الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤى نقدية في الأدب و الثقافة (1)‏

زياد بوزيان

2019 / 7 / 10
الادب والفن


1 ــ الأوهام و الطلاسم و الابتلاء بالصفر السالب

لعلنا نعني بالابتلاء بالصفر السالب مراوحة المكان عن قناعة ، أو حب اللاتقدم أو غياب مستوى من الحراك النقدي و العلمي يضاهي مستوى ثورة المليون و نصف المليون شهيد و التي أبهرت حتى العالم الحر (المتقدم) نفسه ، و مستوى ذلك الحراك الذي اندلع فجأة في ربيع العام الجاري ، فالفرق بين صاحب الصفر و صاحب الصفر السالب يكمن في أن الأخير واعي بصفريته ، لكن مقاوم بجُبن لكل مدخل من مدخلات الإيجاب نحو الصفر على الأقل ، قبل التطلع لما بعده ، أوّلها نقد التحنط و الانغلاق في الماضي التراثي الديني بالأساس ، فهو تعود أن يحب وضعيته التي هو فيها متوهما أنه في أفضل حال ممكن و الغير يحسدونه عن حاله! بينما صاحب الصفر العادي يعرف أنه متأخر و لكن ليس بمقدوره النهوض من حالته تلك ، و هكذا تعرف كيف تنشب السياسة و أيديولوجية السكينة و الرضا و الطمأنينة مخالبها في عربي القرن العشرين و الواحد و العشرين الحداثي بين قوسين أكثر من غيره ، لأنه الوحيد الذي بقي صورة مجسدة للطلسم و الوهم الذي عاش فيه كنفه إنسان الحضارات القديمة مقابل صورة التحرر و التقدم الماثلة أمامه و الغير الماثلة في ذات الوقت! أجل و انتقل به هذا الوهم قرين السلب من الممارسات السياسية إلى كل القطاعات بما فيها الحساسة و الاستراتيجية كقطاع التعليم العالي و البحث العلمي ، و أخيرا انتبه له الحراك فلم يسميه باسمه لكن دعاه فسادا. إذن لا علينا كل دواليب و أجهزة الدولة الجزائرية اشرأبت أعناقها للتحرر من الفساد ، سلاحها للقبض عليه الثغرات المالية و السندات البنكية دون فوائد أما الشاهد عليه فهو آثار متراوحة بين الفقر و التفاوت الطبقي الحاد .

طيب ، أليس من الفروض و الأوْلى بالمحاسبة محاسبة من ينادون ليل نهار ويحظون على التطلسم و التخلف تحت ذريعة العلم و الديمقراطية منهم من هم بلطجية الحراك نفسه و الشاهد مقارنة يلحظُها العام دون الخاص ، بين حال العلم و الديمقراطية عندهم و الجهل و التخلف عندنا ، فاليوم أنتم مدعوين على أساس منطق يفرضه الواقع و التاريخ للتريث و مراجعة أوهامكم قبل أن تترمل عوائل جديدة و تتيتم أخرى كما حدث في مصر وتونس. يا من نصبتم أجهزة العدالة لمحاسبة الفساد فالأوْلى بالمحاسبة هو القطاع الاستراتيجي الذي يمهد لتبديد أموال الشعب و هو التنشئة و التربية على الفكر الأيديولوجي الذي ترعرعت مدارسنا و جامعاتنا بأساتذتها و كوادرها و علمائها فيه و في حضن النظام العصابي من 1962 إلى حد الساعة. فصاحب صفر السالب إذن لا يحق له محاسبة الآخرين بل عليه محاسبة نفسه و في مثل هكذا معقل حساس كمعقل علوم اللغة و الأدب ، عليه بالانسحاب طوعا و الظرف جد مواتي ؛ خروجا مشرفا من الباب الواسع حتى لا يضطر للخروج مذلا من الباب الضيق. فولله لحالُك أضحى كحال قناديل النور العتيدة التي نفذ نفطها و ولى زمانها معاً لكنه بقي معلقا فوق عند سقف الغرفة. متوهما أنه أيقونة نور يجب أن يكرّم و أن يؤتى و يزار و يبقى كذلك ما بقي الدهر. لا وألف لا ، لابد من أن تنزل و بدورك لتُوضع في مكانك الأليق مع العفج القديم أو تِتْرمي في الزبالة.

أنتم أيها الأصفار السوالب أنتنتم عقولنا بمستواكم الكدر سنوات و سنوات ، و بددتم طاقات الأمة الفكري فيما يخدم أغراضكم الأيديولوجية بخاصة مستوى اللغة العربية بنقدها و آدابها المفرغ من محتواه الفني و العلمي عن آخره ، بدعوى واهم و هو الاستعمار و الاستدمار الثقافي و اللغوي الذي لحق بالبلاد ، أبدا ، إنها دعوى باطلة بل هو قرف أيديولوجي من المعلم و المدرسة الفرنسية تمكن من أجدادكم بتحريض من الأتراك و الموريسكيين الحقودين على المسيحيين في العقود الأولى ، ثم من الزوايا الكبرى في فترة نشاط جمعية العلماء المسلمين في العقود التالية ؛ المعلم الفرنسي الذي دعا الجزائريين منذ 1833 إلى المدرسة الفرنسية لمواكبة العصر ( و هكذا فعل في لبنان و مصر و تونس و لقي استجابة ) لكنهم (أجدادكم)انتكسوا حكاما و محكومين بتأثير وساوسهم أو هواجس المس و القرف من مس الشيطان إلى التعليم التقليدي ، فلو دخل الجزائريون المدارس الفرنسية ولم يتقهقروا إلى شيوخ الكتاتيب و الزوايا لتعلم التعاويذ و مسد الأجساد بالعقاقير و البخور ، لولجوا الجامعات و لحظينا بمئات من مالك بن نبي و الآلاف المألفة من النخب و الإطارات المثقفة ، بل صار لنا طبقة متعلمة قبل الحرب العالمية الثانية مثل ما كان الحال في مصر و الشام و العراق و لتجاوزنا بها مجاعة الأربعينيات و لَمَا دخلنا باب النضال المسلح أصلا. إذن لو كان كل ذلك لما تذرع اليوم أنصاف أساتذتنا المتابطئة دقيقتهم إلى 75 ثانية المنتسبين إلى كليات اللغات و الآـداب بخاصة بالاستعمار و المحو اللغوي أبدا ، بل لانكشفت في حينها أيديولوجية التقوقع و الهروب إلى الأمام و التعصب تبعهم ضد كل من يكشف ضعفهم و تقوقعهم حتى من الجزائريين أنفسهم الذي اتخذوا مصر و لبنان مرجعا لعلومهم الأدبية و الثقافية ، فعدُّوهم خونة عملاء ولا وطنيين . معتقدين توهما أن سخرية العرب من لغتهم و أدبهم و نقدهم حسد و غيرة و عنصرية!!

فالآن و فقط الآن عليكم الانسحاب الواحد تلو الآخر و إلا فأين ستفرون من كابوس العدالة ؟ ستقودكم لا محال مقيدين كالمجرمين أو أشد إلى المحاسبة ، بقيد هو قيد ذل ركة ألسنتكم ، قيد تخبُّط أبحاثكم في مستنقع المغالطة و العمى و التقوقع لعقود ، و بما اقترفتموه في حق البحث العلمي النزيه الشريف. فالحراك نسيكم لكن نقاد و وجهاء الجامعة الجزائرية الحقيقيون لم ينسوكم ولن يتغاضوا عن ما فعلتموه في حق البلاد و العباد. فارحلوا لتقضوا كهولتكم سالمين بين عوائلكم خيرا من أن تجرجروا إلى العدالة فتقضوها بين أسوار السجون.

بلى ، فالوهم المتربع على العقول الذي نحن بصدده هو وهْم لا حكم بغير كتاب الله ، وهْم لا قانون لا دستور حزب الله و الرسول ، أما الطلسم فهو قوة حياتهم الوسواسية الطّلسمية و التي لا تميز بين متعلم و بين أمي بل بين رئيس و دكتور ، الكل حامل سجادته و رايح جاي إلى المرحاض ناهيك عن التعاويذ و التمائم التي لا تنتهي إلا بممات صاحبها و غيرها من حياة الطلاسم الجد لصيقة بحياتهم بل أخشى أن أي تفريط فيها توقعهم في عصبية الزيغ الشيطاني ( ارتكاب المحرمات ) ؛ العصاب النفسي الهستيري فيرفع الساطور يذبح و يبقر كما هو جاري على ألسنتهم و دوما و أبدا حلول غضب الله ، إلى هنا من حق أي إنسان فعل ما يشاء على أن يتحمل تبعات فعله ، فقط أن تتوقف حريته عندما تبدأ حرية الآخرين ، بل إننا نخشى أنه من أسباب تردي الواقع التربوي و العلمي عندنا هو تلك الإطارات و الكوادر بل الهامات الفائضة وساوس التي تعج بها مؤسسات الدولة و أركانها حكومية و غير حكومية منها قطاع الجامعات و لعلك ستجد أكثريتهم في تخصصهم المفضل وهي علوم الشريعة و علوم اللغة العربية : تقضي عمرها لتتحصن منه بجرعات زيادة حتى يضيع منها طريق العلم و العمل و ما هم يحزنون.ـ عندما تغذي الممارسة الطلسمية الوهم المتربع على العروش حتى يرسبان كليهما في قاع التاريخ و يعلقان به حتى لا يكاد يتزحزح صاحبهما عن الصفر ؛ كل ما حاول أن يفارقه متقدما بخطوة إلى الأمام تراجع بخطوتين أي خسر خطوة ، فتغدو به حركية التاريخ مراوحة للصفر و الصفر السالب إلى أن يرث الله الأرض و من عليها. ثم إن الطلسم في سطوته السحرية على العلماء ليس صنعة اسلاموية بل قد يكون صناعة علمانية و شيوعية أيضا مع اختلاف في الهدف حيث يدرك العلماني أن ذلك بحق يطرد الشياطين و يجنبه الوسواس الذي يحرجه أمام الناس ( كلنا يتذكر فرج فودة في ملازمته للسبحة رمز الورع و الفساد في ذات الوقت ، حتى أم كلثوم و ملازمتها للنظارات التي تغطي خائنة الأعين الموسوسة كما يقولون ). أما الإسلامي فيتجاوز هذا الهدف ( التطهر من وساوس النفس بوساوس ـــ تعاويذ ـــ الرقية ) إلى غاية الطهر المستديم أي طرد نهائي للشيطان و انتصاره عليه و علوقه في الوهم بالتالي توفيقه الدائم في الحياة و يزيد عنها الآخرة. وهو في الحضيض لكن منوم ولا دريان.

بالعودة إلى غالبية نقاد و أدباء الديار الجزائرية سنجدهم بإزاء ثلاثة علامات كبرى ، ظاهرة مكشوفة للعيان ، تجعل كل من التمس بصيص عقل يفكر به يشك في مستواهم العلمي بل يشك أول ما يشك في سطوهم على الجهد العلمي للغير و الاقتباس الانتحالي و هي بالترتيب:

1 ــ الكِبر و الغرور الذي مصدره نفسي وإثني و نكران فضل علوم السابق و عدم الاعتراف به.

2 ــ الوهم المعتري للأكاديمي الإسلاموي[1] أنه أفضل مستوى في التخصص بالضرورة من العلماني و العكس بالعكس بالنسبة للعلماني ( ربما لِأنه يرى أنه أميل إلى مخالطة الآخر الذي ينفر منه الإسلامويين ) بل الحق أنه في ميدان كميدان الأدب و النقد كليهما واقع في وهْم (في الهوى سوى ، بل تلك علامة كما ذكرنا أعلاه على الركود ـ الصفرية ـ مضافٌ لها الكبر يستقي خصائصه من المكون النفسي ـ السلبية ـ )

3 ــ مستوى من الضعف الفصاحي مزمن ، و السعي بإصرار و عصبية للحفاظ عليه تحت حجة اللكنة المغاربية و ما إلى ذلك من المغالطات ! يكدر اللغة نفسها وهي التي تنعكس على أدبهم شعرا و نثرا و نقدا ، نُخبيا و أكاديميا ، أما شعبيا فالأمر يختلف بحسب المناطق.

و العيّنة التطبيقية مقارنة اخترناها عشوائيا بين دكتورين مختصين في الأسلوبية ـ من جيل واحد ، أما الأول فجزائري أسلوبه فضيحة بمعنى الكلمة حين يقول : « يعدُّ الأسلوب من الدعائم الأساسية في ظل البحث البلاغي القديم رغم سيطرة هذا البحث مدة من الزمن على الفكر النقدي الأدبي ، و كان لظهور علم اللغة أو اللسانيات الحديثة الفضل في رعاية ، و عناية هذا الأسلوب ، فأمدّه بأسباب الحيوية و الانبعاث ، مما أدى إلى أفول نجم هذه البلاغة ، و تقليص حجمها، وبذلك فتح المجال إلى علم جديد ينافس البلاغة القديمة ، ألا وهو الأسلوبية أو علم الأسلوب ليساير المرحلة الحالية، ولقد شهد علم الأسلوب كمختلف التيارات النقدية الحديثة تحولات عديدة منذ بدايات ظهوره الأولى، مما أدى إلى احتكاكه ببعض المفاهيم النقدية واحتوائه فيها أحيانا، ويمكننا أن نمثل لمسيرة هذا العلم في صورة الشمس التي تتعاقب وتتوالى عليها الغيوم في السماء فتضيء أحيانا وتحجب أحيانا أخرى»[2] الجملة المسطرة الأولى تنم عن اقتباس تعريف مقارب للأسلوبية من بحث أو كتاب يعود للمؤلف و ما يشي عن ذلك هو حديثه عن البلاغة في مستهل مدخله ، أما الجملة المسطرة الثانية فلعل الكاتب يقصد قول " أخذ البلاغة لزمام الأمور" أما الثالثة و الأخيرة فتنمّان عن اصطناع التعبيرات المجازية المضرة بالإحاطة بالمفهوم ، و لأنها غير ضرورية يُظهر محاولة دمجها دمجا في التعريف ركاكة تعبيرية! أما قوله علم الأسلوب تيار نقدي حديث فإن دل على شيء إنما يدل على عدم الدقة و الاستسهال ، فكلما تقدم بحثه توسع وكأني به يريد الإلمام بكل شيء دفعة واحدة ، دون انضباط أو تنظيم فيخلط بين الجانب اللغوي اللساني و بين الجانب الأدبي و الاجتماعي النفسي وهو يؤرخ لنشوء الأسلوبية/علم الأسلوب ؛ مبتغيا تعريفات للأسلوبية بحسب اتجاهاتها في الفكر الغربي ، بل دل كذلك على احتقار ميدان النشر الإلكتروني ( كما درجت العادة مع الباحثين في الدراسات الأدبية عندنا يستسهلون ميدان الصحافة و الترجمة بغرور حمل الشهادات عليا ) وفي الحقيقة النشر الإلكتروني عبر شبكة الأنترنت غدا مرجعا أولا للطلبة و الباحثين بعد أن كانت الكتب الورقية. فهذا اللف و الدوران كله بين البلاغة و اللسانيات و البحث البنيوي إلا كي يأتينا بتعريف للأسلوبية وأي تعريف؟ إنه التعريف الذي يجعل من الأسلوبية تيارا نقديا! ثم لا يتواني في ولوج المغالطات العلمية في قوله أن: تيار الأسلوبية بدأ في المغرب و الجزائر و تونس وفي و سورية (كمال أبو ديب) ، ثم أنتقل إلى المشرق العربي! ثم لا يذكر منهم غير اثنين المسدي و محمد الهادي الطرابلسي! أما نور الدين السد فتخصصه تحليل الخطاب السردي كذلك كمال أبو ديب السردية البنيوية.

أما التعريف الثاني فلباحث مشرقي مجايل متخصص أيضا في الأسلوبية هو فتح الله سليمان يأتي بتعريف للأسلوبية من دون لف و لا دوران ، بأسلوب بسيط دون تصنع تعبيري أو تكديس للمصطلحات بالتشكيل إن اقتضى الأمر حين يقول : ‏«‏ و ثمة تعريفات ثلاث لمصطلح أسلوب:

التعريف الأول : و يتم من منظور المنشئ ، ويقوم على أساس أن الأسلوب يعبر تعبيرا كاملا عن شخصية صاحبه ، بل يعكس أفكاره ويظهر صفاته الإنسانية.

أما التعريف الثاني فهو ينبع من زاوية النص و يعتمد على فكرة الثنائية اللغوية التي تقسم النظام اللغوي إلى مستويين : مستوى اللغة و يقصد به بنية اللغة الأساسية ، و مستوى الكلام و يعني اللغة في حالة التعامل الفعلي بها. و ينقسم المستوى الثاني إلى قسمين آخرين:
أولهما الاستخدام العادي للغة و ثانيهما الاستخدام الأدبي لها.
و هذا المستوى الثاني هو مجال البحث الأسلوبي باعتبار أن الفرق بين الاستخدام العادي للغة و الاستخدام الأدبي لها يكمن أن هناك انحرافا في المستوى الثاني عن النمط العادي ، و الانحراف هنا يعني على ما هو مألوف في الاستعمال اللغوي ، مما يشكل في النهاية ما يسمى بالخاصية الأسلوبية.

وأما التعريف الثالث فيتحدد من جهة المتلقي ، و أساس هذا التعريف هو أن دور المتلقي في عملية الإبلاغ مهم إلى الحد الذي يراعي فيه المخاطِب حالة مخاطبه النفسية و مستواه الثقافي و الاجتماعي ، كما يؤثر في هذا الخطاب عمر المخاطَب و جنسه ، وعلى المنشئ أن يثير ذهن المتلقي حتى يُحدِث تفاعلا بينه و بين النص ، واستجابة المتلقي و رفضه هما المحك في الحكم على مدى حدوث هذا التفاعل.»[3]

لعلّنا نكون ضربنا الفرق بين فهم الجزائريين و العرب المشارقة للمنهج الأسلوبي مثالا تطبيقيا عن العلامة الأولى ، التي تخول لأيا كان الشك في مستوى النقد و الأدب الاكاديمي الجزائري ، أما المثال التطبيقي عن العلامة الثانية ، أي التعالي بالأفضلية عن العلمانيين موحديهم و ملحديهم فبالقياس على من فضلهم القرآن على جميع الأديان ( ما مفاده : إنّ فضلناكم عن العالمين ) وأن القرآن يقر بالاختلاف لا بالتعدد ؛ سبق وأن تناولنا في مقالتنا السابقة عودة المسيح من وجهة نظر المسيحية و نبوءة العلم بذلك. لكن هذه المرة نعرض لما هو مذكور في القرآن أي نزول عيسى و إمامته للمسلمين و قتاله لليهود ، فقيام الساعة مشروط بقاتل المسلمين لليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر و الشجر ، فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود . و هذا هو سبب زراعة اليهود لشجرة الغرقد في أغلب الأماكن حتى يختبئون ورائها!

ومذكور في السنة أيضا أن الصحابي زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن دين ليتبعه ، فلقي عالماً من اليهود ، ‏فسأله عن دينه قائلا : أخبرني به لعلي أن أدين بدينكم ، فقال الشيخ اليهودي : لا تكون على ديننا ‏حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله ، فقال زيد : ما أفر إلا من غضب الله ، ولا أحمل من ‏غضب الله شيئاً أبداً و أنا أستطيعه ، فهل تدلني على غيره؟‎ ‎قال : ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا ، ف‏قال زيد: ما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم ، لم يكن يهودياً ، ولا نصرانياً ، ولا يعبد إلا الله ، ثم أعاد زيد الخروج ، ‏فلقي عالماً من النصارى ، فذكر مثله ، فقال النصراني: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك ‏من لعنة الله ، قال: ما أفر إلا من لعنة الله ، ولا أحمل من لعنة الله ، ولا من غضبه شيئاً أبداً ، ‏و أنا أستطيع فهل تدلني على غيره؟ قال : ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا؟ قال : وما الحنيف؟‎ ‎قال: ‏دين إبراهيم لم يكن يهودياً، ولا نصرانياً ، ولا يعبد إلا الله ، فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم خرج ، فلما برز رفع يديه ، فقال: " اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم‎"

أهو هكذا أمر الدين الحق حقا؟ عينه في الحرص على حصانته بمن كانوا اشد الناس صرامة في انتقاده إفشاء الدعاية propaganda بين الشعب لتصبح حقيقة ، أي انتقاء حكم إيجابي على السؤال أهو الإسلام الأفضل أم اليهودية ؟ من اليهود أنفسهم. لكل سلطة و سطوة مهما علت على وجه الأرض مجالها الحيوي عندما تتعداه تتلاشى و تضمحل طبيعيا ، فالمنطق الذي علمنا إياه التاريخ أن سطوة الفراعنة على اليهود ، و أثينا أسبرطة على أثينا طروادة و سلالات شعوب الشرق الأقصى فيما بينها ، و الفاتحين المسلمين العرب و الأتراك ضد الشعوب المجاورة لها لا يمكن إلا أن تعلم تلك السطوة و ذلك التأله في غياب الحق جلت قدرته ، تعلمه درسا لا ينساه ، و نخشى أنه سيأتي زمن على هذا التصور المتطلسم و هذه السطوة الواهمة لِتتناوب فيه شعوب الأرض قاطبة قائدها بسافلها على إعطاء طْرَيْحَة للمسلمين تلو الأخرى و سيعمل اليهود على منعهم لكن لا يستطيعون لقلّتهم.

كيف أننا مازلنا في عراك أسطوري أيهما الأنقى و الأطهر و الأرقى من الآخر ، بتقديم الحجج و البراهين من الكتب المقدسة مسنودة بمواقف من حياة من جاء بتلك الكتب المقدسة ، حتى ملّ كل طرف هذا العراك و شهد شاهد من أهلها أن المسيحيين قد شدو بطرف حبل النجاة ، فأراد اليهود الحذو حذوهم و قبل أن يفعلوا لابد من لم شتاتهم فكونوا دولة أصبحت هذه الدولة موضوعا للعراك بينهم وبين المسلمين. جاءت هداية العالم الحر لمعشر يهود أخيرا غير متطلسمة مُقلصة كثيرا من دور المجتمع الديني ، فاسحةً الطريق لحضارة العلم و للمجتمع المدني ، ليت شعري مِن الديانات فِرق قلة بما أتاهم الله من حكمة و قد اهتدوا أن طريق الجنة لا يمكن أن تكون طريقا واحدة ، تماما كما الطريق إلى روما ليست واحدة بيد أن لطريق التقدم طريق واحد و وحيد هو طريق العلم ، لكن الأكثرية المغبونة في طاقاتها النفسية حد الفتنة السحرية La sédition التي تتحكم في طاقاتها العقلية ارتأت و مازالت معتقدة أن العكس هو الصحيح ، أي أن طريق الجنة هو الإسلام وحده و طرق التقدم طرق عدة تصب كلها في التفقه في أمور علوم الغيب ، بالرغم أن الحدود القائمة بين الوهم و الإيمان واضجة جلية.

1 ــ الخريف في مدونة الإبداع العربي

ما إن يدخل علينا فصل من الفصول حتى نملّه بسرعة فطرة الرب في خلقه ، فنتطلع بتلهف و اشتياق إلى الفصل الذي يليه في دورة الفصول ، لكن قد يقول قائل إلا الربيع ، بيد أن حتى الربيع هو في الحقيقة يُمَل بخاصة عندما يكون في قمة عنفوانه ، كشكل من أشكال الإفراط الرومانسي القابض على النفوس مانعا إياهم من التصرف السوي في حياتهم ، فيطلب الناس و يتمنون دخول الصيف عليهم لطرح ما يثقلهم من ثياب و التوجه إلى الشواطئ ، ولَأَشد ما تحتفظ به مدونات الإبداع الأدبي في عالمنا العربي وصفا للطبيعة بعد وصف الربيع هو وصف الخريف و جماله صنو تقاطيع مقطوعات الخريف الموسيقية و اللوحات التشكيلية المحاكية للحركة التشكيلية العالمية له مع شوبان و ماري باشكير تسيف على التوالي.

وصِنو تلك الرومانسية الغريبة الرومانسية لوحة الموناليزا في خدرها ، و في ابتسامتها الغامضة ، فكم كان مِثلُها حال الخريف وصفا و شعورا من لدن أنامل كتاب و فنانين سبق و أن أحسوه و سقطوا في لغزه المحير ، خذ الخريف مثلا ساعة الأصيل و ساعة يدنف الوقت مترهلا إلى ما بعد الزوال في خضم تقلص الزمن و سرعة الانتقال مكمن شعور متصل بغموض المكان و الزمان بين الحزن و الفرح ، بل قد يأتي الخريف أحيانا قبل الربيع عناية و مصاحبة لعواطف الكتاب و المبدعين من شعراء و قصاصين ، مثيرا لمشاعرهم الفنية الآيلة إلى الانقباض و التراجع حتى لا نقول إلى الكآبة و الحزن.

من المعروف في مدونة الشعر العربي أن أبا تمام سبق البحتري الذي انطلق يمجد الربيع في بيته المعجز: أتَاكَ الرّبيعُ الطّلقُ يَختالُ ضَاحِكاً منَ الحُسنِ حتّى كادَ أنْ يَتَكَلّمَا
فلم يصمد بيته القائل : أصاحبيَّ تقصَّيا نظرَيكما تريا وجوه الأرض كيف تصورُ

ولا قصيدة إبراهيم ناجي أمام قصيدتي أحمد شوقي " مرحباً بالربيع في ريعانِهْ " و " الربيع " ، والذي نهل في شبابه ما نهل من فنون الفن الرومانسي الفخم ، مترجما إياه في مسرحياته الشهيرة مجنون ليلى ومصرع كليوباترا الخالدتين :

آذار أقبل قم بنا يا صــــاح حىّ الربيع حديقة الأرواح
واجمع ندامى الظرف تحت لوائه وانشر بساحته بساط الرياح
صفو أُتيح فخذ لنفسك قسطها فالصفو ليس على المدى بمتاح
واجلس بضاحكة الرياض مصفقا لتجاوب الأوتار والأقداح
و استأنسّ من السقاة بــرفــقـة غر كأمثال النجوم صباح
...
ملك النبات فكل أرض داره تلقاه بالأعراس والأفراح
منشورة أعلامه من أحمـر قان و أبيضَ في الربى لماح
لبست لمقدمه الخمائل وشيها ومرحن في كنف له وجناح إلى آخر القصيدة

لكن حين تعتري النفس حمى الاختلاج بعبق و ظنا الإبداع معا ، فإنها تجود بما جاد به البحتري و احمد شوقي مطرا كالخريف ، بل أبهى و ألين عزفا على وتر القريحة الشعرية الحساس ، بخاصة وأن نصيب ما أبدعته قريحة شعراء و كتاب الرومانسية العربية في الخريف غالبا ما نجده منشورا في الكتب المدرسية ، لمصادفة الخريف بداية الدراسة ؛ فجبران خليل جبران و المنفلوطي و محمود غنيم و ابن دفتر خوان الشاعر العباسي ( 1193 ــــ 1257 ) و يوسف غصوب قد ملأت إبداعاتهم الخريفية دنيا من الذكرى و ملكت شعورا مخيما بالاشتياق إلى ماضينا الطفولي ، و ماضٍ من تذوقها حافلة بالصور الشعرية الحالمة و غنى بمعجمها الدلالي و الذاتي اليابسة و المائعة معا ، لا شك و أنه إلى الآن لا تزال إبداعاتهم صادحة الذكرى في نفوس الأطفال الذين غدوا كبارا ، بخاصة الذين يقطنون البوادي و الأرياف ؛ فالذي يحس بالقصيدة دون واقع الخريف ؛ دون وريقات و ريح و أغصان الأشجار اليابسة و دون نسائم و أنين عصافير ، تحملها على حوافها أمام عينه لتصلها بشجي مسامعه ، ليس كمثل من يحس بها أمام مرأى عينيه و مسامع أذنيه ؛ فإذا كان الشاعر الأردني عرارا ( مصطفى التل) رسم في نفسه للخريف صورة يائسة تضاهي خريف عمر متحصراً على ذهاب الشباب بقوله :
يا شيخ أَين من الخريف ربيع ما للشباب وقد خلاك رجوع
يا شيخ بعد الأربعين بقاؤنا عبث فلهو لداتنا ممنوع

فان ابن دفتر الشاعر العباسي يجعله محل تجليل و تعظيم من حيث تجل موصوفات تبدل الطبيعة من حال إلى حال ، ما يجعل من وجدان الشاعر بل و جدان الإنسان الريفي يعايش ذلك التغير و يصفه وصفا رومانسيا ، متألما ملتاعا على الفقد ، ضاما صوته إلى أصوات الطيور متجاوبا مع أنين الشجر ؛ و كأنها سيمفونية اللون الخريفي سمفونية خلود لا يخرج إلا كي يعود و لا يتلون إلا كي يتبدل و تكتمل بعودته حلقة الفصول ، فمناجاة النغمات الأيلولية لأوراق الشجر في رحلتها إلى عالم جديد جزأ من دورة الحياة ، عندما يقول :

حلَّ الخريفُ على الأَغصانِ وانتثرت أوراقُهُ غيرَ ما يبقى على الحِقَبِ
كانتْ غلائلها خُضْراً وقد صُبِغَتْ بصفرةٍ مثل لونِ الورس و الذهب
واستطردَ القيظُ إذ ولّــت عساكـــره واستبردَ الظلُّ فاقدحْ جمرةَ العنب
واغنمْ بها العيشَ في تشرينَ منتهزاً فالقيظُ في رحلةٍ و القرّ في الطلب

لا شك أنه ما من مدرك لروعة التبدل أفضل من الأناس الذين مضى بهم العمر سريعا كما تمضي فصول السنة لأن الإحساس بالصور و المشاهد العمرية لديهم تكون مضاعفة ، و لعل فيهم من يتذكر قصيدة يوسف غصوب ( 1893 ــــ 1971 ) التي يفتتح بها الموسم الدراسي الأخير في المرحلة الإعدادية أصدق تذكر:

نـثـر الخـريـف على الـثـرى أوراقه فـتـنـاثـرت كـتـنــاثـر الـعـبـَـرات
يـتـركـن أغـصـاناً ألـفـن عـناقـها و يـقـعـن فـوق الأرض مـضـطربـات
تـلـهـو بـهـن يـد الهـواء هـنـيـهة و تعـود تـجـمـعـهـن بعـد شـتـات
...
وجم الطبيب وقد تبـين داؤه و مضى يخاف تساؤل اللحظات
...
يمسحن دمع العين كتماً للجوى وأرى خطوط الدمع في الوجنات
لا تمسكي يا أم دمعكِ واسكبي فالنفس قد بلغت إلى اللهوات
وتـناثري يا خفقات في الهـــــــوا فحياتكن قصيرة كحياتي
إني رميت على الطريق يراعتي وتلهبت في مهجتي نفـثاتي
ونهضت أنشد في الصباح قصائدي فإذا الصـباح يغوص في العتمات
و أصخـت للأطيـار أسمـع شدوهـا فإذا الطيـور سـكـتْـن مكـتـئبـات
و إذا الطـبـيـعـة و جـهـهـا متجهــم عـريـتْ مـن الأزهـار و البـسـمـات

و أما جبران خليل جبران فإنه يقول في نصه المدرسي الملهم "إذا جاء الخريف" :

إذ جاء الخريف ضعفت حرارة الشمس ، وأصبحت نظراتها سقيمة فاترة وتمردت الرياح ، فتجعدت أوجه البحيرات و تململت الأشجار ، و ارتجفت الأغصان فتناثرت أوراقها الصفراء و تراكضت يمينا و شمالا في المعابر و الممرات ، و بات كل ما في الأرض يرتعش من غضب العواصف .و اختفت البلابل و الشحارير ، فلم يبق بين التلال سوى الغربان تتصاعد ناعبة فوق الأشجار العارية ، تختفي في الغابات ثم تظهر ، وتهبط في الأرض ثم تتطاير إلى كل ناحية ، وكأنها في مباراة يلاحق بعض أفرادها بعضا .و هنالك ... هنالك في سفح الجبل أشجار السرو ذات الاخضرار الأبدي تهاجمها الريح بعنف فتلويها ولكن لا تكسرها ، ويحاول المطر خلع ثوبها فيبلله ولا يثلَمه ، ويغمرها الضباب ليخفيها عن النواظر فيظل رأسها العالي مرفوعا نحو السماء .لقد مضى الصيف فعرت الرياح أشجار التوت و الصفصاف و التفاح ، و وشّح الضباب الحقول و المروج و الأدوية و لوت العواصف أعناق الأعشاب و الأزهار، و تراكمت الغيوم الرمادية فوق خطوط الشفق ، و ملأت الفضاء فتساقطت الأمطار ، واستبشر الفلاحون ، فخرجوا يقلبون الحقول بنشاط و أمل.

لعلّ ما يميز هذا الوصف عن غيره ليس بلاغته بقدر ما هو شجن و غموض الصور المُذكية لصدقية الرؤية و الوصف في نفسية المبدع ، النابعة من خاصية افتقاد الوطن و طبيعته ، لذا عمد جبران إلى محاورة الوطن من خلال لمسات الخريف فيه ، فطبيعة الوطن بالنسبة لأدباء المهجر بشكل عام تعدّ رمزًا للحب الصادق لأوطانهم البعيدة ، حيث بساطة الحياة مقدسة فاضلة ، مهذبة للنفس نقيض حياة المدنية الغربية. لعلّ محاولة طرق تأمل الطبيعة و مكابداتهم لها و بها في ظل الحيرة و القلق الوجودي تشي عن إبداعية صاحبها، و عنايتهم بفلسفة الجمال المستقى من الرمزية و المثالية السائدة آنذاك ، حيث غاية الأدب و الفنون عامة السمو بالإنسان إلى مدارج الفضيلة الروحية.

يتبع ( سلسلة ستعنى بقضايا الأدب و شؤون الفكر و الثقافة ، الإرسال بمعدل 10 أسطر لكن غير منتظم )



[1] - غالبا ما يطلق على الأناس الحريصين على الانتظام أو التمظهر في نطاق دين الإسلام أنهم إسلامويين وليس إسلاميين ببساطة لأنهم يحرفون الإسلام الحقيقي لسبيل المصلحة بالسياسة أو حتى بالمذهبية.
[2] ـ ينظر شيخة محمد الأمين : الأسلوبية (علم الأسلوب) بين النظرية والتطبيق اقتباس بتاريخ 9/1/2018 من الموقع : http://www.arabnationleague.com/a_web/one_sub.php?id=530
[3] - فتح الله احمد سليمان : الأسلوبية مدخل نظري ودراسة تطبيقية ، مكتبة الآداب ، القاهرة 2004 ، ص7ـ8.























التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال


.. عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ




.. إسرائـ.يل سجنتني سنتين??.. قصة صعبة للفنان الفلسطيني كامل ال


.. عمري ما هسيبها??.. تصريح جرئ من الفنان الفلسطيني كامل الباشا




.. مهرجان وهران للفيلم العربي يكرم المخرج الحاصل على الأوسكار ك