الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ح ش ع والمسألة الكردية - تسليم قيادة الجماهير للرجعيين (13)

محمد يعقوب الهنداوي

2019 / 7 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


الحزب الشيوعي العراقي والمسألة الكردية

المرحلة الرابعة:

تسليم قيادة الجماهير للرجعيين وأعداء الشعب

هكذا كانت بداية الحركة الكرديّة المسلّحة عام 1961. وكانت تبلوراً لوقوف الجماهير المتحدّي بوجهِ أعدائها الطبقيّين من اقطاعيّين وملاكين وسلطتهم الوطنيّة.

كانت معركةً طبقيّة بحاجة الى التشذيب والتوجيه والمَرْكَزة فتنصّل منها الحزب الشيوعيّ العراقي عامداً تاركاً حركة الجماهير للتشتّت والضياع، في حين بادر الحزب الديمقراطي الكردي (بتكوينه الهجين من برجوازيّين وبرجوازيّين صغار وملاكين وإقطاع) الى تصدّر الحركة وقيادتها رغم المعارضة الشديدة، بل والإدانة، من قبل الحزب الشيوعيّ العراقي وإلحاحه المتواصل عليه ليترك الحركة عزلاء تنتهي بعفويّتها الى الركود أو ليسحقها حذاء السلطة.

فلماذا تنصّل الحزب الشيوعيّ العراقي من قيادة الحركة؟

إن الاجابة على هذا السؤال لا تكشفُ فقط أسباب تراجع الحزب الشيوعيّ العراقي عن الإقرار بحقّ الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه وحقّه في بناء دولته الكرديّة المستقلّة، ولا تكشف فقط جوهرَ المواقف اللاحقة للحزب ضدّ الحركة والتي ستبلغ حدّ محاربتها عسكريّاً وإعلاميّاً وبكافة إمكاناته خدمةً لأشدّ أعداء الديمقراطيّة والشعب والوطن: الثالوث المقدس لدى قيادة الحزب الشيوعيّ العراقي، بل وتكشفُ أيضاً جوهر السياسات اللّا طبقيّة التي ستجعل الحزب الشيوعيّ العراقي عائقاً أمام تطوّر الحركة الثوريّة في جميعِ أنحاءِ البلاد وعاملاً أساسيّاً في تراجعِ الحركة البروليتاريّة وتدهورها ودمارها النهائيّ على أيدي القوى الرجعية والفاشية التي سيصبح الحزب الشيوعي العراقي علانية مجرد ذيل لها وداعم لسياستها بشكل مطلق وبلا أية شروط.

بل وسيبلغ الحزب الشيوعيّ العراقي حدّاً يعلنُ ويأمرُ فيه منظّماتِه ذاتها بحلّ نفسها لصالح الأعداء الطبقيّين وتزكيتهم على الصعيد العالمي.

لكن لِنَعُد الى عام 1961، عام نهوض الحركة الكرديّة المسلّحة ونرى أسباب تهرّب الحزب الشيوعيّ العراقي من دعمها وإغنائها وقيادتها ووضع برنامج صحيح لها يقطعُ الطريقَ على القوى والتجمّعات الاقطاعيّة والبرجوازيّة الصغيرة ويمنعها من استغلال الحركة لخدمة أهداف رجعيّة معادية للجماهير ومستقبلها.

إن أسبابَ ذلك تنبعُ من أمرين ليسَ أغرب ولا أعجب منهما بالنسبة لحزبٍ شيوعيّ أو يُفـْتـَرض أنّه كذلك، أولهما: لا وطنيّته، وثانيهما: خوفه من الجماهير.

أما لا وطنيّته فتعني ويدلّ عليها:

1- كونه لا ينطلق من واقع العراق وظروفه الذاتيّة والموضوعيّة في وضع البرامج والسياسات لمختلف مراحل تحرّكه منذ عام 1956 وحتّى اليوم، بل ينطلقُ من أرضيةِ التوجيهات التي يقرّرها له الحزب الشيوعي السوفييتي ضمن سياسته الدوليّة ومصالحه العالميّة التي تضع في حسبانها حكوماتِ الدول لا طبقتها العاملة وظروفها.

2- كونه لا يخدم أهداف شعب العراق، لا كرداً ولا عرباً (هذه النقطة لها أهميّة خاصة هنا، إذ لو كان العرب هم المُضطـَهـَـدين لوقف الحزب تجاههم نفس موقفه الراهن من الأكراد)، بل يخدم أهداف السياسة السوفييتيّة، لذا فهو يضع بوجه كل هبّةٍ جماهيريّة أو نهوضٍ ثوريّ حائطاً هائلاً اسمه "صيانة السلم العالمي" أو "إزالة بؤر التوتّر في العالم" أو "حلّ مشكلة برلين سلميّاً"...الخ، مما يستهدف تجيير الوضع الطبقي في كلّ مكان لخدمة الأهداف الدوليّة للاتحاد السوفييتي.

3- كونه لا يطمح الى استقلال العراق فعليّاً، بل سعى ويسعى دائماً الى ربط العراق بالسياسة السوفييتيّة ووضع العراق في خدمة السوفييت ويضحّي بكلّ شيء ليسهّل حصول الاتحاد السوفييتي على موطئ قدمٍ في العراق اقتصاديّاً أو عسكريّاً. وهذا ما جسّدته شعارات ومواقف الحزب الشيوعيّ العراقي دائماً حين دافع عن معاهدة صداقةٍ بين حكومتي العراق والاتحاد السوفييتي أو حلفٍ عسكريّ بين الحكومتين، أي، بعبارة أخرى، يكفي أن يتظاهر أي نظام حكمٍ عندنا مهما كان رجعياًّ بالرغبةِ في إقامة علاقات إيجابيّة مع السوفييت، ليجد في خدمته حزباً شيوعيّاً كاملاً بقياداته وبرامجه ومنظّماته واستراتيجه وتكتيكاته.

أما خوفه من الجماهير فيعني ويتجسّد في:
1- اتّهامه الدائم للجماهير بالتطرّف أو "اليساريّة" أو "الانحراف اليساري"، وهذه الاتّهامات تنبع من حقيقة كونه تخلّى فعليّاً عن تبنّي مطالب الجماهير العراقيّة وأهدافها، وتفرّغ للدفاع عن مصالح الاتحاد السوفيتي، كما أسلفنا، ولهذا فإنّه يرى في الحركة الجماهيريّة محاولات متخلّفة ومشبوهة لزجّه في القلاقل والتفاهات والصراعات الجزئيّة وإشغاله عن هدفه الرئيس والكبير وهو الدفاع عن قضيّة السلم في العالم(!؟)

2- خوفه من العنف وتهرّبه من استخدامه ومنع الجماهير من اللجوء اليه، وقد انعكس ذلك على مجمل سلوك الحزب في الأعوام الثلاثين الماضية. لكن هذا لا يعني ان الحزب الشيوعيّ العراقي لم يلجأ إطلاقاً الى استخدام العنف طوال هذه المدة، بل لقد لجأ إليه مراراً عديدة، لكنّه لم يعد يستخدم العنف لحسابه الخاص ولمصلحته الخاصة وبدوافعه وحساباته الخاصّة، بل صار يخدم من خلاله سلطة برجوازيّة معيّنة ضدّ أعدائها، ولا يهمّ إذا كان أعداء السلطة هؤلاء أعداء للجماهير أو هم الجماهير ذاتها، كما حصل في موقفه ضد الحركة الكرديّة عام 1974.

3- وضع الحركة الجماهيريّة في تعارضٍ مع شعارات الوطنيّة التي لا تمثّلها سوى السلطة التي كان الحزب الشيوعيّ العراقي يجودُ عليها بصفات الوطنيّة والتقدميّة والثوريّة والاشتراكيّة و"الاشتراكيّة المتقدّمة" جداً، الأمر الذي يجعل كلّ حركة جماهيرية بنظره محاولةً رجعيّة لإضعاف السلطة الوطنيّة وخدمة الأعداء الأجانب وتنفيذ مخطّطاتهم، وهكذا صار البرنامج الشيوعيّ هو نصرة الحكّام وحماية حدودهم ومصالحهم.

4- إلهاء منظّمات الحزب وقواعده بالأعمال التنفيذيّة اليوميّة التي تبعدها عن الفكر الطبقيّ والعمق الفلسفيّ والتراث الثوري من جهة، وزجّها في الممارسات التهريجيّة والترفيهيّة الفارغة (سفرات وحفلات ومهرجانات رقص وغناء) فيها كل صنوف التفاهة البرجوازيّة والميوعة لإبعاد تلك المنظمات والقواعد عن التفكير بالعنف واستخدام السلاح الذي يصبحُ في نظرها نوعاً من الجهل والشذوذ بل وحتّى السلوك الاجرامي الذي لا يليق بثوريّين عقلاء.

أي إن قيادة الحزب الشيوعيّ العراقي لم تحقق فقط الفصل بين "العمل الفكري" و"العمل اليدوي"، بل وحققت أيضاً الفصل بين "العمل السياسي" و"العمل العسكري" في أوساط الحزب.

