الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركات الشعبوية في تونس وليدة فراغ سياسي - اجتماعي فأي بديل ؟

محمد المناعي
باحث

(Manai Mohamed)

2019 / 7 / 8
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


في السنوات الثمانية الماضية التي عقبت 14 جانفي 2011 ، لم تطفو على سطح الأحداث سوى رغوة المشهد السياسي ، صعود لتيارات ونزول لأخرى و حركية أفقية وتشتت لنفس العائلات الفكرية والسياسية ...بينما التشكل الحقيقي بدا عسيرا ولا يزال بعيد المنال .
انتخابات 2019 تزامنت مع واقع مأزوم سياسيا و اقتصاديا ، وتزامنت أيضا مع مزاج عام أصبح يعتبر الانتخابات نفسها مضيعة للوقت والجهد وهو الذي بالكاد ينهي استحقاقا انتخابيا ليستقبل آخر دون أن تترجم هذه الجرعة الزائدة من شكليات الديمقراطية وقشورها مشاغل الناس وانتظارا تهم فترسخت فكرة المنصب لخدمة المصالح الشخصية أو في أفضل الحالات التواجد السلبي في المجالس النيابية و البلدية دون إضافة تذكر .
مزاج عام لمواطنين لم يعد يستهويهم التخويف على طريقة 2011 بأن معتقدهم في خطر ولابد من انتخاب حامي الدين المنقذ ، فكل هذا بدى وهما وانقلب الى إرهاب من ناحية ومحاصصة ملفات من ناحية ثانية ...
الناس ايضا لم يعد يستهويهم منطق التخويف بأن النمط المجتمعي في خطر وهو المنطق الذي طبع الانتخابات التشريعية والرئاسية السابقة ، فقد تبين أن هذا الرصيد وضع في المزاد مع الحركة الدينية وأن نمط المجتمع تبين أنه أكثر تماسكا من الحزب الذي قاد حملته على اساس حماية النمط المجتمعي.
الناس لم يعد يستهويهم الشخص الذي يشبههم ، المستقل او البسيط الذي يعيش بينهم وينتمي الى طبقتهم والذي وعد بالتغيير و بنظافة اليد و بالعمل الميداني المباشر وهو ما طبع الانتخابات البلدية فقد تبين أن هذا المسكين مكبل بميزانيات فقيرة و توازنات سياسية مختلة و الجميع يسيّر لكن في الحقيقة لا أحد يقرر وبلديات في مهب التجاذب السياسي الصغير.
2019 تجاوزت الناس مرحلة الشعارات لماهو ملموس عملي يغير حياتهم مباشرة في أقرب الآجال دون نظريات معقدة ودون تأجيل وضربت عرض الحائط بتجارة الهوية والدين وتجارة النمط المجتمعي ... بحثا عن المعيشي اليومي...
وفي غياب بديل اجتماعي يقدم إجابات عملية على انتظاراتهم ,,, بسبب فراغ الفضاء الاجتماعي في بعده السياسي الا من تشكيلات اما محدودة التأثير أو محدودة الأفق السياسي منهمكة في المناكفات ولم تنهي بعد حروبها الداخلية ولم تطرح على نفسها الفعل السياسي المباشر خارج قاعات الاجتماعات وبعيدا عن ساحات الاحتجاج والنضال الافتراضي .
وفي ظل قوة اجتماعية نقابية لم تطرح على نفسها خوض المعركة السياسية المباشرة في بعدها الانتخابي - وهو خيار صائب - اكتفت بالجانب التعديلي سياسيا والمطلبي اجتماعيا ولقيت تجاوب ايجابي من عامة الناس...عموما فردود الفعل الغاضبة التي كانت تستهدف الاتحاد العام التونسي للشغل كلما أعلن عن إضراب تراجعت لتتوسع دائرة المساندة و في أدنى الحالات التفهم نظرا للوضع المزري الذي أصبح يعيشه اغلب المواطنين فيزيد تفهمهم لمطالب الزيادة في الأجر وتضعف مساندتهم للحكومات ...وهذا يلاحظ بجلاء خلال الاضرابين العامين سنة 2018 ...مقارنة بالسابق
في ظل هذه الظروف نشأت وترعرعت تيارات شعبوية التقطت اللحظة السياسية والسياق الاجتماعي والاقتصادي لتضع نفسها بديل عن كل ما سبق مدعومة بالمال السياسي و بالاعلام الموجه و بخطاب " ما يطلبه المشاهدون " خطاب يروق للمتلقي متماهي مع وضعه المعيشي ومشاغله والبعض يدغدغ الحنين الى واقع استبدادي لكن تمثل الناس له على المستوى المعيشي ايجابي مقارنة بالوضع الحالي .
ورغم أن الأفق السياسي لهذه الظواهر محدود فقد سبق أن برزت في تونس في 2011 تحت يافطة العريضة الشعبية و نسبيا في 2014 تحت يافطة الاتحاد الوطني الحر غير أنها كانت مجرد أرقام لا عمق سياسي و لا توجه واضح لذلك سرعان ما تحولت إلى رقم في سوق التجارة السياسية بين القوى التقليدية و مستقبلا سيكون مصيرها إما خدمة مصالح ضيقة لمؤسسات اقتصادية وواجهات لحماية مصالح لوبيات أو تصب في رصيد التيار السياسي الذي انهكته الانشقاقات والمحاولة الدائمة لاعادة التشكل ببذور الانقسام ..فلن يكون لها وزن بالمعنى السياسي بقدر ما سيكون لها الأثر على تعفين التجربة الديمقراطية الوليدة وتعطيل مسارها السليم .
هذه الحركات الشعبوية ملأت فراغا هو الفضاء الطبيعي للقوى السياسية الديمقراطية والاجتماعية وتحديدا اليسار بجميع تمظهراته فراغا ينتظر بديلا يعيد الأمل في تغيير الواقع المعيشي للمواطن دون شعبوية ودون تجارة لا بالدين ولا بالنمط ودون حنين للاستبداد ودون مال سياسي مشبوه ..
فكرة تجميع أوسع ما يمكن من المؤمنين بمشروع ديمقراطي اجتماعي ، مشروع عقلاني واقعي وعملي دون تحجر فكري ودون عقد الماضي مستعد لخدمة الناس في حياتهم ومشاغلهم اليومية فكرة لطالما سعى حزب المسار لتجسيدها و اليوم يحمل لوائها ضمن الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي ، كمشروع هو وليد حاجة الناس لقوة اجتماعية سياسية وازنة ، مجمّعة وهو ما سيجعل له شأن في المشهد السياسي التونسي و في واقع الناس لو أدير بالنضج السياسي الكافي و بالاعتبار من أخطاء الماضي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تشتبك مع المتظاهرين الداعمين لغزة في كلية -


.. حشود غفيرة من الطلبة المتظاهرين في حرم جماعة كاليفورنيا




.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا