الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ممنوعون من التطور أم عاجزون؟ (1)

محمد يعقوب الهنداوي

2019 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


ممنوعون من التطور أم عاجزون؟ (1)

أرى أننا ممنوعون عن التطور لعوامل عدة أغلبها داخلي وبعضها خارجي تفاعلت (وتتفاعل) فيما بينها وفق قوانين الدايلكتيك لتولد منظومة معيقة تعيد انتاج نفسها بنفسها كلما برزت ظروف ضاغطة كنشوء حركات و"فورات" ثورية بحكم تجدد الأجيال وحاجتها الى تنفس هواء نقي وإيجاد فسحة لها في الحياة وبين الأمم، وظهور أفكار وتيارات جديدة استجابة لمحفزات خارجية كالتقنيات والأزمات الاقتصادية والسياسية (والعسكرية) الدولية، والحركات العالمية التي ترفع مستوى الحماس والرغبة بمتابعة "المثل الأعلى"، لكنها ما تلبث ان ترتد الى الوراء بحكم تلك الضغوط.

وكي لا أمضي في التعميم بعيدا، سأحاول تشخيص أمثلة من واقعنا:

• مع تفسخ الدولة العباسية وضعفها في أواخر أيامها ببغداد، كانت هناك حركات ثورية مهمة جدا ذات برامج رائدة حاولت تأسيس وطرح بدائلها الخاصة، مثل حركات "العيارين" و"الحشاشين" و"إخوان الصفا وخلان الوفا"، بعدما كان القرامطة قد تعرضوا لعدوان التحالف المزدوج بين "أبناء عمومتهم" الفاطميين وبين العباسيين فأبيدوا عن بكرة أبيهم تقريبا. كما عانى الزنج مصيرا مشابها عقب فشل ثورتهم في البصرة بقيادة علي بن محمد.

وفي تلك الفترة لم يكن هناك طبعا لا استعمار غربي ولا صهيونية عالمية ولا مؤامرات دولية نلقي اللوم عليها لأن العرب والمسلمين كانوا هم الاستعمار الذي استعبد الشعوب واحتل بلدانها وقتل رجالها وشرد أهلها واستباح حرماتها وسبى نساءها وأطفالها وفاخر بامتلاكه الجواري والغلمان و"ملك اليمين" وتاجر بهن في أسواق النخاسة. وكان من حق تلك الشعوب طبعا أن تثور وتتمرد وتفعل كل ما بوسعها للتحرر من الاستعمار البدوي الذي دمّر حضاراتها وسبى نساءها وصادر خيراتها، باسم دينه الجديد...

وكانت أغلب عوامل الضعف في تلك "الدول" والامبراطوريات التي أقامها البدو تنشأ عن المنافسات الداخلية والثارات وأحقاد القبائل والتنابز والمؤامرات والاقتتال فيما بينها، بل وحتى بين أفراد الاسرة الواحدة. وطبيعي ان أعداءهم الداخليين وأبناء الشعوب المستعمرة والبلدان المحتلة كانوا يحاولون استغلال كل تلك العوامل، وكان الكثيرون منهم ينتمون الى تلك الحركات الثورية ويرفدونها بالأفكار والخطط والرجال والتمويل والمخابئ.

لكن، وقبل أن تستطيع تلك الحركات الثورية الأخذ بزمام المبادرة والتغيير من الداخل، كانت هناك قوى خارجية مـتأهبة للحلول محل دولة بني العباس وكانت ترصد تدهورها وانحطاطها وتنتظر اللحظة الملائمة للانقضاض.

فبعد جولات من عراك الديكة والنزاعات والغزوات المتبادلة بين الصفويين القادمين من إيران حينا، وبين السلاجقة والعشائر الهمجية التركية التي اتخذت شكل دولتي الخروف الأبيض والخروف الأسود، حينا آخر، وكلها كانت قوى عسكرية همجية شرسة لا تمتّ للحضارة والمدنية، جاء المغول بقيادة هولاكو ليحسموا الصراع ويقضوا على كل أمل بالخلاص الداخلي.

ولم تكد سلطة المغول (وهم بدوٌ أيضاً) تضعف قليلا وبطشهم يخفّ، بحكم إختلاطهم الجزئي بالمجتمع المحلي واسترخائهم بتأثير الثروة والجاه والرفاه، حتى جاءت عشائر آل عثمان بكل فتوتها وقسوتها ودمويتها لتفرض سطوة كاسحة وهيمنة دامت لستة قرون كانت كفيلة بقتل كل أجنة التطور وآمال النهوض.

ولم تقتصر الآثار التخريبية للدولة العثمانية على فرض الحكم المستبد بل عمّقت في المجتمع العراقي تأثيرات الطائفية التي كان المجتمع قد استوعبها وخفف من حدّتها بعض الشيء، أو تعايش وتأقلم معها، لتتعمق تلك الجروح والقروح في الذات العراقية المهزومة والكبرياء المسحوق لشعب انهارت حضارته ودولته.

وبدلا من أن يروا خصومهم من الغزاة الخارجيين، من البدو العرب والبدو التتار، مسؤولين عن نكساتهم وهزائمهم، التفت ما تبقى من العراقيين ليتّهموا بعضهم بعضا بالغدر والتآمر والتسبب في الانهيار. ولم يكن ذلك طبعا دون تحريض وتأليب، صريح أو خفيّ، من عدوهم الخارجي الذي لم يكن منتظرا منه الا أن يفعل ذلك إمعانا في تمزيقهم واضعافهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية


.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري




.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس


.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟




.. إسماعيل هنية يجري اتصالات مع أمير قطر والرئيس التركي لاطلاعه