من هذه الأسباب والمنطلقات نشأت الدعوة التصفويّة المعروفة بخطّ آب 1964 التي دعت قيادة الحزب الشيوعيّ العراقي حينها علناً الى اعتبار الاتحاد الاشتراكي العربي، منظمة السلطة القوميّة العربيّة الحاكمة، هي التنظيم الكفء القادر على بناء الاشتراكيّة وبَدأ ببنائها في العراق فعلاً مما يجعله بديلاً ناضجاً عن الحزب الشيوعي ويجب، لذلك، منحه كل الدعم ووضع كل إمكانات الحزب الشيوعيّ العراقي ومنظماته تحت تصرّفه وفي خدمته وتنفيذ كلّ رغباته بما فيها حلّ الحزب الشيوعيّ العراقي ذاته.

يتّضح من هذا ان قيام قيادة الحزب الشيوعيّ العراقي بحلّ المنظّمات وتفتيت الحزب كلّه لصالح البعثيّين في سنوات التحالف الجبهوي لم يكن وليد ساعته، بل كان تنفيذاً لقرار قديم لم تكن الظروف الداخلية قبلئذٍ تسمح بتنفيذه رغم المحاولات الخائبة.

وعلى أيّة حال فما يهمنا هنا هو موقف الحزب الشيوعيّ العراقي من القضيّة الكرديّة حيث وضعت مسألة خط آب الشيوعيّين الأكراد في موقف رهيب أمام جماهير كردستان، اذ إن قيادتهم الحزبيّة التي أدانت طوال عشرين عاماً الدعوة الى حلّ فرع كردستان للحزب (وكان موقفها ذاك صحيحاً جداً) تدعو الآن الى إذابة الحزب كلّه في تنظيم الاتّحاد الاشتراكيّ العربي.

وإذا كان مبرّر رفضها في السابق إنّ منظّمة الحزب في كردستان تمثّل طبقةً اجتماعيةً لا يمثّلها حزبٌ آخر، وهي الطبقة العاملة، فكيف أصبح بإمكان الاتّحاد الاشتراكيّ العربي أن يمثّل لا مصالح العمّال العرب وحدهم بل والعمّال الأكراد أيضاً؟

ويَكمنُ الجواب فيما سبق وأشرنا إليه، في تقرير اللجنة المركزيّة المقدّم الى الكونفرنس الثاني للحزب الشيوعيّ العراقي عام 1956 حيث قال:

"ليس أمام حركة الشعب الكردي... سوى المشاركة الإيجابيّة في حركة الشعب العربي"، مثلما يَكمن في انتفاء الطبيعة الطبقية للحزب ذاته.

ولكن كيف سيفسّر الشيوعيّون الأكراد لجماهير كردستان قيام قيادتهم بتزكية السلطة الشوفينيّة العربيّة التي تذبح الشعب الكردي وتحرق بيوته وقراه، ونعتها بالاشتراكيّة ووضع حزبهم الشيوعيّ كلّه في خدمتها؟

لقد أدى امتناع الحزب الشيوعيّ العراقي عن تصدّر حركة الجماهير الكرديّة عام 1961 وتركها لقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني وبرامجه البرجوازيّة وطبيعته المساومة، وكذلك موقف الحزب الشيوعيّ العراقي من سلطتيّ قاسم وعارف، ليس فقط الى تدمير الحركة وآفاقها المستقبليّة وزجّها في جحيم عُهر القيادات البرجوازيّة وتقلّبها في أحضان الأنظمة الرجعيّة المجاورة للعراق والمعادية أساساً للشعب الكردي، بل ودمّرت تلك السياسة الحزب الشيوعيّ العراقي ذاته حيث أفقدته المصداقية والقدرة على المبادرة وأضعفت مواقعه وصلاته بالجماهير الكرديّة وحرمته من قيادة حركة مسلّحة كان ممكناً أن تلعب دوراً أكثر حسماً في مصير العراق السياسيّ لو كانت بيد حزب شيوعيّ حقيقي.

وقد تبدو هذه الامنية مبالغةً في التجريديّة والسذاجة حين نغفل الاشارة الى إن الحزب الشيوعيّ العراقي قد امتنع بوعيٍ وإصرارٍ كاملين عن مدّ يده، مجرّد مدّ يده، لتكون السلطة السياسية كلّها له وله وحده.


* * *








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في إسرائيل تطالب نتنياهو بقبول صفقة تبادل مع حماس |


.. مكتب نتنياهو: سنرسل وفدا للوسطاء لوضع اتفاق مناسب لنا




.. تقارير: السعودية قد تلجأ لتطبيع تدريجي مع إسرائيل بسبب استمر


.. واشنطن تقول إنها تقيم رد حماس على مقترح الهدنة | #أميركا_الي




.. جابر الحرمي: الوسطاء سيكونون طرفا في إيجاد ضمانات لتنفيذ اتف