الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


14 تموز .. ثورة من كانت الثورة

جعفر المظفر

2019 / 7 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


14 تموز .. ثورة من كانت الثورة
جعفر المظفر
إن قراءة دقيقة للبيان رقم (1)* الذي أذاعه عبدالسلام عارف صبيحة يوم الرابع عشر من تموز عام 1958 سوف تبين لنا بكل وضوح أن أية إشارة لقضية الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة التي يقودها جمال عبدالناصر لم يرد ذكرها في ذلك البيان الذي أكد بشكل رئيسي على إقامة الجمهورية العراقية المستقلة وضرورة الحفاظ على حسن جوارها القومي والإقليمي وعلى إلتزاماتها الدولية كونها عضوا في هيئة الأمم المتحدة مع ما ضمه البيان من إشارات أخرى تتعلق بتحقيق المساواة والعدالة.
أما الإلتحاق الفوري بدولة الوحدة فلم يرد ذكرها في أية فقرة من فقرات ذلك البيان الذي حدد الخطوط العريضة للنظام العراقي الجمهوري. ولأن البيان كان قد كتب على ضوء إتفاق بين الرجلين, قاسم وعارف, وجاء من الدقة بحيث لم يترك مجالا لإجتهاد مغاير, وقد قيل وقتها ان عبدالكريم قاسم هو الذي كتبه بخط يده فإن هذا يعطي إنطباعا أكيداعلى أن قضية الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة لم تكن من ضمن ذلك الإتفاق.
ولغرض أن يجري التأسيس على حقائق وليس على إفتراضات فإن أحد المشاهد التي يجب الوقوف أمامها بكل تمعن هو ذلك الذي يتعلق بالإجابة على السؤال الأهم : ثورة من كانت تلك التي جرى تنفيذها صبيحة الرابع عشر من تموز.
إن أدبيات سياسية كثيرة كانت أكدت على أن حدث الرابع عشر من تموز قد جرى التخطيط له وتنفيذه من قبل تنظيم الضباط الأحرار الذي كان قد أسسه في البداية المقدم رفعت الحاج سري وصار سكرتيرا له العقيد رجب عبدالمجيد وضم في عضوية هيئته العليا ضباطا معروفين من أمثال الركن الزعيم ناظم الطبقجلي والعقداء وصفي طاهر وجلال الأوقاتي, وقيل ان العقيد الركن عبدالسلام عارف هو الذي إستصحب قبل عامين من الثورة صديقه الزعيم الركن عبالكريم قاسم إلى إحدى جلسات ذلك التنظيم السري وحيث تقرر إختيار الأخير رئيسا للتنظيم بسبب قدم رتبته العسكرية على باقي ضباط الهيئة العليا مثلما تم في نفس الوقت إختيار العقيد عارف نائبا له.
إن كل ما قيل بشان رجوع قاسم وعارف على إتفاقهم مع التنظيم وخاصة فيما يتعلق بتأسيس مجلس قيادة الثورة, ومن ثم تراجع عبالكريم قاسم عن إتفاقه مع الهيئة ومع عبدالسلام عارف عن إقامة الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة سيكون سليما فيما لو أن الثورة التي جرى تنفيذها صبيحة الرابع عشر من تموز هي نفسها الثورة التي كان يجري التخطيط لها من قبل اللجنة العليا للضباط الأحرار.
الواقع أننا سنجد أنفسنا أمام ثورتين, الأولى تلك التي كان يجري الإعداد لها من قبل التظيم الذي كان قد ضم بين صفوفه قاسم وعارف, والثانية هي تلك التي كان كان يجري الإعداد لها من قبل قاسم وعارف وحدهما وبسرية تامة بعيدا عن تنظيم لضباط الأحرار.
لقد أدلى عدد من الضباط الأحرار بشهادتهم عن الثورة, وإذا ما تمت مراجعة أوراق سكرتير الهيئة العليا للضباط الأحرار رجب عبدالمجيد فسنقف أمام مشهد مفصلي من شانه أن يعيننا على فهم كثير من الإشكاليات التي مرت بها الثورة فيما بعد والتي كان من أهمها الإنشقاق الذي حصل بين رأسيها, قاسم وعارف, والذي ادى بدوره إلى الإنشقاق العمودي الذي حدث بين الضباط الأحرار أنفسهم إلى (قاسميين وعارفيين) والذي تبعه إنقسام الشارع السياسي العراقي إلى شطرين, أحدهما ساند قاسم والثاني ساند عارف, حيث ضم الأول الحزب الشيوعي والحزب الوطني الديمقراطي برئاسة كامل الجادرجي, في حين وقف البعثيون والقوميون إلى جانب عارف وساندوا دعوته للإنضمام الفوري لدولة الوحدة التي كانت قد ضمت مصر وسوريا وإختارت جمال عبدالناصر رئيسا لها.
إن أغلب تلك الأوراق كانت اكدت على ان عبدالكريم قاسم قد إنضم متأخرا إلى تنظيم الضباط الأحرار وإن عبدالسلام عارف هو الذي أتى به بشكل مفاجئ إلى إحدى الجلسات السرية للهيئة مما أضطر الهيئة إلى إختياره زعيما لها وذلك لقِدَم رتبته العسكرية, فهو بالتالي كان أعلى الأعضاء رتبة لكنه كان آخرهم من حيث تاريخ الإنضمام إلى الهيئة, ومع ذلك فإن أوراق الثورة تشير إلى أن الهيئة العليا للتنظيم لم يجرٍ إعلامها بساعة التنفيذ ولم تشارك أساسا بخطة التنفيذ التي لم تكن قد شاركت أصلا بوضعها.
ما الذي يعني ذلك .. إن الذي يعنيه هو إن أن تظيم الضباط الأحرار كا قد تعرض إلى عملية (خداع) من قبل قاسم وعارف. ولو أنا راجعنا أوراق تلك المرحلة بدقة لصار من حقنا أن نعتقد أن الرجلين وصلا إلى قناعة أن ليس بالإمكان قيام الهيئة بتنفيذ خطة الإنقلاب دون أن تتعرض تلك الخطة للكشف من قبل القوات الأمنية للنظام الملكي, وإن الرجلين, قاسم وعارف, قد إتفقا على الإنضمام للضباط الأحرار لإيهام الهيئة العليا لتنظيم الضباط الأحرار بمشاركتهما الإعداد للثورة في حين أنهما كانا قد إتفقا سوية على تنفيذ خطتهما الخاصة بهما لتنفيذ الثورة, أي ان إنضمامها للتنظيم جاء من قبيل الإشغال وليس من خلال نية مشاركة التنظيم أو إشراكه بخطة الثورة.
إن ما جرى تنفيذه في يوم الرابع عشر من تموز هو ثورة قاسم وعارف وحدهما ولم تكن ثورة الهيئة العليا للضباط الأحرار التي كان إنضمام الرجلين لها قد جاء لغرض إيهامها وتعطيل قرارها بتحديد لحظة الشروع مما يصرف أنظار الحكم الملكي عن قرار التنفيذ وساعته
وتأسيسا على هذه الحقيقة يجب أن تفحص جميع القصص التي تقول أن قاسم كان قد تخلى عن إتفاقاته المسبقة مع تنظيم الصباط الأحرار بشأن القضيتين الأهم اللتين أسستا للإختلاف والإنقسام والإقتتال اللاحق وهما تأسيس مجلس لقيادة الثورة والإنضمام الفوري للجمهورية العربية المتحدة.
وإن أفضل ما يمكن العودة إليه كألية وكأداة للفحص والتحقق هو البيان رقم واحد, والذي رغم إيجازه, إلا أنه لم يشر لا من بعيد ولا من قريب إلى أيٍ من الإتفاقين الهامين.
وما عدا ذلك البيان الوثيقة فإن كثيرا من الأدبيات التي نَحَتْ إلى التأكيد على وجود إتفاقات مسبقة بتلكما الإتجاهين إنما هي ذات علاقة بثورة الضباط الأحرار التي كان مفترضا تنفيذها, غير أنها لم تنفذ, وإنما الذي نفذ محلها هي ثورة قاسم وعارف لوحدهما.
ـــــــــــــــــــــــــــ
• نص البيان رقم 1 https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%86%D8%B5_%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86_%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9_%D9%8A%D9%88%D9%84%D9%8A%D9%88_1958


.



.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل الفلج.. مغامرة مثيرة لمصعب الكيومي - نقطة


.. رائحة غريبة تسبب مرضًا شديدًا على متن رحلة جوية




.. روسيا تتوقع «اتفاقية تعاون شامل» جديدة مع إيران «قريباً جداً


.. -الشباب والهجرة والبطالة- تهيمن على انتخابات موريتانيا | #مر




.. فرنسا.. إنها الحرب الأهلية!