الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيادات السياسيّة الكردية هجينة مشوّهة التكوين مزدوجة التبعيّة وعقيمة (الحلقة 8)

محمد يعقوب الهنداوي

2019 / 7 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


هذه البرجوازية الكردية المشوّهة التكوين العديمة الجذور العقيمة الآفاق هي التي قادت ولا زالت تقود نضالات الشعب الكردي تحت شعارات الحكم الذاتي لأجزاء كردستان حيناً، والاستقلال الكامل وتكوين الدولة الكردية الموحّدة حيناً آخر، من دون أن تدرك معنى تلك الشعارات وآفاقها الفعلية وصلتها بإمكاناتها الذاتية الخاصة، ودون أن تدرك استحالة نجاحها في ذلك.

ودون أن تقرّ، لضيق أفقها وغرورها، بعجزها عن قيادة الحركة المسلحة في أيّ جزء من كردستان دون الاعتماد الحيويّ والحاسم على سلطات الدول المجاورة التي تحتلّ، هي الأخرى، جزءاً من أرض كردستان وتضطهد شعبها، ولا تقدّم، ولا يمكن أن تقدّم، أيّة مساعدة مهما كانت شكليّة وتافهة لأي قسم من أقسام الشعب الكردي إلّا ضمن وخدمةً لصراعاتها التنافسيّة مع الأنظمة المجاورة من جهة، ولسَتْر وتغطية ممارساتها العنصريّة وجرائمها الشوفينية القذرة بحق الملايين الكرديّة المستعبدة من قبلها هي ذاتها.

وإذا كانت الانقسامات في القيادة الكردية التقليدية تجدً جزءً من تفسيرها في اختلاف نقاط الارتكاز والدعم الخارجي، فإنّ حجم مساهمة البرجوازية الصغيرة في تشكيلاتها يفسّر القسم الآخر من تلك الانقسامات، حيث أدّى توسّع المدن وانتشار المدارس وتضخّم الأجهزة الحكومية وإدارتها، إلى اتساع صفوف البرجوازية الصغيرة وتنوّع فئاتها، وكانت أكثرُ شرائحها اتّساعاً وتضخّماً هي شريحة المثقفين والطلاب والموظفين الحكوميّين.

وبسبب الطابع القومي للحركة وتخلّف الفئات القديمة التي فرضت في الماضي وصايتها عليها، وجد البرجوازيّون الصغار هؤلاء فرصتهم التاريخية في صبغ الحركة بطابعهم الرجراج الهشّ ورفدها بزخمٍ هائل كان أحد الأسباب الرئيسية لانفجار وتهشّم القيادة الكلاسيكية وانشطارها الى عددٍ من الاتجاهات والتشكيلات التي يجمعها:

أولاً: التعصّب القومي ومعاداة الشيوعية العلميّة وتبنّي مفاهيم عن الثوريّة والتقدميّة تطابق المفاهيم الاشتراكية الفاشيّة.

ثانيا: مساومتها الطبقات الرجعية القديمة في المجتمع الكردي وتملّقها والإقرار بشرعية امتيازاتها وملكيّاتها الاستغلاليّة ومقامها الموروث.

ثالثاً: حماسها لتضخيم حجم الحركة وتحويل تشكيلاتها القتالية سريعاً جداً الى جيوش جرّارة يسودها التدرج البيروقراطي كما في الجيوش التقليدية.

رابعاً: لأنّ هذه الفئات البرجوازية الصغيرة لا تشكّل ثقلاً مهمّاً في ميزان الانتاج الاجتماعي، كما تفتقر الى الاستقلالية الايديولوجية والتنظيمية، مثلما تفتقر الى مصادر التمويل الذاتيّة الخاصة بها، لذا تلجأ عادةً الى أقصر الطرق لتضخيم الحركة وإعالة جيوشها المتضخّمة سرطانيّاً، تسليحيّاً وتموينياًّ، من خلال ربط الحركة بسياسات الدول المجاورة والتي لن تكون إلّا إحدى الدول التي تحتلّ قسماً من أرض كردستان وتضطهد جزءاً من شعبها.

هذه الأسباب الواقعيّة العميقة الجذور والخارجة عن إرادة الأطراف المعنيّة بها، هي التي تكمن وراء المعارك الطاحنة التي تنشبُ بين الحين والآخر بين اثنين أو أكثر من الزعامات الكردية، والتي تقود عادةً الى خسائر مجانيّة يدفع الشعب الكردي ثمنها لا لشيء إلاّ لتسير الحركة التاريخية قدماً نحو التوكيد القاطع لفشل قيادات كهذه في كلّ شيء سوى تدمير نفسها وشعبها.

بل وتكمن هذه الأسباب ذاتها وراء الارتداد البرجوازي الصغير على هذه الصراعات وطرح شعارات التحالفات فيما بينها من جهة، وبينها وبين الأطراف الهزيلة الاخرى في حركة المعارضة العراقية، تلك الأطراف التي يصحّ فيها قول الشاعر:

ما زاد حنّونُ في الاسلامِ خردلةً * * * ولا النّصارى لهم شغلٌ بحنّونِ

وتنطلق قيادات الحركة الكردية في دعواتها تلك وتحالفاتها العملية من المنطق التقليدي العتيق القائل بأن اتّحاد الضعفاء، بأيّ شكل ومهما تضخّمت تناقضاتهم الداخليّة، يمنحهم قوّة لا يمتلكها كلّ منهم بمفرده، رغم ان الواقع التاريخي أثبت ان هذا المنطق إن كان ممكناً أن يصحّ على كل شيء، فهو لن يصحّ في حال التحالفات السياسيّة التي ستؤدّي الي تفاقم التناقضات الداخلية وتحوّل المناوشات الفاترة فيما بينها الى احتكاك حادّ قد ينفجر بعد حين مدمّراً في طريقه حتى إمكانات اللقاء والتعاون التي كانت متوفّرة سابقاً بين تلك الأطراف.

كما إن تجميع الايديولوجيات البالية وترقيعها لن يؤدي مطلقاً الى إنتاج أيديولوجيّة جديدة يليق عرضها على الجماهير، ناهيك عن صلاحيّتها لقيادة ثورة.

وكانت أهمّ الدول التي اعتمدت عليها القيادات القوميّة الكرديّة لتمويل الحركة وربط مصيرها بسياسة تلك الدول هي إيران التي أدتْ سيطرتُها على مقدرات الحركة الى هزيمتها وتشتّتها واضمحلالها في ربيع 1975 إثر اتفاقية آذار بين النظامين الفاشي العراقي والشاهنشاهي الإيراني.

ومع ان ذلك الدرس كان كافياً ليدرك حتى الحمقى لا جدوى تلك الارتباطات وخطورتها الهائلة على توجّهات الحركة وعلى مستقبلها، فقد أعادت جميع الأحزاب والقوى الكرديّة القائمة ربط مصيرها بمشيئة السلطات الايرانيّة بحجّة التعاون التكتيكي معها لإسقاط نظام البعث الفاشي واستثمار الظروف اللاحقة لضمان استقلالية الحركة، بينما يستثمر النظام الايراني الحركة لمحاربة نظيره العراقي تحت ستار الدين والدفاع عن أكراد العراق فيما يعيش أكراد ايران ظروفاً أشدّ سوءاً وينتظرهم مصير لا يقلّ قسوةً وظلاماً عن مستقبل الشعب الكردي في العراق.

كما ان المستقبل يشير الى ان الحركة وقياداتها الراهنة عاجزة وستبقى على عجزها بل وستزداد عجزاً في المستقبل عن الوقوف على قدميها ومجابهة حليفها الراهن وعدوّها المقبل المتمثّل بالنظام الايراني، ويكفي اليوم أن نقول انّ الشعب الكردي في كلٍّ من العراق وايران دفع باهظاً جداً ثمن هذا التحالف الجديد بين قياداته القومية وبين السلطات الايرانية، حيث استثمر النظام الايراني حلفاءه من أكراد العراق في ضرب المعارضة الايرانية، وبضمنها الأكراد، المتمركزة في كردستان ايران.

واستغلّ النظام الفاشي البعثي دخول القوات الايرانية الى القرى الكردية آنذاك شرّ استغلال وصبّ جام حقده الشوفيني الرهيب على القرى الكردية بلا تمييز مستخدماً الأسلحة الكيمياوية الفتّاكة وإحراق القرى وإبادتها عن بكرة أبيها ومحوها عن وجه الأرض وتحويلها الى حاجز عسكري منيع وستارٍ لتغيير الطابع القومي لسكان كردستان. وهكذا نزحت مئات آلاف العوائل الكردية الى ايران لتعيش مجدّداً حياة التشرّد والذلّ والمصير المجهول.

لكنّ القيادات الكرديّة التقليديّة لا تستطيع أيضاً أن تفعل شيئاً أفضل من هذا بسبب طبيعتها الهجينة وعجزها التاريخي ورجعيتها وانغلاقها القومي. فالبرجوازية الصغيرة تفتقر الى البرنامج الطبقي المستقلّ بسبب موقعها الثانوي في عملية الانتاج الاجتماعي، والبرجوازيّة الكرديّة الهجينة المكوّنة من الملاكين العقاريين والتجار والكومبرادور والمشايخ الدينيّين والعشائريّين تفتقر بدورها الى الاستقلاليّة والتبلور والتماسك، وتعجز جميع فئاتها، منفردةً أو مجتمعة، عن التملّص من حبل التبعيّة الذي يشدّ عنقها الى البرجوازيات المتخلفة، التابعة بدورها، الحاكمة في عواصم الدول التي تقتسم كردستان.

ويبقى الاقطاع الذي استطاع، بسبب ظروف كردستان الاستثنائيّة واستمرار الحرب الأهليّة، أن يحافظ على مواقعه وامتيازاته مستغلّاً حاجة طرفي الصراع إليه لقدرته التعبويّة الخاصّة التي تزيد فاعليتها الطبيعة العشائريّة السائدة في المجتمع الكردي. وهكذا تضطر السلطة المركزية الى غضّ النظر عنه مؤقتاً ليعينها ضد الحركة المسلحة، في حين تغضّ الحركة المسلحة النظر عنه لتتجنب عداوته واستفزازه ولتنتفع من دعمه وألقابه الطنّانة وجاهه الموروث.

وطبيعي ان هذه الفئة الاقطاعية لا مصلحة لها في استقلاليّة الحركة عن الدول المجاورة وتطوّرها ونضجها لأن ذلك سيجعلها أكثر انسجاماً مع جماهيرها وأكثر اضطراراً الى التعامل الواقعي مع الصراع الاجتماعي في الريف الكردي، المعقل الرئيسي للحركة، ويضع، بالتالي، مصير الأغوات بين أيدي الفلاحين المسلّحين والمتحرّرين من الضغوط الخارجية ومن حبال الطاعة الأزلية لأسيادهم التقليديّين.


* * *








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يُحطم رياضيو أولمبياد باريس كل الأرقام القياسية بفضل بدلا


.. إسرائيل تقرع طبول الحرب في رفح بعد تعثر محادثات التهدئة| #ال




.. نازحون من شرقي رفح يتحدثون عن معاناتهم بعد قرار إسرائيلي ترح


.. أطماع إيران تتوسع لتعبر الحدود نحو السودان| #الظهيرة




.. أصوات من غزة| البحر المتنفس الوحيد للفلسطينيين رغم المخاطر ا