الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة عنوانها: مكيرد

إيمان سبخاوي

2019 / 7 / 12
الادب والفن


مكَـــــيـــْـــرَدْ يزاوج بين مئزريه الأبيض و الأزرق حسب مزاجه الصباحي، كمصحح ألوان... يدلف إلى باب المستشفى قبل صياح الديك أو أبكر بقـليل على حليب الدجاج، كما تقول الجدة حــدّة، وفق توقيتها الفــريد؛ بياقة قميصه الناصعة، بأكمامه المثنية بعناية كمروحة عروس... ببنطاله المكوي و حذائه الإيطالي اللامع الذي يأتيه خصيصا من "أمقران" الطبيب المتقاعد الذي فضّل البقاء في القــرية وحيدا.. بعيدا عن زوجته و أبنائه الذي رفضوا المكوث معه، يكنس أروقة المستشفى ذهابا و إيابا مستقبلا المرضى ببشاشة يخفـيها حاجبيه الثــقيلين، فوق عينين كبيــرتين غائــرتين في محجـــريهما، مفتوحتين على مصراعيهما، على فراغ كبير و خاليتين من أي معرفة بعالم الطب و التمــريض، لكن طول ملازمته للأطباء أكسبته عدة مصطلحات حفظهـا عن ظهــر حب، لتلك الأجواء و رائحة المحاليل الطبية و الأدوية دون أن يعرف توظيفها في وقتها و مكانها اللائقين... مقحما رأسه كحشوة هامبرغـــر بين ممرضين أو طبيبين أو بين مريض وطبيب، يهز رأسه بالموافقة كمن يصادق على أمراض الجميع و تشخيصاتهم و آجال شفائهم المحددة... يعطيه الكل لقاء خطواتـــه المضنية و خــدماته البسيطة، قطعا نقدية مختلفة الأحجام و الأرقام، لقاء فتح باب أو جلب الماء أو خــدمة المرضى بحمل حقائبهم، كما لديه ذاكرة غـــريبة تحفظ الغــرف و المرضى و تاريخ إجراء العمليات و تواريخ خروجهم... إذا يعتبر أفضل مرشد للزوار.. هذا الصباح أقحم رأسه في أشعة الراديو التي سحبها من يد أم النون، التي خرجت للتو من الغرفة متوجهة للطبيب من أجل قراءتها و لم تكن تعرف أنه على باب الله (نتاع ربي) بهندامه المموه، إذ تصورت أنه أحد الأطباء أو الجراحين، رفع الورقة عاليا نحو الضوء أمعن النظر في غبش التصوير الإشعاعي، أطلق كذبته البيضاء الناصعة، الواثقة الخاطفة كالموت: عندكا الكونسار أ مدام... أي السرطان. خـــّرت مغــشيا عليها كجــذع شجرة مجذومة، ركض الكل صوبها محاولين إفاقتها مفـنــدين ادعاءه بشتى الأساليب و بأنه مجرد عامل بسيط و أنها مجرد مزحة أراد إطلاقها لرؤية ذلك الأسى على وجـــوه المرضى. تلك الكلمة التي اعتقد أنها التوقيع الذي ينقص مئزره، لينال شهادة طبيب مختص... من قال أن الكلمة لا تقتل أو تحيي... أحيانا في طـــريقنا للتعافي تردينا قتلى و في أحسن الأحوال أكثر مـــرضا... الكلمة هي روح من أمر ربها، قد تنفخ فيك أو تسحب منك... هذه المرة الكلمة لسيت مجرد مزحة أطلقها درويش، أردت "أم النون" طريحة الفراش لأيام، معتقدة أن الكل يكذب و وحده "كيرد" يقول الحقيقة، من يقنعها أن الهندام أكـــذب من مسيلمة و أنه لم يستطيعوا طرده من المستشفى رفقا به، المستشفى الذي يعد أحد عطايا الله للقــرية، بعد الشيخ عطا الله، الذي كان وراء جلب المشروع و اشتهار المدينة... بين التراجيديا و الكــوميديا صار الكل يتداول قصة "مكيرد"، رافعا أي ورقة عاليا نحو الضوء مطلقين ضحكات مجلجلة، مرفـقـينها بعبارة: (عندك الكونسار).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا