ولكن ومع كل ذلك ، فإنك ترفض رُؤيته “.
بقول “دان كيرزمان” أن “وايزمان” تمعن بالمعاني التي حملتها كلمات هذه المرافعة الذكية من صديقه” إدي جيكوبسون ” ، وأنه وبعد سماعه لها ، أخذ يضرب بأصابعه على سطح الطاولة، وأخذه كرسيه الدوّار الى وضع أطلق فيه النظر الى الأُفق البعيد وهو يتفكر ، ثم الى الصور المعلقة على حائط غرفته في البيت الابيض والخاصة بأُمه، وزوجته وإبنته ، وأنه وبعد بُرْهة ساد فيها الصمت ، …. عاد “ترومان” ونظر الى صديقه وقال :
” لقد فُزت ، يا صديقي الأصلع الرَّأس ، يا لعين !. سأراه . أخْبِرْ ” مات ” أن يقوم بترتيب إجتماع في أقرب وقت ممكن وذلك بعد أن أكون قد عُدْتُ من رحلتي الى نيويورك “.
خرج “جيكوبسون” من البيت الأبيض وهو يَتَرَنَّح بعد أن أجْهَدَه اللقاء وسَلَبه طاقته ، وذهب مباشرة الى بار فندق ستاتلر ، وهناك ولأول مرة في حياته ، تَجَرَّعَ كأسين كبيرين من الوسيكي الأمريكي (البيربان) .
في ١٨ آذار من العام ١٩٤٨، وكان لا زال يُعاني من المرض على سريره في نيويورك ، إستقل “حاييم وايزمان” القطار المتجه الى واشنطون . ولدى وصوله البيت الأبيض ، – كما يقول دان كيرزمان – وَلَجه من البوابة الشرقية متفادياً الدخول من البوابة الأمامية كي لا يتم رصد لقاءه مع الرئيس من قبل الصحافة ، وذلك التزاماً بتعليمات الرئيس التي وَصَلَت اليه.
دام اللقاء مع الرئيس ثلاثة أرباع الساعة ، تحدثا خلالها بإسهاب حول الأُمور التاليه:
⁃ التطورات المحتملة في فلسطين
⁃ الأهداف المتوخاة من تطبيقات العمل العلمي الذي يتولى وايزمان رعايته وإدارته في معهده في فلسطين.
⁃ الحاجة للأرض لاستيعاب المهاجرين اليهود في مستقبل الأيام.
⁃ أهمية صحراء النَّقب لمستقبل الدولة اليهودية.
يقول دان كيرزمان في كتابه، أن “ترومان” شرح لـ “وايزمان” بصراحته المَعهودة أسباب إحجامه عن الإلتقاء به. وأنه أبدى إهتمامه العميق بالمعضلة اليهودية وعن رغبته في أن يَرى العَدالة تسود دون إراقة الدماء. ثم قال لـ “وايزمان” :
“عليك أن تكون متأكداً في أني سأعمل على تأسيس دولة يهودية بما فيها صحراء النَّقب ، وعلى الإعتراف بها كذلك “.
ويقول أن ترومان لم يكن محدداً فيما يتعلق بما اذا كان سيُصِر على أن تتأسس هذه الدولة مباشرة بعد مُغادرة البريطانيين لفلسطين ، وذلك كما يتطلبه قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأُمم المتحدة. ويقول أيضاً، أن وايزمان لم يُصِر على هذه النقطة في حديثه مع الرئيس.
ويُضيف بأنه قد تحقق لوايزمان ضرورة أن تتوفر للرئيس مساحة تسمح له ان يتحرك بها بحصافة تكتيكية وذلك لمواجهة الضُغوط التي يُمارِسها المعادين للتقسيم ( قرار التقسيم ) في إدارته عليه، وأنه إقتنع بأن الرئيس سوف يبذل أفضل جهوده بما يكفل ( تطبيق ) القرار ( قرار التقسيم رقم ١٨١).
يُنهي “كيرزمان” هذه الفقرة على الصفحة (٩٧) من كتابه قائلاً أن “ترومان” كتب بعد لقاءه بِـ ” وايزمان” في مفكرته يقول :
” لقد شَعرتُ ، أنه ولدى مُغادرة ( وايزمان ) لمكتبي، بأنه قد توصل الى فهم كامل لسياستي ( حول فلسطين وقرار التقسيم ) ، وأني أيضاً قد عرفت ما هو الشيء الذي كان يريده “.
ماذا حصل بعد ذلك …؟
ما هي حَصيلة الصِّراع ما بين ادارة الرئيس ترومان والمسؤولين المعادين للتقسيم في وزارتي الخارجية والدِّفاع الأمريكيتين …؟
سيكون ذلك موضوع الحلقة الثامِنة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة