الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرق أسهل حلول الضعيف: فلم وثائقي عن العراق

علي البزاز

2006 / 5 / 9
الادب والفن


عرضت قناة الجزيرة مؤخرا وضمن سلسلة وثائقي فلما عن العراق بعنوان (صناعة جيش)وجاء في تقديم القناة :صناعة جندي عراقي وفق المعايير الامريكية والمفروض ان ُيقال وفق المعايير العسكرية الامريكية، والفرق واضح بين الكلمتين.
يبين لنا التاريخ ان الشعوب لا ُتصنع اسّوة بالمواد والاجهزة بل ُتؤهل اذا ماتعرضت في مرحلة زمنية للانكسار والفرق كبير بين صناعة وتأهيل وإعداد.
فالصناعة تتكفل بكل شيء، تخلق السلعة من الصفر الى الوجود وتبقى شخصية الصانع واضحة.
اعتقد ان للعنوان مدلولات سياسية وعلاقة بمايجري حاليا في العراق ويساورني خوف عظيم من ان للعنوان دوافع اخرى تتعلق بفرض النموذج الامريكي في عراق المستقبل، ويبدو العنوان موفقاً امريكيا حيث نظرة الاستعلاء على الاخر، والسؤال هل ان المستقبل العراقي سيتكفل بجعل هذه التسمية خائبة في مقاصدها؟.فبالنهاية لا توجد شعوب على القياس حتى الاِطاحة بالنظام السابق في العراق ليس صناعة امريكية محضة،فقد شارك فيها عراقييون وقوات اجنبية اخرى>

يتعرض الفلم الى عملية اعداد المتطوعيين العراقيين وتأهيلهم ليشكلوا نواة الجيش العراقي.
الجيش يلعب الان دورا مهما في العراق وتأهيله عراقيا بالشكل الصحيح يساهم فعلا بالتنديد بكلمة الصناعة الواردة في عنوان الفلم.
جاء في الفلم ان المتطوعيين العراقيين من اصول ريفية ومدربيهم اِنحدروا من مدن امريكا، بمعنى ان ثقافة الريف اضعف من ثقافة المدينة وعليه اعطى مخرج الفلم لنفسه الحق ان يطلق اسم صناعة تمشيا مع التفكير الامريكي، ولا احد يعترض على ان ثقافة المدينة سائدة وقوية وثقافة الريف تشهد تراجعا ولكن لا ينبغي ان يتضخم هذا الاحساس ليعطي تبريرا باستخدام مصطلح الصناعة.
ان توازن القيم مع القديم محال وتحجرها مرفوض مدنيا.فالقيم والمعايير تتغيران زمانيا ومكانيا تلتحقان بعصرهما،حيث بنهاية الفلم يذهب الجنود العراقيون المؤهلون من قبل الامريكين تنقلهم سيارة ليعيشوا في المجتمع العراقي مع عاداتهم،وعجلة النقل تعني حركة ومغادرة، توديع المعايير التي فُرضت عليهم امريكيا، وعليه ستفشل تسمية الفلم(صناعة جندي).
ان عنوان الفلم وتقديم قناة الجزيرة المراد منهما شن حرب اخرى على العراق، غير حرب السلاح انما حرب القيم فهل يكسب العراقيون هذه الحرب؟ اوفي الاقل يستمر الصراع اخلاقيا بين الفارض والمتلقي.
الفلم يتطرق الى كيفية تعلم الجنود العراقيين الاساليب(وليس القيم طبعا)الامريكية العسكرية المتعلقة بالتدريب البدني مثلا تقنية تفكيك المتفجرات وتنشط قدرة التحمل.
فقط في معسكر التحمل يتدرب العراقيون من اصول عربية وكوردية معا بخلاف معسكرات التدريب الاخرى في بقية انحاء العراق حيث يتم فصلهم.
كلمة التحمل تعني من الناحية العسكرية رفع الطاقة البدنية للجندي،وفي الفلم مغزىَ اخر: قياس درجة تحمل التعايش القومي.
يقول مترجم كوردي: ان بعض الاكراد يقومون باثارة المشاكل لغرض اثارة النعرات القومية، بينما يقول اخر ان هذا معسكر عربي فلماذا يجلب الاكراد اليه،لكن احد الجنود يقول هذه المشاكل تحصل في العائلة الواحدة،الا يستطيع الخطر المتربص بالجميع ان يوحدهم امام نفس المصير والبلدالواحد؟.الانسان يتفنن بتفسير تعصبه وعندها لا يتحمل مسؤولية العيش المشترك.في نهاية التدريب تنجح عملية تنشيط التحمل البدني للجنود ويبقى السؤال مطروحا عن مدى متانة التحمل القومي.وهناك حادثة اخرى توضح عدم قبول الجنود العراقيين لكل ما ُيفرض عليهم،وهنا تسقط مجددا عبارة الصناعة وعبارة وفق المعايير الامريكية.
جاء في التعليق ان الضباط العراقيين ينظرون شزرًالى الامريكيين وهم يعملون بمعنى ان هناك عدم رضى،وعدم ِانصياع للفرض يحدث هذا اثناء معالجة مشتركة لتفكيك سيارة مفخخة يختلف الطرفان على طريقة ِابطال مفعولها.فيرى ضابط الهندسة العراقي بانها اصبحت مؤمنة بعد ازالة الاسلاك بينما يصر الامريكيون على خطورة الحال ويصرخون بالعراقيين( لا تقتربوا وابتعدوا) ويدخلون في جدال فيقوم الامريكيون بحرق السيارة.
عملية الحرق تعني ان الامريكيين يفضلون الحلول السريعة (حرق المراحل).
هذا الاستعجال والافراط بالاخلاص للرأي المتعنت سيجلبان الضرر على مستقبل العراق.ان عملية الحرق تخلف الركام، وفرض المعايير تاتي نتيجة البناء الذي هو نقيض الركام وعليه تندحر ثانية كلمة الصناعة.ان العيش ضمن ثقافة الفرض يكلّف الشخصية الفارضة الخسارة (حرق السيارة)ويبقي على حل وتصور واحد والحال فالمعايير المفروضة اسرع للفشل من ثقافة التفاهم.من اكثر مشاهد الفلم اِيلاما للعراقيين هي فترة الحلاقة وكأنهم ُيساقون للموت.اذ يفرض عليهم حلاقة الشعر والشارب.يقول رقيب امريكي ان حلاقة الشعر والشارب في الجيش الامريكي عملية طبيعية منذ الاف السنين.اما العراقيون فهذا الامر جديد عليهم ولذا يرفضونه.في المعايير العسكرية للجيش العراقي حلاقة الشعر وتسمى( صفر) تعني العقوبة،اضف الى كونها غير مقبولة اجتماعيا فما بالك بالشارب.وعليه يرفض المتطوعون العراقيون الحلاقة.يقول متطوع عراقي اسمه(همبرغر)اُجبر على حلاقة شاربيه: اللعنة على هذه الساعة.هذا الرفض الكلامي جاء نتيجة لرفض اجتماعي وبالتالي له رفض نفسي واللعن رفض لسيادة المعايير. ومن ناحية اخرى كان التعليق في الفلم مطوّلا ومترهلا مما جعل المشاهد يتابع الكلام وينشغل عن الكاميرا واعطى انطباعا ًكذلك بان الفلم مدرسي تعليمي رغم ان الفلم معمول بمواصفات سينمائية جيدة(كاميرا،سيناريو، مونتاج).ان التعليق وطريقة الالقاء مهمان جدا في الفلم الوثائقي سواء اكان سينمائيا او تلفزيونيا.رغم ان الفلم السينمائي يميل الى الاقتصاد بالتعليق تاركا التعبيرللكاميرا.اما الفلم التلفزيوني فيميل كثيراً الى التعليق والمقابلات واللقطات القريبة.فالتعليق( احيانا) ينوب عن الكاميرا ان هي عجزت عن التعبير عن المشهد، او يعطي معلومة اكاديمية.اما في الفلم المذكور فان التعليق اخذ مكان الكاميرا (بالمطلق) رغم جمالية التصوير مما افسد التمتع برؤية فلم فني تظافرت عناصر النجاح فيه.يبدو من سير الاحداث ان فريق التصوير رافق الجيش الامريكي والظاهر وجود حماية عسكرية لذلك الفريق.هاتان الصفتان لا يتمتع بهما المخرجون العراقييون أذ يتعرضون الى شتى انواع التعسف بل واحيانا الى مصادرة معداتهم من قبل الجيش المريكي.المؤسف في الفلم خلوه تماما من الموسيقى التصويرية. للموسيقى دلالات زمانية وإيحائية. و عدا ِاستخدام التعليق المطوّل( وطريقة الالقاء )وغياب الموسيقى التصويرية فقد كان الفلم موفقا فنيا، مما يجعل المرء لا يتشدد في محاسبة النواقص المذكورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح


.. عرض يضم الفنون الأدائية في قطر من الرقص بالسيف إلى المسرح ال




.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل


.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع




.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو