الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة ثنائية القومية بين النظرية والتطبيق ؟؟؟

محمد بسام جودة

2006 / 5 / 9
القضية الفلسطينية


باتت فكرة الدولة ثنائية القومية تطرق أبواب قضية الصراع السياسي الفلسطيني الإسرائيلي من جديد في الآونة الأخيرة ، فلفلسطينيين بعد تجربة عشر أعوام على اتفاق أوسلو وتعثر تنفيذ خطة خارطة الطريق , و بعد كل التملصات الإسرائيلية من استحقاقات عملية التسوية المترافق مع فرض الوقائع التي تكرس الاحتلال علي الأرض ، وإتباع سياسة الفصل الأحادي التي انتهجتها إسرائيل في قطاع غزة ،و يدور الحديث الآن من قبلها لتطبيقه علي أجزاء من الضفة الغربية، كل ذلك يؤكد ويعطي مؤشراً للفلسطينيين بضرورة تغيير قواعد اللعبة والمعادلة السياسية التي اشتغلوا عليها في العقود الثلاثة الماضية .
وبرغم من كل ذلك فان أحسن استثمار هذا الخيار من قبل الفلسطينيين , ربما يضفي ملامح جديدة على الصراع بين الفلسطينيين و الإسرائيليين فهو أولا قد يمهد لتحول استراتيجي في الصراع التفاوضي بين هاذين الطرفين ,من صراع على الأرض لصراع على البشر أيضا , كونه يشتمل على تفكيك المشروع الاستيطاني في إسرائيل ذاتها و هو ثانيا , ينقل الفلسطينيين إلي مرحلة سياسة مختلفة و ربما إلى وضعية الهجوم السياسي , و هو ثالثا , يحول خيار الدولة ثنائية القومية من كونه مجرد خيار يتبناه عدد من الأكاديميين و المثقفين و السياسيين , إلى خيار مطروح للنقاش في الإطارين الرسمي و الشعبي .
على أية حال فان الحديث عن خيار الدولة ثنائية القومية يمكن اعتباره بمثابة النقلة النوعية الثالثة في مسار الفكر السياسي , الذي انتقل من هدف التحرير الكامل ( مع انطلاقة العمل الوطني في منتصف الستينات ) إلى خيار الدولة المستقلة في الضفة و القطاع ( منذ منتصف السبعينات ) و قد تم الحديث عن هذا الخيار في مناخات انتفاضة 1987-1993 , و التي جاءت في ظروف اختمار التجربة الكفاحية و انتقال ثقل العمل الفلسطيني من الخارج إلى الداخل , ما جعل للفلسطينيين في الأراضي المحتلة رأيا في تقرير مصيرهم بناء على رؤيتهم لأوضاعهم , و بعيدا إلى حد ما عن وصاية القيادات الرسمية في الخارج .

إن تسليم الفلسطينيين باستحالة إقامة دولة لهم , قابلة للحياة و ذات تواصل إقليمي فوق 22 بالمائة من أرضهم التاريخية لا يعني انهم يسلمون بهزيمتهم إزاء المشروع الإسرائيلي , فهم بخيار الدولة ثنائية القومية يوسعون مفهومهم للصراع مع هذا المشروع , من الصراع للانفصال في جزء صغير من أرضهم , إلى التعايش على كامل ارض فلسطين التاريخية , و من الصراع في الإطار السياسي فقط للصراع في مجال حقوق الإنسان و الحقوق المدنية و حقوق المواطنة أيضا ,لا سيما وأن خيار الدولة ثنائية القومية يدمج ما بين حقوق الأفراد و الحقوق القومية .
على أية حال فان الفلسطينيين سيخسرون بخيار الدولة ثنائية القومية حلمهم و مطلبهم بالدولة المستقلة المفترضة , لكن هذه الخسارة المرحلية ستعوض بالربح على المدى الإستراتيجي , فالفلسطينيون من خلال هذا الخيار سيحفظون وحدة أرضهم التاريخية و يحققون وحدة شعبهم , أما من وجهة نظر الصراع ضد المشروع الإسرائيلي فان هذا الأمر يمكن أن يشكل هزيمة تاريخية لهذا المشروع فالدولة ثنائية القومية ربما تقوض مشروع الدولة اليهودية .
و لكن ما ينبغي التنويه إليه هنا هو أن خيار الدولة الثنائية القومية اصعب بكثير من خيار الدولة المستقلة بالنسبة للفلسطينيين , فهو خيار ترفضه إسرائيل تماما بعملها و ليكودها , , فالإجماع الإسرائيلي سيظل متركزا على خيار الانفصال عن الفلسطينيين , لان هذا الخيار يضمن لهم تحقيق الميزات التالية :
أولا
التخلص من الخطر الديموغرافي , و الحفاظ على الطابع اليهودي لإسرائيل .
ثانيا
التحرر من العبء الأمني و السياسي و الاقتصادي و الأخلاقي , الذي أنتجه واقع الاحتلال وواقع صمود الفلسطينيين و مقاومتهم .
ثالثا
تحسين صورة إسرائيل على الواقع الدولي , بعد أن كادت تظهر كدولة مستعمرة تمارس التمييز العنصري و القوة ضد آهل الأرض الأصليين .
رابعا
الحفاظ على صدقيه إسرائيل كدولة ديموقراطية في المنطقة .
خامسا
التساوق مع الاطروحات الأمريكية المتعلقة بترتيبات الشرق أوسطية .
على ذلك فان خيار الدولة ثنائية القومية , بدوره يستدعي الفلسطينيين للانخراط في صراع طويل و مضني من اجل فرضه , فثمة فرق نوعي بين طرح الفلسطينيين لهذا الخيار بعد نيلهم حقهم بتقرير مصيرهم و بين طرحهم له قبل ذلك , بمعنى طرح هذا الخيار في المعطيات الحالية , يتطلب الفلسطينيين التخلي عن مطلبهم الخاص في الاستقلال و القبول أيضا بالتضحية المتمثلة بالخضوع لقانون المحتل الإسرائيلي , القائم على القوة و التمييز ضد أهل الأرض الأصليين , و لعل تلك هي واحدة من أهم إشكاليات هذا الخيار .
اللافت للانتباه أن معظم المشتغلين على هذه الفكرة إما من مثقفي الداخل (1948 و 1967 ) الذين يعكسون هموم مجتمعهم و قلقهم على هويته و مصيره متناثرين بتجربة التعايش السلمي و الصراع مع الإسرائيليين ,او من المثقفين الذين يعيشون في الغرب متأثرين بالعقلية الليبرالية , خصوصا أنهم أكثر إطلاعا على مدى قوة الغرب و احتضانه لإسرائيل و تحسسهم لمأساة الفلسطينيين و لهشاشة الوضع العربي . و بغض النظر عن الخلفية التاريخية لنشوء فكرة (الدولة ثنائية القومية ) فان المشكلة الأساسية لهذا الخيار انه ظل حكرا على مجموعات من المثقفين بسبب تعقيداته الاجتماعية و القانونية و السياسية ,و طبيعة الثقافة السياسية في المنطقة التي تركز على الحقوق القومية الجماعية في مقابل طمس حقوق الأفراد , لذلك فان هذا الخيار لم يأخذ طريقه إلى الخطاب السياسي الفلسطيني الرسمي (طبعا و لا الإسرائيلي ) و حتى الآن لا يوجد فصيل واحد يعلن عن تبنيه له , خصوصا و أن الأحوال الراهنة لا تشجع أبدا على ذلك , فهل يستطيع هذا الخيار أن يدخل قلب الأجندة الاستراتيجية الفلسطينية ؟ و هل سنشهد مرحلة سياسية فلسطينية جديدة لقضية الصراع ؟ أم أن الأمر ليس ألا كلاماً عابراً !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -