الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الإستخبارات (172) التوزيع القضائي

بشير الوندي

2019 / 7 / 10
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الإستخبارات (172)

التوزيع القضائي

بشير الوندي
----------
مدخل
----------
العلاقة بين القضاء وبين الاجهزة الاستخبارية علاقة معقدة , فمن جانب لابد من تحقيق افضل انواع التكامل بينهما , وفي نفس الوقت فإن فلسفة كل من الجهازين تختلف اختلافات جوهرية , وهو ماسنتناوله ضمن شرح النوع الثاني من التوزيع الاستخباري للمعلومات وهو التوزيع القضائي , وقد نوهنا في المبحث السابق ( مبحث 171 التوزيع الرأسي )الى اننا سنتناول كافة انواع توزيع المعلومات الاستخبارية التسع بالتسلسل .
-----------------------
الخطوات العشر
-----------------------
ذكرنا في مباحث سابقة ان الجهاز الاستخباري هو وعاء معلوماتي مهمته الحصول على المعلومة وتصفيتها وربطها بغيرها او تفكيكها ومن ثم اعادة تركيبها ودراستها بشكل تحليلي لتتحول من خبر الى معلومة .
وقد فصلنا في كتابنا (الامن المفقود ) ان هنالك عشرة مراحل تمر بها المعلومة , خمسة منها ضمن الجهد الاستخباري , والخمس الثانية ضمن الجهد الامني المكافح , فالبداية تكون لدى الاستخبارات بخمسة خطوات متسلسلة تبدأ ب:
1-(خبر) اياً كان مصدره تحصل عليه الاجهزة الاستخبارية .
2- ثم التركيز والعمل عليه وجمع المعلومات اكثر عنه بوسائل يطول شرحها بخطوة اسميناها (الاستخبار) .
3- وبعدها خطوة (تحليل) الخبر.
4- ثم تأتي خطوة (تدقيق) الخبر من كافة جوانبه بأستخدام الادوات الفنية الاستخبارية .
5- ومن ثم خطوة (التهديف) على الخبر اي اعتبار ان الخبر ادى الى هدف معادي مدروس ومحدد ( والتهديف المقصود هنا هو التهديف الامني وليس غيره من انواع التهديفات السبع (انظر مبحث ١٠٣ التهديف ).
ومن ثم تنتهي مراحل الجهد الاستخباري لتبدأ هنا مراحل الجهد المكافح (الشرطة وسواها ) للمداهمة والاعتقال بخطوات خمس اخرى هي :
6- المراقبة التي تتم بأمر قضائي .
7- العمليات : حيث يتم محاصرة الهدف واعتقاله .
8- التحقيق مع الهدف المتهم بغية تحضير ملفه للجهات القضائية .
9- التغذية العكسية : ونعني بها ابلاغ الاجهزة الاستخبارية بنتائج التحقيق مع المتهم من اجل الافادة من اعترافاته سواء لتصحيح معلومات او لإنتاج اهداف جديدة .
10- الاحكام : وهي الخطوة الاخير في الجهد الامني المكافح بعرض المتهم على القضاء لينال الحكم العادل .
ان المراحل الخمس الاولى , اي مراحل الجهد الاستخباري هي خطوات تتم بشكل غير قانوني وبعيداً عن الموافقات القضائية الاصولية وهي في التعريفات المعاصرة تصطدم بحقوق الانسان وخصوصياته , خلافاً للخطوات الخاصة بالجهد المكافح الذي يلتزم في خطواته بالقانون ويتعامل بشكل اصولي وبأوامر قضائية , فالمراقبة تتم بأمر قضائي والعمليات بأنواعها ( اعتقال , معالجة , مداهمة , تدمير , قتل ) كلها اصولية , والتحقيق بأمر قضائي .
--------------------------
القضاء والمعلومات
---------------------------
ان علاقة الإستخبارات بالقضاء علاقة متبادلة التأثير , فالتقارير او المعلومات الإستخباريه المرفوعة الى القضاء او الى الجهاز الأمني المكافح تعتبر جهد ذو أسبقية أمنية دفاعية لدرء الخطر , او استباقية لمطاردة ومهاجمة الخطر, او احترازية لمنع الخطر, ومن خلال التوزيع القضائي تتم عمليه تكامل بين الإستخبارات والقضاء.
ومن هنا , فإن ثاني أبرز توزيع للمعلومات بعد التوزيع الرأسي هو التوزيع القضائي اي توفير متطلبات القضاء لتمكين القضاء من الجريمة والمجرمين , فأسبقية المعلومات الأمنية هي واجب كل اجهزة الإستخبارات والأمن ويجب ان تذهب بشكل سريع الى القضاء أيضاً , وهنا نتكلم عن القضاء المختص بمعالجة التهديدات والارهاب والمخدرات والفساد والابتزاز والارهاب والسطو المسلح والاتجار بالبشر والتهريب والعصابات المسلحة وكل ما يهم امن المواطن والوطن.
ان غالبية المعلومات المرسلة الى القضاء هي معلومات مختصرة يجب ان تحمل ادلة او مخبر سري يصاحب المعلومات , فالقاضي او القضاء يحتاج مشخصات الهدف شخصاً او مجموعة وماهي الجريمة وماهي الاثباتات وكيف يمكن الوصول لهم .
وفي الإستخبارات المتقدمة هنالك صورة الهدف , الصور الجوية , كاميرات المراقبة , الادلة , المخبر السري , بطاقات الائتمان , تفاصيل الهدف وكلها ترسل الكترونياً وبشكل سريع الى القاضي , فالإستخبارات بكل صنوفها وتفرعاتها وضعت لمراقبة ومطاردة التهديد والخطر , والقضاء هو السلطة القانونية والشرعية لمكافحة المخاطر والتهديد.
ان إثبات الجريمة أمر صعب ويحتاج الى جهاز إستخباري كفوء ونشط وجريء ويمتلك امكانيات فنية وكادر متدرب أن يفهم ماهو الدليل وكيف يحصل عليه , فالتوزيع القضائي للمعلومات يجب ان يكون توزيع مهني ومنظم دون بعثرة وكشف للمعلومات , ويجب ان تعرف الإستخبارات ماذا تريد وماذا تهدف ومتى ترفع المعلومة للقضاء وكيف تجعل ملف المعلومة متكاملاً بشكل مقنع عن الهدف ومعلوماته والجريمة او التهمة والادلة وامكانية الوصول للهدف والشهود وامكانية استكمال المعلومات .
إنَّ اغلب الدول المحترفة تبعد الإستخبارات عن القضاء وتجعل صلة الوصل من خلال الجهاز الامني المكافح فقط , اي ان المكافحة هي التي ترتبط بالقضاء , ولكن في مجال الإستخبارات الجنائية وإستخبارات الشرطة يوضع ربط لهم مع القضاء.
مما تقدم , فإن الإستخبارات الجنائية وإستخبارات الشرطة هي الاكثر تماساً بالقضاء وتقوم بالعمل معه برغم ان كل الاجهزة الإستخبارية تكتب احياناً الى القضاء, فيكون التوزيع القضائي هو أحد اهم واجبات الإستخبارات الداخلية والجنائية والشرطوية واية إستخبارات مكافحة او تأخذ أدوار مكافحة , بل ان الإستخبارات العسكرية - عندما تكلف بعمل أمني أيضاً - تكتب للقضاء ويكون لها توزيع قضائي.
------------------------
الاختلاف البنيوي
------------------------
ان من أصعب المعلومات على الجهاز الإستخباري هي المعلومات المقبولة قضائياً ولعل التوزيع القضائي هو الحلقة الاصعب في الجهد الإستخباري , فالقضاء يحتاج الى الدليل والوثائق التي تثبت الجريمة , أما الإستخبارات - حتى المحترفة منها – فإنها تعجز أحياناً من إقناع القضاء بأدلتها ومعلوماتها.
إن الادلة المقبولة قضائياً هي الأصعب في العمل الإستخباري , لأنها تراعي الكثير من الشكليات التي تتماشى مع مقولة ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته وان كل الشكوك تفسر لصالح المتهم وان كافة الاجراءآت لابد ان تكون قانونية فلذا قد ترفض دعوى ما وتأمر بإطلاق سراح مجرم لأن هنالك اجراءآت تمت اثناء مراقبته او القاء القبض عليه او التحقيق معه او تفتيش مقر عمله , وان تلك الاجراءآت كان فيها خلل ما , بينما يكفي للاجهزة الإستخبارية انها قد سجلت او تجسست على المتهم وتأكد لها انه مجرم .
ولعل الاشكالية الحقيقية تتمثل في ان متطلبات الجهاز القضائي في الحكم العادل مابين التجريم والبراءة معمولة في اضيق الحدود بخلاف الاجهزة الاستخبارية التي لها وسائلها التي تجعلها مطمئنة لتجريم شخص ما إلا أنَّ ادواتها لاتكون مقنعة بالضرورة للقضاء , فقد تتيقن الإستخبارات بأن فلاناً ارهابي خطير لأن لديها اطلاع من خلال عملاء مزروعون في التنظيم الارهابي اطلعوا على مستندات تؤكد ارتباطه ومسؤولياته , ولكن على الأجهزة الاستخبارية ان تقنع السلطات القضائية بأن الماثل امامها هو إرهابي وليس بريئاً ؟
ان اغلب الجرائم الكبيرة تكون بلا ادلة جرمية واضحة وهناك نوع من الاحتراف في تنفيذ الجرائم لذا تستعين الإستخبارات بالمخبر السري ضد التنظيمات السرية والذي يشهد بدوره امام القضاء.
ان الحصول على المعلومات الاستخبارية المؤكدة شيء , وإثباتها قضائياً هو شيء آخر (انظر: مبحث ١٨ توزيع المعلومات), ومثال ذلك هو الفساد الموجود في العراق , فبالرغم من ان الجميع يعرف الفاسدين بأسمائهم ومطمئنون الى اتهامهم , إلا أنَّ مهمة إثبات الفساد أصعب من الحديث عنه , وكذا الامر في تهريب المخدرات .
لذا , تعاني الإستخبارات في الموازنة مابين معلوماتها في التهديف او التوزيع القضائي , فقد ترى جرماً وادلة ظرفية وتقارير تؤكد الجرم على عكس القضاء الذي يحتاج الى معطيات اخرى تبريء المجرم قضائياً فيما يبقى إستخبارياً مشكوك بأمره او يكون - اكثر من ذلك – مُجَرَّم إستخبارياً.
ومن هنا تحتاج الإستخبارات الى دقة في التعامل مع القضاء لأن القضاء لا يطلب تحليلاً او تصورات بل يطلب معلومات مشفوعة بأدلة , ولعل خير دليل على فشل شعار مكافحة الفساد هو ليس لقصور في المؤسسة القضائية او عدم الرغبة في المكافحه وانما في عدم توافر الادلة .
بل ان أساس مشكلة الفساد في العراق هو عدم وجود ادلة او معلومات او إستخبارات قادرة على إثبات الجريمة , والجميع يعرف وجدانياً أن فلان مسؤول فاسد ولكن قضائياً لا يمكن ذلك بسبب ضعف الجهد الإستخباري , كذا الحال مع عناصر داعش الذي يطلق سراحهم من خلال القضاء , فالفساد في المؤسستين الامنية والقضائية يجعل الامر سهلاً ويفلت المجرم من القصاص , بالاضافة الى ضعف التهديف الإستخباري وخوف الشهود والمخبر السري من النطق والشهادة وعدم حمايتهم مما يجعل القضية أصعب بكثير.
--------------
خلاصة
--------------
الاجهزة الاستخبارية هي مؤسسات حكومية شرعية الا انها مفردات عملها تقع في اغلب الاحيان خارج الضوابط القانونية والحريات العامة التي تعتبر قيوداً عليها , فالاستخبارات تحتاج الى مساحات واسعة لاتستوعبها نصوص القانون .
وفي نفس الوقت , فإن على الاجهزة الاستخبارية ان ترفد القضاء بالمعلومات الكفيلة بالقبض على المجرمين والعصابات والتنظيمات الارهابية , ومن هنا تبرز الاشكالية في التوزيع القضائي للمعلومات الاستخبارية ومابين الكيفية التي يتعامل بها القضاء مع المعلومة الاستخبارية وطرق تحصيلها بما يضمن عدم افلات المجرمين من خلال ثغرات قانونية واجرائية شكلية .
ان العجز في التوزيع القضائي ادى الى الكثير من الاخفاقات واطلاق السراح بالالاف للمعتقلين بسبب عدم كفاية الادلة او عدم توفر أدلة أساساً او بسبب الاخطاء القاتلة في اجراءآت الاعتقال من قبيل قيام الوحدات العسكرية بالعمل كسلطه انفاذ قانون طيلة ١٥ عام في العراق ومارافقتها من عشوائية في الاعتقال والتحقيق وفساد الادلة , وكذا الامر في ماتذهب اليه الاجهزة الامنية من ردود افعال انتقامية تنتج اعتقالات عشوائية دون توفر معلومات , مما يودي الى اشغال المنظومة الامنية والسلطات وتشنج الوضع الاجتماعي والشعور بالخوف وارباك الموسسه القضائية ليؤدي ذلك الى اطلاق السراح بالآلاف لعدم كفاية الادلة من ضمنهم عتاة الارهابيين , فحتى ان ابرز قادة الارهاب كانوا في السجون وخرجوا لعدم كفايه الادلة واعتقلوا كاجراء احترازي من قبل الجيش الامريكي واستمر الجيش العراقي بعدهم بهذا الاسلوب الخاطيء.
ان الحل الامثل لتلك الاشكالية يتم من خلال الجهود الاستخبارية المحترفة التي لاتدع مجالاً للمجرمين في الافلات من خلال الادلة الواضحة والمعززة بكل مامن شأنه تثبيت التهمة , ومن خلال الجهد التكميلي للإستخبارات الجنائية والمكافحة التي تقنن الادلة وتجعلها دامغة وقانونية , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصائل المقاومة تكثف عملياتها في قطاع غزة.. ما الدلالات العسك


.. غارة إسرائيلية تستهدف مدرسة تؤوي نازحين بمخيم النصيرات وسط ق




.. انتهاء تثبيت الرصيف العائم على شاطئ غزة


.. في موقف طريف.. بوتين يتحدث طويلاً وينسى أنّ المترجم الصينيّ




.. قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على مخيم جباليا