الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات ابن معتقل مصري

عماد فواز

2006 / 5 / 12
حقوق الانسان


مثل الأيتام تبدأ الدراسة ويذهبون إلى مدارسهم بدون الأب ، تمنوا مثل ملايين الأطفال أن يكون معهم قبل بدأ الدراسة، يخرج معهم لشراء لوازم الدراسة، الزى المدرسي، الكراريس، الكشاكيل والجلاد،البراية والاستيكة، أن يمسك في يده صباحا ويتوجهان إلي المدرسة ،وعلى بابها و أمام الحارس وسائر الأطفال يطبع قبلة على خده ويودعه حتى الظهيرة..3 حلموا مثل جميع الأطفال بعد العودة من المدرسة يخلعون الزى ويجلسون مع والدهم على الغداء يسألهم عن دروسهم وفي المساء يستذكر لهم دروسهم..يمسك كتاب الدين ويقرأ لهم عن الأخلاق، يخرجون معه إلى الصلاة، يذهب معهم إلى المدرسة لتسديد المصروفات ، يسأل عنهم المدرسين ويوقع علي شهادتهم كل أول شهر.
تمنوا حضنه الدافئ ليلجئوا إليه مثل جميع الأطفال ، لكنهم تماما مثل الأطفال الأيتام الذين مات والدهم وحرموا من نطق اسمه ، وعندما يسألهم المدرس والدك بيشتغل إيه؟..يقف متعثرا وخجولا ،لا يعرف ماذا يقول ..يلتفت يمينا ويسارا ،ينظر في أعين التلاميذ ،يفرك في أصابعة ،يتلثم،ينظر في الأرض، ويقول بصوت غير مسموع: معتقل.
هذا هو إحساس آلاف الأطفال الذين تم اعتقال والدهم ، بعضهم اعتقلت أمن الدولة والدهم وهم أجنة،وبعضهم رضع ،وبعضهم صغار ليتذكرون حضنه، ليس لديهم أحاسيس حضن الأب ولا قبلته ،يسمعون عن الآباء وحبهم لأطفالهم ،ويشاهدون آباءهم وهو ذليل ومهان وراء القضبان .
ذلك الرجل الذي يرتدي ملابس ممزقة وشعره أشعث وذقنه دائما غير حليقة، هذا الرجل الذي يقف هناك بعيدا خلف القضبان خائفا من الحارس، فاقد الأمل في الخروج من هذا المكان المميت،هذا الرجل الذي تملأ عينيه الدموع ، هناك قالوا أنه أبي ، وعى أن أقول له يا بابا ،وأرى امى وجدتي دائما في كل زيارة يبكيان ويشجعانه رغم الفقر والحاجة عندما يسألهما عن حالنا ، يقولان له الحمد لله،ينظر لي ولإخوتي، يتمنى أن يتحسسنا ، يضمنا إلى صدره، يسأل عن المدرسة، وفي كل زيارة يقول أنني كبرت عن الزيارة السابقة،وأنا أراه هنا بعيدا خلف القضبان خائفا مهدما ، منكسرا،أتمنى أن أدخل إلى حضنه يحملني إلى رأسه ،يضمني بشدة ، أشم رائحة الأب فيه.
على باب النائب العام كان يقف عبد الله (11 سنة) ومعاذ (9سنوات) والداهما هو عمرو عبد العزيز محمد إبراهيم الروبي (32سنة) عامل،تم اعتقاله في 15 أكتوبر 1996 بتهمة الانضمام لجماعة دينية محظورة، عبد الله كان لم يكمل عامه الثاني عندما اقتحم ضباط أمن الدولة منزلهم وألقوا القبض عليه،عبد الله بكى وهو يحكى لي :
لم أكن واعيا لما يحدث حولي ، وكان معاذ شقيقي عمره اشهرا معدودة، عندما كبرت وبدأت أدرك ما حولي شاهدت أبى لأول مرة خلف قضبان معتقل وادي النطرون.
تخيل يا عمو:(والكلام لعبد الله) لم يضمني إلى صدره أبدا،لم أتحسس يده ،الزيارة دائما عبر الأسلاك والقضبان ، والدتي وجدتي تقدموا بأكثر من طلب لإدارة السجن حتى يسمحوا لنا أن تكون الزيارة (بطانية) أي نفرش بطانية على الأرض ونجلس عليها مع والدي،ولكن إدارة السجن رفضت، منذ تسع سنوات والزيارة سلك،وتمنيت أن تكون بطانية لكي يضمني إلى صدره ،أشعر به ،أتحسس أبى،أرى ملامحة جيدا،في كل زيارة أتطلع إلى وجهه وأنظر إلى ملامحة،وعندما أعود إلى المنزل أحاول أن أتذكرها إلا اننى دائما ما كنت أنساها سريعا،فهي دائما بعيدة وغامضة، تسع سنوات أشاهد أبى أنا وأخي معاذ من بعيد، منذ أعتقالة ونحن لانزور أحد ،كل الناس تخافنا ولا يطرقون باب منزلنا ،كثيرا ما يسألونني في المدرسة عن والدي وأخجل من الإجابة ،لا أعرف ماذا أقول لهم ؟ الناس لأتعرف الفرق بين المعتقل السياسي والمجرم، تماما مثلما كنت أنا أعتقد أن والدي مجرما من اللصوص أو القتلة أو تجار المخدرات ،حتى وضحت لي جدتي الصورة،وأكدت لي أنه معتقل سيأسى ، وأن البوليس اتهم بابا بأنة مع جماعة الأخوان المسلمين ،وأنهم يحاولون قلب نظام الحكم ،لم أكن أعرف ما هو نظام الحكم ومعنى قلب نظام الحكم،حتى جدتي لم تكن تعرف ،وعندما اعتقل بابا وسمعت التهمه وسألت عنها قالوا لها أن بابا يسعى للتخلص من رئيس الجمهورية.
ياعمو:بابا بريء ، لم يشترك مع الجماعة اللي قالوا عليها ،والمحامى أكد أنة بريء,وقال أن المحكمة برأته والقاضي قال أن بابا بريء وقال أنة يخرج من السجن،لكن الشرطة رفضت الإفراج عنه،وفى إحدى الزيارات بابا قال لجدتي انه وقع على إقرار توبة وعلى مبادرة نبذ العنف ورغم ذلك مازال في المعتقل.
السيدة أنجا والدة المعتقل وجدة عبدا لله ومعاذ،أقسمت لي أنها كثيرا لا تذهب لزيارة ابنها لعدم امتلاكها للمال أجرة المواصلات من القناطر الخيرية إلى وادي النطرون ، ابنها كان عامل باليومية، وزوجتة ربة منزل،وتقول وهى تبكى: ظروفنا يا بنى وحشة لكن الحمد لله على كل حال ،كل اللي إحنا عاو زينه ينقذوا قرار المحكمة وابني لابتاع سياسة ولا غيره، وأقول للرئيس مبارك ياريته يسمع..ارحم من في المعتقل ..يرحمك من في السماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون:


.. موجز أخبار السابعة مساءً - النمسا تعلن إلغاء قرار تجميد تموي




.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل


.. طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة يعيش حالة رعب ا?ثناء قصف الاحتل




.. النمسا تقرر الإفراج عن أموال -الأونروا- التي تم تعليقها سابق