الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة السورية ومفترق الطرق

بدر الدين شنن

2006 / 5 / 9
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لايختلف إثنان من المهتمين بالشأن السوري ، على أن عددأ من المتغيرات قد طرأت ، في الأشهر الأخيرة ، على مستوى المعارضة الوطنية الديمقراطية ، التي يمكن القول ، أنها وضعت .. أو تضع هذه المعارضة أمام مرحلة جديدة ، قد تطول أوتقصر ، إلاّ أنها ، حسب مقاييس منطق هذه المتغيرات ، هي مرحلة مختلفة عما سبقها من مراحل ، وبات ملحاً لملاقاتها ليس تغيير الجلد ، وإنما إحداث تغيير مبدئي جدي في صياغة الخطاب المعارض وفي آلياته وساحاته ومساحاته

قبل ربع قرن ونيف كان مفهوماً أن تطرح المعارضة عنواناً عاماً ، لتكريس موقعها المعارض . كان شعار الديمقراطية في حينه يحمل دلالة عامة شاملة ، لايحتاج إلى برنامج معلل لطرحه ، ولايحتاج إلى الوقت بحثاً عن حوامله الاجتماعية . فقد كانت أحزاب المعارضة قائمة ولها برامجها السياسية والاجتماعية الواضحة ، ولديها ، إلى حد ما ، جمهورها . وكان الشرط الديمقراطي كفيل ، إذا ما تحقق في البلاد ، أن يحدث تغييراً هاماً في إطار النظام - الدولة بكفالة الوحدة الوطنية ، لملاقاة العثار الكبير ، كما جاء في بيان التجمع الوطني الديمقراطي في آذار 1980 ، وإنقاذ الكيان الوطني ، الذي كانت تهدده مقدمات حرب أهلية مدمرة

وقد كان مفهوماً ومقبولاً ، في مرحلة القمع والإعتقالات والتعذيب الوحشي والتصفيات الجسدية والملاحقات الكابوسية ، التي استمرت أكثر من عشرين عاماً ، أن تطرح المعارضة شعارات وتصريحات نارية دفاعاً عن الذات .. وانفعالية هجومية تتناسب مع شدة وآلام القمع والعزل والتخوين

كما كان مفهوماً قبل خمس سنوات ، أن تطرح المعارضة برامج وأوراق سياسية عجولة ، لتعزيز دورها المعارض وانتزاع شرعية واقعية لحراكها تحت سقف نظام ديكتاتوري . إلاّ أنه لم يعد مفهوماً بعد سلسلة من المتغيرات الدولية والإقليمية ، أهمها ، أحداث 11 إيلول 2001 في أمريكا ، إحتلال العراق آذار 2003 ، تصاعد التوحش الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية ، إنفلات الحرب الكونية على " الارهاب " ، تفشي العولمة المفخخة بالهيمنة الأمريكية ، وضع مخطط إعادة تشكيل الشرق الأوسط تحت الهيمنة الصهيو - أمركية قيد التطبيق ، إغتيال الحريري في لبنان ، التي تضافرت مع أوضاع داخلية أمنية ومعاشية بالغة السوء ، وخلقت شروطاً سورية وإقليمية ودولية لم تكن مطروحة من قبل ، لم يعد مفهوماً ، أن يستمر السياق ذاته في الحراك المعارض .

لقد أصبحنا الآن أمام مشهد سياسي جديد مركب .. مشهد اختلفت بعض ملامحه والكثير من شروطه
تأقلم النظام مع المتغيرات الدولية وفق معايير ومصالح متبادلة عربية ودولية ، وتأقلم مع وجود المعارضة . وهو يعمل بخبث لإحتوائها بأشكال شتى . يسمح ويمانع لحراكها ، يسمح بحضور اللقاءات التضامنية في الخارج ويعتقل من حضرها من المطار في العودة ، يقسم المعارض وطنية وغير وطنية ، ويدفع بتشكيلات حزبية جديدة إلى صفوف المعارضة لتفخيخ مواقع المعارضة الحقيقية ، يستقبل وفود سياسية ويعقد مؤتمرات حزبية عربية ، يستنفر قواه الحزبية والجبهوية والإعلامية ، وصار قاب قوسين أو أدنى من شرعنة المعارضة بقانون أحزاب وقانون إنتخابات تحت سقف آلياته القمعية ، وربما ليس ببعيد إقدامه على استبدال حالة الطوارئ والأحكام العرفية بقانون مكافحة الإرهاب حسب الموضة الدارجة في النظام العربي العتيد ، لإعادة إنتاج بنيته وآلياته القمعية حسب سمة العولمة النيو معاصرة ، بل ولوح بعض من رموز النظام بتعديل أو إلغاء المادة 8 من الدستور

المعارضة ، لم يعد تمثيلها مقتصراً على التجمع الوطني الديمقراطي ورموزه التي ملأت أصواتها الآفاق ، طوال وقت ليس بالقليل، صارت معارضات ، حتى إعلان دمشق أصبح من الماضي . وبعد أن برزت ظاهرة خدام ، ومن ثم تشكيله مع الأخوان المسلمين جبهة الخلاص ، وبعد أن كرت سبحة المؤتمرات الخارجية .. المستقلة وغير المستقلة ، ذات الهوى الوطني البرئ وذات الهوى الأمريكي المريب ، المتنقلة من باريس إلى لندن وواشنطن ومن بروكسل إلى مونتريال وهناك موعد للقاء آخر في إرلندا ، ما أدى إلى وضع يقال فيه أنه لم يعد هناك مرجعية واحدة في المعارضة ، أصبحت طيفاً متعدد الألوان والخطوط والخيوط . وهذا الحال إن حمل دلالة إيجابية لصالح توسيع قاعدة المعارضة ، إلاّ أنه يحمل دلالة سلبية أيضاً ، إذ أن تبعثر وتعدد الجهات والجبهات والمرجعيات في المعارضة يصب في المحصلة في مصلحة النظام

بكلام آخر ، إن المعارضة الوطنية الديمقراطية السورية تعاني الآن صعوبات كبيرة ، إن من جهة بنيتها الذاتية ، أو من جهة علاقاتها وسط الطيف المعارض ومن ضغوطات النظام التعسفية ، أو من جهة الريح الغربي ، تكاد تؤشر على أن مشروع التغيير الديمقراطي قد وصل إلى طريق مسدود ، وعلى أن المعارضة الوطنية الديمقراطية قد فشلت أو أفشلت في حمل مثل هذه المهمة التاريخية

وإذا كان مشروع التغيير الوطني الديمقراطي لم ولن يصل إلى طريق مسدود ، أي أنه ليس آيلاً إلى السقوط ، لأنه حاجة موضوعية نابعة من استحقاقات إجتماعية وسياسية واقتصادية .. من حرية وكرامة ورغيف الإنسان السوري ، ومن استحقاقات وطنية مصيرية بالنسبة لسوريا الوطن ولشعوب المشرق العربي ، فإن المعارضة الوطنية الديمقراطية كي تسترد دورها الريادي المحوري في المعارضة السورية وصولاً إلى استرداد مشروع التغيير الوطني الديمقراطي عافيته ، لايكفي أن يكون قدرها مرتبطاً بهذا المشروع ، ولايكفي أن تستمد مقومات وجودها من الرفض الشعبي الواسع للنظام .. من واقع سياسي مأزوم محكوم فيه المواطن أن يكون معارضاً ، لابد لها إزاء ما استجد من متغيرات داخلية وخارجية أثرت في الوضع السوري برمته ، من أن تجدد أفكارها وآلياتها .. وأن تجتاز مفارق الطرق . أن تعيد قراءة الأزمة السورية في أبعادها المتعددة ، وتحدد القوى الاجتماعية حاملة مشروع التغيير الوطني الديمقراطي ، وتعيد بناء استراتجيتها وتحالفاتها الداخلية والخارجية على هذا الأساس
وهذا يستدعي بالضرورة الكف عن تداول " أدلوجة " داخل / خارج لحسم صراعات الداخل ، والتعاطي مع أنشطة الخارج من مؤتمرات ولقاءات واعتصامات .. ومع اختناقات النظام الداخلية والخارجية .. ومنها التحقيق الدولي في جريمة إغتيال الحرير بأحجامها الحقيقية ، أي دون أن تحل محل الفعل الجماهيري في الداخل

إن المحصلة لحراك المعارضة طوال العقود الماضية قدمت البرهان على أن مشروع التغيير الوطني الديمقرلطي ، إذ هو برنامج ثوري بامتياز للقطع مع الاستبداد والتخلف و العجز هو برنامج شعبي .. جماهيري . ولايمكن أن يتحقق ألاّ بفعل شعبي جماهيري عريض . طبعاً هذا يتطلب وقتاً .. يتطلب صبراً ورؤى علمية .. يتطلب قيادات تحمل نظرية ثورية .. يتطلب إعادة بناء المعارضة من القوى الشعبية .. قوى التغيير الوطني الديمقراطي الأساسية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد انتخابات -تاريخية-.. لا أغلبية مطلقة في البرلمان الفرنسي


.. احتفالات بالانتصار.. -الجبهة الشعبية الجديدة- تتصدر التشريعي




.. -سأقدم استقالتي-.. كلمة رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال ب


.. سمكة قرش ضخمة تسبح قرب مرتادي شاطىء في تكساس




.. بايدن.. مصيبة أميركا العظمى! والدولة العميقة تتحرك! | #التا