الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وما ذبحوه وما فضوه ولكن شبه لهم

عدلي محمد احمد

2019 / 7 / 10
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ساعات وتقف الثوره السودانيه امام التأبين الاربعيني لشهداء اعتصام 6 ابريل الذين غدر بهم مجلس الشؤم العسكري كما جاء علي لسان متحدثه الرسمي السابق, في مجزره رهيبه ليس من المبالغه انها هزت العالم قبل ان تثير غضب السودانيين ببشاعتها المتناهيه وحقدها الاسود المقيت الذي عبرت من خلاله الثوره المضاده بكل فرقائها عن مدي الغل والتشفي في هذا الحدث التاريخي الهام.
فمن القتل بالرصاص الحي وبالمناجل وباجهزه حارقه حرقت الوجوه النبيله كما حرقت الخيام بالمعتصمين وهم نيام, الي تحميل الجثث من هول اعدادها بسيارات الاسعاف والتاتشرات لالقائها في مياه نهر النيل الازرق احياء واموات , مثقلين بالاحجار حتي تطمس ملامح الجريمه النكراء, الي اغتصاب النساء والرجال , جرت تصفية اهم احداث الثوره السودانيه الشعبيه ,بل وتحويله الي عبره لكل من يفكر في الاستمرار,بل واستهداف تحويله الي نسيا منسيا لا يتذكره سوداني الا مصحوبا بهذه المجزره الشنعاء ,وطبعا املا في فرض شروط السفاح الجنجويدي وطغمته علي قيادة قوي الحريه والتغيير,باسرع ما يكون.
فقد كان الاعتصام المغدورمن اهم العلامات المميزه للثوره السودانيه, خصوصا بعد ان حاز هذا الطابع الكوميوني النادر بالمقارنه باي ثوره من الثورات العربيه , والذي حازت معه الثوره عاصمة لها بل وقبله, بل ومدرسه ثوريه كبيره متعددة الاقسام , طابعه الكوميوني كان يشي دون ان يصرح احدا بذلك وكأنه السر المكنون عن العيون, بروح سودان المستقبل المنشود.
فقد تحول الاعتصام خلال شهرين ولدي الشعب كله الي مستشفي عام , وصيدليه كبري ومنتدي سياسي ليلي, وجاليري ومرسم , ومسرح يعج باحدث الاغنيات الجميله البديعه,وساحه للفولكلور ومدرسه للموسيقي, وحتي الي مدرسة محو اميه (حرق الد اعداء الحياه تلاميذها), ومدرسة كادرسياسي.
كانت قيمة الاعتصام تبين امام اهله ليلة بعد ليله , كما كانت تظهر معها في نفس اللحظه خطورته علي اعداء الثوره الحالمه بالحريه والسلام والعداله.
لن ينسي شعب السودان ابدا هذا الحدث الجليل التاريخي
اعتصم المصريون في التحرير اسابيع وحتي اشهر, واعتصم شعب اليمن في ساحة التحرير بصنعاء اسابيع طويله, وكانا اعتصامين مهيبين شدوا انظار العالم , ولكن اعتصام السودان كان له شأن آخر, الفارق في مستوي التنظيم العالي, الذي كانت تتباري في سياقه اهم مكونات قوي الحريه والتغيير, في حزم قيادي سمح ومرن وديموقراطي برهن عليه بكفاءه تجمع المهنيين.
يختصر الكلام
دور الكنداكات اللاتي كن يشعرن ان هذا بيتهم, وان كل من في الميدان عائلاتهم, اشقائهم وابناء عمومتهم واخوالهم, كانت نساء كل منطقه ليليا تتنافسن علي تقديم وجبات افطار المغرب, كان الحمل الاثقل علي كنداكات بري باعتبار قربهم النسبي , ولكن كان الاكثر ادهاشا زيارات الدارفوريات قاطعين 1400كم, حاملين ما لذ وطاب وكأنهم يزورون بيوت الجدات, وكان ما يلفت حرصهم علي التحدث للمواقع الاليكترونيه التي كانت تتجول بكاميراتها في الاعتصام, معرفين بانفسهم وبلداتهم , ومعبرين عن اعتزازهم بثورتهم , خاتمين حديثهم : سقطت ما سقطت صابينها!
يجسد الكلام
المواكب اليوميه التي كانت تشعرك ان معظم من كانوا خارجه , لا شغل لهم الا الاعداد للعوده المهيبه الراكزه في موكب كبيروكأنهم رسل, فلم يكن المعتصمين ابدا مجرد اناس غاضبين منزوين يستدرون التعاطف, بل كان الاعتصام في كل لحظه رمزا ثوريا ملحميا لكل السودان الشقيان المقهور, للاغلبيه الشعبيه الراغبه في حياه كريمه لائقه بشقائهم المنهوب يوميا , وامام اعينهم وعلي عينك يا تاجر يتكدس مليارات ,وباسم السماء والمقدس وكأن المنتجين المنهوبين كفره ملعونين ومحرومين سماويا من كدهم وانتاجهم اللهم ما يقوم الاود ,هذا اذا سمح الشيخ رجل الاعمال.
كان الاعتصام ملتقي دبلوماسي يستقبل السفراء , ويرسل رسائله المتحضره الي كل العالم, الذي اهتز وجدانه عندما شاهد قطار عطبره المحمل بآلاف العمال والكادحين من ابناء المدينه التي دشنت واعلنت بانتفاضتها المبكره عن ثورة نوفمبر, عندما طردت وحرقت وطاردت واستولت بصوره ثوريه علي كل رموزحكم البشير علي ارضها , ولولا التدخل السريع لاحد ابناء المدينه من جنرالات المدفعيه الاذكياء, لكانت الثوره كلها قد نحت منحي عطبره ووفرت من الجهد والدم الكثير.
كانت لحظة توقف القطار امام بعض الثوار الذين خرجوا لاستقباله علي القضبان, مشهدا مثيرا فكأن قطار عطبره يؤدي التحيه لقادة الجمهوريه اليعقوبيه المقبلين, لزعماء ملح الارض من المكدودين.
اما لحظة وصول الاتابره الي ارض الاعتصام واندماجهم في حشود الاحتضان الحميم فلن ينساها السودان , وكأنها التقاء النيلين.
يحدد الكلام
فرسان جمهورية اعالي النفق, الذين شكلوا جوقه من الثوار لها مذاق خاص , وطابع عسكري استطلاعي وانذاري فريد , شكليا كانوا يشبهون ابناء القبائل الكبيره الرابضين علي بواباتها السامقه للانذار بالاخطار من خلال الطبول, كان يقودهم مهندس كهرباء عاني الامرين مع حكم الكيزان الفاسدين , استرد الروح والكرامه مع الثوره, وعسكر في الاعتصام , وصعد الكوبري فارسا وهو الكهل الجليل ,معرضا للقنص في اي لحظه مع جنوده واشباله الصغارمنهم والكبار, حول فارسنا حراسه اليافعين الي جوقة طبول نادرة المثال ,استهدف من عمله قتل الملل النهاري الذي قد يعتري شباب , ومن خلال تحويل اعالي الكوبري العتيد الي منصه هاتفه موسيقيا بصوره دائمه ومدهشه بشعارات الثوره الملحنه علي وقع بعض الدفوف وحديد الكوبري وجداره القصير,حيث صارت كل وحده من هذه الوحدات الثلاث آله موسيقيه لها نغماتها المتمايزه, شرط ان يكون العازف من هؤلاء الابطال الذين قضوا الكثير من الساعات في التدريب المكثف تحت لفح شمس السودان, كان يبدو في البدايه عملا مللا , ولكنه سرعان ما تكشف عن عمل عبقري مدموغ : اعتصام القياده
في لحظة الخطر, كانت الجوقه ترجع للطرق العنيف الذي لم تعد جمهورية الاعالي مقتصرة عليه , بعد ان زاوجت بين انتمائها العسكري الاستطلاعي وبين انتمائها المنتزع المفروض , كاهم وحدات لجنة اعلام الاعتصام.
وفي الحقيقه لقد دشن اعتصام الثوره مرحله جديده في الثوره, اعقبت المرحله الاولي التي استمرت حوالي اربعة اشهر, والتي كان عنوانها القمع الصريح الذي واجهته الثوره ببساله منقطعة النظير, وهزمت بصمودها ارادة البشير وصلاح قوش وكتائب ظل الاخوان الكيزان.
مرحله جديده ,حاولت الثوره المضاده من خلال تواطئها علي تدشينه من جانب الثوارامام مباني القياده العامه للجيش السوداني , احتواء المشهد الثوري بجماهيره وبقيادته المتمثله في قوي الحريه والتغيير,بما يعنيه ذلك من توقف عن حرب الكر والفر بين الشرطه والكتائب وبين المتظاهرين اليوميين, التوقف عن اراقة الدماء يوميا , ووقف حرب الشوارع التي تتيح تطوير القدرات الكفاحيه للجماهير الشعبيه , اضافة الي انه يسمح لقيادات الجيش التي لم تعترض تحقيق هذه الخطوه , بوضع خط فاصل بينها وبين البشير ومعاونيه القمعيين السافرين, كما يشكل حمايه للجيش من تهديد خطر الحرب الاهليه , حيث شعرمعظم قيادات الجيش وهم يتابعون عناد الجماهير ان البشيريعرضهم لموقف خطير ,خصوصا مع لجؤه لانزال القوات للشوارع , الامر الذي كان يهدد بالصدام مع الجماهير الغاضبه في اي لحظه , بكل ما يعنيه ذلك من الاقتراب من حافة الحرب الاهليه, في مواجهة شعب لا يهتف الا : تسقط بس..
وهي مرحله لم تقدم للبشير بالطبع الا علي انها محاولة احتواء وتهدئه في ظل حكمه, ولكن لم يكن الامر كذلك بالمره , بل كان من اول لحظه يحتمل التخلص من البشير حتما , فلا احتواء من اي مستوي ممكن ان تكتب له حياه في ظله بعد ان صار بشده شخصا كريها مكروها من الشعب كله.
وما ان شعر البشير بالاعتصام كخطر حقيقي ,وطلب من حميدتي تصفيته بالدعم السريع, حتي فوجئ بالانقلاب الذي قاده رسميا بن عوف , الذي سرعان ما جرت الاطاحه به من جانب حميدتي والبرهان وطغمة اللجنه الامنيه, التي اطلقت علي تشكيلها المجلس العسكري الانتقالي وكأن الثوره قد تحققت وما علي المجتمع الا الانتقال.
ورغم ان الاعتصام بدا للجماهير انه مكسبا كبيرا, وهو بالفعل كذلك كانتصارعظيم لارادة وصول المواكب الي القصر,الذي جري استبداله بمبني القياده العامه للجيش,
الا ان الجنرالات الوثيقي الصله من قيادة الجيش بالاعتصام حاولوا توظيف الاعتصام لصالحهم عبرالترويج في اوساط الاعتصام بان الجيش حمي الثوره وانه شريك فيها بحكم خلعه للبشير , ولكن ذلك لم تكن الجماهير تقابله الا بالاهمال والاستخفاف, فهي تدرك ان هذه القيادات كان من الممكن ان تمنع قمع البشير للثوار مبكرا, خصوصا مع التجربه المبكره في عطبره , عندما تصدي قائد المدفعيه لمحاولة اقتراب الشرطه من المتظاهرين , وهو الامر الذي قابلته الجماهير بالاستحسان وسلمت علي اساسه مقرات الاداره والسلطه والمؤتمر الوطني التي كانت قد احتلتها , ولم تكتفي بذلك بل هتفت : الجيش معانا وما همانا!, وهو ما قاومه البشير بسرعه, بما يثيره من اطمئنان وحماس لدي المتظاهرين العفويين.
ولكن بعد عطبره لم يتكررذلك ,الا بصوره واهنه امام السلاح الطبي , فلقد تأكدت الجماهير ومن خلال خبرتها الخاصه المباشره, وخصوصا من خلال احتكاكها بالقوات التي كان المخلوع قد فرش بها الشوارع, ان لا فرق بين الجيش والشرطه وكتائب الظل, وان عدم خوض الجيش للمعركه مع الشعب له وقته لا اكثر ولا اقل.
ولقد تعلمت الجماهيرومن خلال الهجمات الليليه علي الاعتصام , التفرقه بين صغار الضباط وصف الضباط والجنود الذين دافعوا معها عن الاعتصام, وبين الجنرالات الذين بدوا انهم مسئولين عن هذه التهجمات التي نسبوها لكتائب الظل, رغم ان ذلك لا يعوقهم عن منعها وهم الذين اطاحوا بالبشير تحت ضغط الثوره , والمرجح ان هذه الهجمات استهدفت اقناع الجماهير بصوره عمليه كيف ان الجيش هو من يحمي الثوره , ولكنها اتت بنتيجه عكسيه مع كثرة تكرارها, واكدت للمعتصمين ان جنرالات المخلوع لم يخلعوه الا من اجل تثبيت اركان النظام في مواجهة الثوره.
ومع تصاعد الاعتصام , لجأ المنقلبين للتفاوض المغرض مع فيادة ق ح ت, ولكن قوة الاعتصام كانت قد تحولت الي اصعب الارقام, التي شعر الجنرالات ان الخضوع لاستمرارها اكثر,سيزيد من احتمالات الخضوع لشروط الجماهير ولمطلبها العتيد : مدنيه
فقرروا الاقدام علي المجزره البشعه من اجل فرض اصعب الشروط علي ق ح ت, ولكن السحر الذي انقلب علي الساحر, وقف عائقا بالطبع ايضا امام اي تنازلات من جانب ممثليه , الذين حاولوا امتصاص الغضب سريعا قبل ان يفلت من الجميع , من خلال اضراب اليومين, ثم من خلال اعلان العصيان المدني الشامل والاضراب العام, الذي سرعان ما توقفت به وبمتاريس الاحياء وفاعليات لجان المقاومه المبادره الاثيوبيه, واستمرت المفاوضات التي قومت بعض تعثرها مليونية 6-30 التي هددت فيها الجماهير جديا بمحاصرة القصر الجمهوري , وصولا للاتفاق الاخير,الذي لا يحظي بمباركة كل الثوار, والذي يتعامل معه معظم موقعيه بتحفظ غير منكور , بما يتضمنه من الغام وعوائق توحي ان الجنرالات لا يحرصون علي شئ الا علي صرف الجماهير والتوقف بالثوره في منتصف الطريق, حتي يطيب لهم وحكمهم اعادة انتاج حكم الانقاذ المخلوع علي صورة مصالح واهداف الحلفاء الممولين, وصورة الافلات من عواقب وعقوبات جرائم رهيبه تعلق برقاب الجنرالات, ولا تتوقف عند مجزرة الاعتصام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج




.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام