الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة الكردية والنزعة القومية (الحلقة 6)

محمد يعقوب الهنداوي

2019 / 7 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


وفي هذه الحلبة الوحشيّة التي لا يطالها الخيال ذاته، ينمو المثقّف الكردي وتتطوّر الثقافة الكرديّة، فماذا ستعطي من ثمار؟

أليس مبالغة مجحفة أن نُطالِب الثقافةَ الكرديّة والوعي الانساني للأديب الكردي والسياسيّ الكرديّ والعالِم الكرديّ أن يتجاوز ذاته القوميّة وانغلاقه الشوفيني؟

وفي الوقت الذي نعطي الوعي الكردي والسياسة الكردية الراهنة مبرّراتها بهذا الشأن لا نتردّد في الحكم بأنها ثقافة رجعية وسياسة خاطئة تضرّ الشعب الكرديّ ذاتِه قبل الآخرين، لكن لذلك الواقع أسباب موضوعية يجب إدراكها وتحليلها بعمق ومحاربتها بفاعلية، وهذا هو واجبنا نحن الذين نرى الماركسية والشيوعيّة بمضمونها الطبقي الثوري هي وحدها طريق الخلاص للإنسانية المعذّبة.

والمسألة الأولى التي يجبُ ذكرُها بهذا الصدد هي أن هذا الواقع الرهيب الذي عاشه المجتمع الكردي ويعيشه، لم يكن بدوره إلاّ تعبيراً عن عجز القيادات السياسيّة الكرديّة ذاتها التي سبّبت وتسبّب للشعب الكرديّ المزيد من المآسي دون أن تكون أهلاً لإنقاذه من الظلم والموت والمزيد من التدهور والدمار.

فقد نشأت الحركة الكردية من داخل الشعب الكردي وظروفه الخاصة كردّ فعلٍ على الظروف الموضوعيّة التي أحاطت بالشعب الكردي فارضةً عليه حالةً قاسيةً من التخلّف والحرمان من أبسط مستلزمات الحياة الحضاريّة الحديثة، بل ومن ضمانات الحياة الآمنة رغم الحصانة الطبيعية التي توفّرها له تضاريس كردستان وانطواء أرضها الشاسعة على ثرواتٍ لا حدّ لها من المعادن وأصناف الوقود ومصادر المياه والأراضي الخصبة والمحاصيل المتنوّعة والطاقات البشريّة والتراث النضاليّ الضخم الذي يغطّي أكثر من ثلاثة آلاف عام تُوّجَتْ خلال القرنين الأخيرين بأكثر من عشر انتفاضات مسلحة تفاوتت في درجة تنظيمها وقوتها، قدّم خلالها الأكراد عشرات آلاف القتلى ومئات آلاف المشرّدين وألوف القرى المحروقة، وتحمّلوا من النكبات ما لم يتحمّلها شعبٌ آخر في العالم إلا نادراً.

ومع انّ ظاهرة الاضطهاد القومي التي تعرّض لها الأكراد ليست إلّا مظهراً من مظاهر انعدام الديمقراطية السياسيّة في البلدان المقسمّة كردستان فيما بينها، وشكلاً من أشكال الاستغلال والتسلّط الطبقيّ والاستلاب الذي لا يمكن حلّه جذريّاً إلاّ على يد الطبقة العاملة التي لا طبقة سواها تعمل حقّاً، وانسجاماً مع مصالحها الطبقية بالذات، على ضمان حقّ الشعوب المستعبدة في تقرير مصيرها بنفسها، لكننا نرى القوى الشيوعيّة المحليّة والعالميّة على السواء تتحاشى ذكر المأساة الكرديّة وكأنّها ليست جزءاً من المعركة الطبقية أو لا تشملها مباديء تلك الأحزاب المنحرفة عن الشيوعية.

إنّنا لا ندافع عن كردستان وحدودها، ولا ندافع عن أيّة حدودٍ عرقيّة أو طائفيّة، لأنّنا نحارب الدعوة الى اعتبار العرقيّة والقوميّة والطائفيّة معياراً لقيام الدول، بل ونرفض حدودً كلّ الدول على الأرض الكرويّة لأنّنا نؤمن بالنضال ضد كافة أساليب التمييز القوميّ والطائفيّ والعرقيّ وضد استغلال واضطهاد أيّة مجموعة بشريّة على يد مجموعة بشريّة اخرى وضدّ جميع ظواهر الشوفينيّة والتعصّب القومي.

اننا نناضل لبناء عالمٍ جديد لا حدود فيه ولا قيود ولا جوازات سفر، عالم يحكمه الانسان المتحرّر من قذارات المُلكيّة والثروة والتسلّط والتمييز وكل ما يمسخ انسانيته ويلوثها.

لكن الخطوة الاولى يجب أن تبدأ من هنا، من رفض كافة أشكال الشوفينيّة، ومن الدعوة الى تحرّر كل الشعوب من الأسْر. وفي الواقعِ المباشر الذي ندرُسُه الآن علينا أن نبدأ من واقع الانسان الكرديّ المضطهد على كل المستويات. أن ندافع عن الحقّ المطلق لهذا الانسان في تقرير مصيره بنفسه ليُتاح له، بالتالي، التحرّر من كل ما يزّجه في قوقعة الانعزال القومي والتعصّب المريض، ويعيقه عن الوعي السليم والتوحّد مع جميع المظلومين في العالم والسير معاً على طريق اجتثاث جميع أسباب وأشكال الاضطهاد الطبقيّ الذي هو الجذر الأساس والعميق لكافة أوجه وصيغ الاضطهاد الاخرى التي تعيق الانسان عن إدراك الحقيقة الجوهريّة وعن مكافحة عدوّه الحقيقي المتمثّل برأس المال ودكتاتوريّته الرهيبة وأشكاله المموّهة في الحكم والنهب والاضطهاد.

وإذا كنّا نهدف الى بناء عالمنا الشيوعيّ العظيم الذي لا مكان فيه للقمع والاضطهاد والعبودية ولا للتخلف والجهل، فعلينا أن ندرك بوضوح أن شعباً محكوماً بنكران هويّته ووجوده ولا يتاح له حفظ ودراسة تاريخه وحضاراته ومراحل تطورها والنقاط المضيئة والمعتمة في ذلك التاريخ، ويحفظ وثائقه وينشرها في جميع بقاع الأرض لتطّلع عليها البشرية ولتعرف عن كثب أحد أعضائها الراشدين وتدرس وتقيّم تراثه وأمجاده ونكباته وآفاقه المستقبلية.

شعب كهذا لن يؤدّي تجاهل وجوده وغضّ النظر عن مآسيه إلاّ الى إبقائه بعيداً عن ساحة نضالنا الأمميّ، بل وزجّه قسراً في معسكر أعدائنا الذين لن يدّخروا سلاحاً ضدّنا.

بل وليست مأساة الشعب الكردي إلا فصلاً من فصول صراعنا الحضاري والايديولوجي ضدّ رأس المال العالمي. وبكلمة اخرى فإن طمس حقوق الشعب الكردي وعدم التصدي لمهمّة قيادة نضالاته من أجل تجاوز ظروفه الراهنة، موقفٌ كهذا ليس إلا خدمةً لعدوّنا الطبقيّ ونقضاً لمبادئنا وشعاراتنا المبدئية وتخلٍّ مقصود عن أحد متاريسنا الأساسيّة في صراعنا الحاسم ضد أعدائناً الطبقيين، وهو ما يوازي الخيانة بعينها.


* * *








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه


.. اعتصام لطلبة جامعة كامبريدج في بريطانيا للمطالبة بإنهاء تعام




.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح