الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفكيك شبهة تطوُّر العلم وعدم ثبات نظرياته

محمد الشهاوي
(Muhammad Alshahawy)

2019 / 7 / 12
الطب , والعلوم



لماذا يرفضون النظريات العلمية ويزعمون أنها في تغيُّر دائم؟!

يرفض البعض الاحتكام إلى النظريات العلميَّة كأداة للمعرفة، باعتبار أنَّ العلم ليس أمرًا ثابتًا، وباعتبار أنَّه قابل للتطور والتغيّر؛ فكيف يُمكننا الركون إلى نظريَّة علميَّة يُمكن أن يثبت خطاؤها غدًا أو بعد غد. وهؤلاء يرون أنَّ العلم بهذه المواصفات لا يُقدّم إجاباتٍ قطعيَّة على الأسئلة الأكثر أهميَّة في حياة الإنسان، سواء عن وجوده أو عن مصيره بعد الموت. هذا الأمر يحتاج منَّا إلى إعادة نظر، وبحث؛ لأنَّ هنالك خلط مُتعمَّد للأوراق. فما الذي نُريده بالتحديد؟ ما هي المعرفة التي نرنوا إليها؟ هل نحن نبحث عن أي إجابة مُطلقة ويقينيَّة وحسب، أم نحن نبحث عن إجابات صحيحة ومنطقيَّة؟ الأديان مثلًا تُقدّم إجابات يقينيَّة وقطعيَّة؛ ولكن هل هي إجابات صحيحة في المقام الأول؟ يجب أن نُخضع الإجابات التي نتحصَّل عليها للفحص والاختبار حتَّى نتأكد من صحّتها، وصحتها هذه هي التي تجعلها قابلة لأن تكون يقينيَّة، وإن لم ننجح في التأكد من صحة الإجابات التي نتحصَّل عليها، فإنَّها ببساطة ستظل مُجرّد فرضيَّة تحتمل الصحة وتحتمل الخطأ، وهذا يعني ببساطة أن تنتفي عنها صفة اليقينيَّة، وإذا ثبتَ لنا أنَّ هذه الإجابات خاطئة أصلًا، فإنَّها تسقط حتى كفرضيَّة، فلا نعود بحاجة إليها أبدًا. لن اسأل هنا عمَّا إذا كان المُتدينون قد أخضعوا إجابات دينهم إلى البحث والفحص أم لا، ولكن سوف أركز على العلم والنظريات العلميَّة، لنرى ما هو المُعيب في مقولات البعض التي ينتقدون بها العلم والنظريات العلميَّة، ويرفضون -بناءً عليها- الاحتكام إلى العلم.
------------------------
في الغالب فإنَّهم عندما يصفون العلم بأنَّه مُتطور، فإنَّهم يقصدون إنَّه مُتغيّر ومُتجدد وليس ثابتًا؛ وإلَّا فإنَّ التطور الذي يأتي كنتيجة للتراكم المعرفي ليس أمرًا مُعيبًا. ولكن ما هي المُشكلة في أن يكون العِلم مُتغيّرًا؟ مبدئيًا دعونا نُؤكد على أنَّ هذه النظرة المُتشككة للعلم "المُتغيّر" ناشئة في أساسها من العقليَّة الدينيَّة التي اعتادت على الأجوبة اليقينيَّة والقطعيَّة، والتي يحصلون عليها من الأديان. وهنا تكمن المُشكلة، فالأرضيَّة التي ينطلق منها هؤلاء المُتشككون هي أرضيَّة دينيَّة، فهم بطريقةٍ أو بأخرى يتوقعون ويُريدون للعلم أن يكون دينًا آخر بديلًا للدين الذي هم عليه، وربما من أجل هذا يصفون المُلحدين واللادينين الذين يستشهدون بالعِلم ونظرياته، أنَّهم "مُؤمنون" ويتخذون العِلم دينًا لهم، وواقع الأمر إنَّ الأمر ليس سوى إسقاط نفسي لا أكثر. يجب أن يفهم المُتدينون أنَّ فكرة القطعيَّة واليقينيَّة التي اعتادوها من الدين كان هو سبب بقاء البشريَّة في ظلمة الجهل والتخلَّف لعقودٍ طويلةٍ جدًا، وأنَّ العِلم المُتغير النسبي هو ما جعلهم يتمتعون الآن بنتائج لا يُمكنهم إنكارها أو حتى الاستغناء عنها في حياتهم اليوميَّة، وعندها سيعلمون أنَّ فكرة "التغير" هذه هي الأصل، وليست عيبًا يأخذونه على العِلم. ومن ناحيةٍ أُخرى فإنَّه لا تُوجد نظريَّة علميَّة خاطئة أصلًا، ففكرة احتماليَّة الخطأ والصواب هذه مُختصة بالفرضيات العلميَّة وليس بالنظريات العلميَّة. النظريَّة العلميَّة (بما أنَّها أصبحت نظريَّة) فهي لا يُمكن أن تكون خاطئة. الخطأ هنا يكون في معرفتنا بالمدى الذي يُمكن للنظريَّة تفسيره، فنظريَّة نيوتن للجاذبيَّة صحيحة، ولكن عدم قدرة جاذبيَّة نيوتن على تفسير ظواهر كونيَّة عندما يتعلَّق الأمر بالأجرام الكبيرة والسرعات العالية جدًا، هذا لا يجعلها نظريَّة خاطئة، ولكنه يجعلها محدودةً في إطارٍ معيّن فقط. وعندها سوف نبحث عن نظريَّة أُخرى تُفسّر لنا ما عجزت النظرية عن تفسيره. فنظريَّة نيوتن عن الجاذبيَّة ما زالت صحيحة حتَّى الآن، ولكننا فقط عرفنا المدى الذي يُمكننا فيه استخدام قوانين نيوتن. الأمر الأخر أيضًا أنَّ فشل النظريَّة (إن كان لها أن تفشل) لا يُمكن أن يحدث إلَّا بنظريَّة علميَّة أخرى، وليس لأي سببٍ آخر. فإذا فشلت نظريَّة؛ فإنَّ ذلك سيكون بسبب وجود نظريَّة علميَّة أخرى، فلا يُمكن الاعتماد على فكرة احتماليَّة فشل نظريَّة علميَّة ليحل محلَّها فكرة دينيَّة مثلًا.
------------------------
العِلم هو أفضل وسيلة حتى الآن لتفسير وفهم هذا العالم، وفضل هذه الوسيلة يعود إلى إمكانيَّة إخضاع أي فكرة للتجربة والاختبار والقياس، وليس استنادًا على شهادات الشهود أو الثقة الشخصيَّة في الأشخاص أو حتَّى مُجرد التصديق الأعمى القائم على الرغبة الذاتيَّة. العِلم منهج مُحايد يُساعدنا على فهم العالم كما هو، وليس كما نرغب أن يكون. إنَّه ليس مُعدًا لتقديم العزاء أو المواساة. إنَّه محاولة موضوعيَّة لفهم وكشف أسرار هذا الكون الذي لا نعرف عنه إلَّا النزر اليسير جدًا. إنَّه لا يتعامل مع العواطف والمشاعر والانفعالات، إنَّه فقط يُحاول أن يصف لنا العالم كما هو، وقبولنا بهذا الواقع أو رفضنا له لن يُغيّر شيئًا على الإطلاق. بإمكاننا رفض الصورة القاسة والجافة التي يُقدّمها لنا العِلم عن هذا العالم وهذا الكون، ولكن ذلك لن يجعل من العالم أفضل، ولن يجعل الحقيقة تتغيّر، فعلينا أن ننضج قليلًا، وأن نكون على مستوى تحمل المسؤوليَّة؛ تاركين وراءنا فكرة أنَّ ثمةً شيئًا وراء كل هذا، وأنَّ ثمَّة شيئًا وراء كل ما يجري. للأسف هذه هي الحقيقة، على الأقل إلى أن يثبت العكس. ولكن إلى حين أن يثبت هذا العكس؛ علينا أن نكون واقعيين وأن نبتعد عن التعامل الرومانسي مع الواقع ومع الطبيعة، وإلَّا فإنَّنا سوف نظل ما تبقى من حياتنا في كهف الجهل، في حين يتقدّم العالم من حولنا نحو آفاق أبعد بكثير مما نُناقشه في حياتنا اليوميَّة من توافه وسخافات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الأمن الأمريكية تمنع وسائل الإعلام من تغطية اعتصام معهد


.. الجزيرة ترصد تزايد أعداد السفن المنتظرة في المياه الإقليمية




.. واشنطن تستعمل التكنولوجيا لكسب تأييد جزر المحيط الهادي


.. ??طلاب من معهد العلوم السياسية في باريس ينددون بالحرب الإسرا




.. علاء الشربينى الا?كل نفس وا?بويا كينج الطبخ في ا?ي مكان