الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة// تهنئة

عماد نوير

2019 / 7 / 10
الادب والفن


تهنئة
في قلب المدينة النابض بالحياة، كان كل شيء يأوي إلى قرينه، المصابيح الصفراء تغازل بيضاوات يحلن الحياة إلى نهار أبدي، الحافلات، اصطفّت في مرائبها يحدّ بعضها بعضا، لا حركة للطيور في الفضاء البهيم، كل الأعشاش تشتعل دفئا و حنانا، صافرات الحرّاس الليليين تناغي إحداها الأخرى، كأنها ابتلعت كل الأضواء، ثم تحاول أن تطلقها على دفعات بأوقات منتظمة، الشوارع صارت تتزيّن و تستعد لاحتواء حفلات تودعها بالتّزمير و التطبيل إلى شوارع أخرى، التلفاز هو الأخر ينقلب فجأة مدينة للحب و الغزل و الهيام.
الناس كل في شأنه، يزيح الجمع من حوله بالانصراف إلى غايته، الابتسامات ترتسم على الوجوه رغم محاولة سرّيتها و خصوصيتها.
الحياة تمطر أحداثا رغم هدوئها الظّاهر، ليس هناك حجر يئن من وحدة، المدينة كلها تعمل على وتر الديمومة، و شخوصها يعيشون لحظاتهم بلا تردد.
في ليلة عيد ميلادها، ترى القمر أكثر قربا، أشعاره تنزل على نوافذها المفتوحة، فيعتصر نفسه ليسيل حبّا و حنانا، تتعطر بقارورة امتلأت ذات ليلة من رحيق اسمه، البيت يعبق بشذاه لا غيره أبدا، التّهاني تصلها من كل بقاع المعمورة، تبحث فيها عن تهنئة واحدة، غرقت في رسائل الهاتف دون جدوى، تفقّدت منشورها على التواصل الاجتماعي، لا أثر لإطلالة اسمه و رعشة تجدّد أنوثتها و تجعلها أصغر من عمرها بعشرين عاما، تذكرت كيف كانت أمها تسمّي القمر، له عندها تسميات كثيرة، الآن، تتذكر (مؤنس الغريبة) إنها غريبة في العالم كله، إنها قريبته وحده، لكن أين هو، أليس الأَولى أن يكون بقربها، فكلمة واحدة تكفي، مثل الأغراب أيضا تفي، هي سوف تجعل منها صرحا آخر و شكلا يزهو، عليه فقط أن يقول:
- كل عام و أنت بخير.
هذه تختلف عن كل من قالها، وقعها له ترجمة أخرى، وحدها من يفقهه، الهاتف يومض، قطعا ليس هو، الرسائل تتوافد، شكرا لكم جميعا!!!
نثرت ورودا و قلوبا على المهنّئين في منشورها على صفحتها الشخصية، و عين على الإشعار الوارد.
الحياة في المدينة بدأت تشعر بالملل، استلذّتِ النعاس، بدأ كل شيء بالأفول، غفت المدينة على وسادة الأحلام، يخرج الفرسان مدججين بقوافي الغرام، يخطفون الحبيبات من براثن الانتظار!
النهار يستعجل الظهور و الأحلام تحاول السبق و البقاء في ليل يجعل الحياة أكثر صدقا من الواقع.!
غفت و هاتفها يشكو نفاد البطارية، لكنها تتجاهل نداءه، و تلح أناملها تتساءل إن كان قد مر بجوارها و حيّا، عبثا، فعطره لم يثمل ثمالتها بعد.
غفت، استسلمت إلى عالم الأحلام، تنتظر خروجه بحصانه الذي سيردفها خلفه في لحظة عشق، لم يظهر فارسها.
رأته هناك، ليس واضحا تماما، مثل أبطال الأحلام، يحاولون أن يخفوا وجوههم، و لا أحد يعرف السبب، رأته هناك، في خيمة كبيرة، تحيطها الصحراء من كل جانب، الحياة فيها قصيرة جدا، أبيات شعر و قهقهات و مجاملات و استلطاف، حياة باهتة، سمعت ضحكاته المجلجلة على طرائف سمجة لفتيات مدعوات لحفلة أنيقة، سمعت أشعارا و توثيقا لذكريات، سمعت أحدهم يذكّره بعيد ميلادها، لكنها لم تسمع إجابته، فقط رأت اللامبالاة على محياه، ثم سمعته يكتب بصوت عال تهنئة لصديق، لم تكن لها.!
فزعت من نومة مرتبكة، مدت يدها لهاتفها، كان منطفئا، يشبه انطفاء جذوة حب.
عماد نوير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية