الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة الشعب السوري

الحجاري عادل

2019 / 7 / 18
حقوق الانسان


منذ مطلع العقد الثاني من هذا القرن، شهدت العديد من الدول العربية حالة متردية نتجت عنها إشكالية التأخر في مختلف المجالات، وما تلاها من ضعف الأنظمة السياسية وعدم صمودها أمام الرهان العالمي وأمام الدول الكبرى، فكان من طبيعة الخيار الشعبي هو إيجاد التعبير عن هاته الحالة المتردية، إلا أن بواعث النهضة ومسألة تحديث القطاعات والدور الكبير الذي تضطلع إليها الشعوب التواقة إلى الحرية والتغيير والكرامة الإنسانية، لم يلقي على كاهلها تطهير الأوطان من الفوضى السياسي والتخلف الإجتماعي، وهدر حقوق الشعوب، هذا ما حال بالشعب أن ينتفض من أجل الكرامة في تونس ومصر، فبينما اتجهت الإنتفاضات إلى ثورة عادية انهت فك عقد حكم بن علي في تونس، مع مواصلة شرارتها بعنف وأدت إلى شرذمة من الإعتقالات كما في مصر، فضلا عن هبوب رياحها نحو ليبيا والتي عرفت بالكارثة والأسوأ لحد الأن.

هذا الرهان والغضب الشعبي العربي إبان ثورة الربيع، لم يصمد أمام الخيارات الممكنة، رغم غياب الوعي الجماعي لدى النخبة والمثقفين وعامة الشعب، مما حال بالثورة أن تنحاز إلى الإتجاه المضاد كما في مصر والتي حولت حكم الإخوان إلى مقبرة جماعية في ظل انقلاب الطغمة العسكرية على الحكم، ونفس الشيء تحويل مأساة الشعب الليبي إلى دعم خارجي بتنسيق بين فرنسا والولايات المتحدة، لضرورة القضاء على حكم القذافي بعد ثلاث عقود من توليه زمام الحكم في ليبيا، وكانت ولادة التنظيمات الإرهابية في ليبيا تؤتي أكلها على مائدة نقاش الولايات المتحدة وحلفاءها، جاعلين من ليبيا وبفضل توفرها على أغنى المواد الأولية ومصادر الطاقة، كمجال لإحتضان التنظيمات الإرهابية ما بعد القذافي، وقد حال بهم استغلال الوقت والظروف لأجل إمتصاص ما تبقى من خيرات ليبيا خارج القرارات الأممية.

لم تكن سوريا، مثل دول الربيع العربي حكومة وشعباً، نظرا لتنامي مختلف التيارات والإتجاهات الوحدوية منذ ميلاد القومية في المشرق، فضلا عن وجود طوائف دينية ومذهبية متعددة، وهو ما طبع الثورة السورية بطابع الإتجاه المضاد لما فيه من إرهاب الدولة بتنسيق مع إيران وروسيا وحزب الله اللبناني، هذا التنسيق حول كل خيارات الشعب إلى محنة ومأساة كبيرة في هذا القرن.

كما أن أكبر إبادة جماعية ونكسة عارمة لم يعرفها هذا القرن إلا في سوريا، فمنذ الثماني سنوات الماضية وحتى الأن لم يحقق الشعب السوري أمانيه وتطلعاته نحو بناء مستقبل أفضل يغذيه البناء الوطني وتشكيل اللحمة الإجتماعية وميلاد دستور جديد ما بعد الثورة، نظرا للتلاعب العالمي على ضوء المشهد السوري، وعرقلة جهود الأمم المتحدة في مكافحة النظام السوري، في الوقت الذي يعرف فيه السلام العالمي أكبر خسارة أممية في حال مواصلة النظام جرائمه دون توقف ولا رحمة ولا عقاب.

ونحن إذن ننتمي إلى الحضارة التي شيدها الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، إذ جاز التعبير أن تلاقح الشعوب مشرقا ومغربا قد لقي الحظ الكبير استجابة لنداء مقاومة الإمبريالية في القرن العشرين، والحال أن مختلف الحركات التحريرية كانت تتجه إلى هدف مشترك وموحد لأجل تطهير الأوطان من براثين الإستعمار، ولهذا كان الدور الريادي الذي عرفه التنسيق الفكري بين المشرق والمغرب عن طريق الطلبة المغاربة في المشرق قد لقي دروسا في الإتحاد والوحدة ومقاومة الإستعمار بفضل أعمال الصحف والمجلات.

ذلك أن النسيج الثقافي والتلاقح الفكري والروحي بين المغرب والمشرق، أخذ يلقي على عاتقه مسألة خطاب الحضارة والنهضة والتجديد، دون الركون إلى مسائل أخرى أكثر تعقيدا، ومن هاته المسائل نجد مسألة التقليد والجمود الفكري والثقافي ولإقتصادي، الناتج عن تأخر الشعوب، ولهذا كان صدى الثورة في سوريا تأثير كبير على الساحة السياسية والإجتماعية في العالم، حيث اختلفت الأراء حول مصير الشعب السوري الذي يعاني ثماني سنوات من حرب مدمرة، والتي هزت مختلف البلاد العربية والإسلامية حالة من الركود الاقتصادي وتأزم الأوضاع سببا عما يجري من حروب أهلية داخل الجارة السورية، كما أن الدعم الشعبي الخارجي لم يلقى أي تأييد للثورة رغم مما مال إليه جل من النخبة والمثقفين الحديث عن دور الدين والسياسة وقضية الشيوعية والعلمانية، نراها في كثير من الأحيان كتب ومقالات منشورة في جرائد إلكترونية، إذ أن الحالة أي القضية السورية لم تكتب إلا القليل النادر.

إن العمل الثقافي وحركية الترجمة والتأليف سواء كانت عن طريق كتابة مواضيع ذات أكثر حساسة، لكنها لا تبشر بقضية سوريا ولا قضية الإنسانية، قد يبدوا أن الستار الثقافي وحركات الترجمة والتأليف في العالم العربي اليوم تسلط الضوء قليلاً على محنة السوريين بما هي في نظرهم قضية غامضة يتوجب عليهم طي صفحاتها، وبما أن سوريا هي الحضيرة الثقافية والفكرية والعلمية إلى جانب العراق وفلسطين، وهي مركز الإشعاع الفكري في المشرق، فنحن إذن نكتب على قضية الشعب السوري، وعلى ضوء الحياة الدراسية للمفكر المغربي عابد الجابري في سوريا، وعودته إلى المغرب حاملا شعاع العلم والثقافة والفكر والتجديد في اللغة والمنهج والقضايا واستفاد منها دروسا وعبرا، فلو عاش اليوم هذا المفكر لكان من الممكن أن يحمل قضية سوريا ضمن إنتاجه الثقافي والفكري في الوقت الراهن.

فلو كان من الممكن أن يتحد الشعب السوري وعدم الإنصياع إلى الدسائس والمؤامرات التي تحاك ضدهم، ومن هاته المؤامرة التي غالبا ما تحمل في حق بعض الحركات المعارضة للنظام بأنها منظمة إرهابية وجب محاسبتها وشن الحرب عليها، في اعتقادي أنها مؤامرة لبداية فتح الحدود السورية أمام التدخل العسكري الخارجي لكبح جموح الثورة والقضاء على وسائل وأهداف ومخططات الثورة، ومنها تحقيق مطالب الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والعدالة، وتطهير البلاد من أركان نظام الأسد نهائيا، وفي أوج انحصار الثورة وانصارها، فلا أمل ولا خيار آخر سوى الإستمرار لتحقيق فائض من الأمل أو لجني أفكار الثورة وبناء مستقبل سوريا.

إن الدمار والإبادة الجماعية في حق الشعب السوري لم ينتج عنه سوى تزايد عداد الجرائم الوحشية، والقذف بأسلحة كيماوية محرومة في العرف الدولي، ويبدوا أن الخروج عن القانون الدولي من طرف رئيس أباد شعب بأكمله يعني نهاية هذا العالم، لما فيه من ظلم أكبر، حيث الشعوب الأخرى ترقص على جثث السوريين الذين ماتوا تحت التعذيب أو الإبادة الجماعية التي حولت سوريا إلى مقبرة القرن الواحد والعشرين.

كما أن الخاسر الأكبر ليس الشعب السوري وحده في ميدان التحرير، الذي ناضل وقاتل من أجل الديمقراطية والحرية، لقد دفع الشعب ثمن الموت والدمار والنزوح نحو مختلف الدول، فليس للعالم أن يحمي السلام رحمة للإنسانية التي تؤمن بالعيش الكريم مع تعزيز التعاون بين جميع الأطراف مهما كانت مختلفة من حيث اللون أو العرق أو الدين. ذلك أن خسارة السلام العالمي معناه خسارة الشعوب التي تعاني من شتى أنواع الظلم والتعذيب والتنكيل والتهجير، هذا ما نراهن عليه في كون القضية السورية التي هي بمثابة قضية الإنسانية، لذا فمن نافلة القول أن تقف جميع الشعوب العربية منها والغربية وقفة رجل واحد لإيقاف هذا العبث والفوضى والدمار والنزوح الذي عرفته سوريا كأكبر محنة يتعرض لها الشعب لأزيد من ثماني سنوات مضت دون خيار مطروح ودون بديل جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة يتظاهرون بأسلوبهم لدعم غزة


.. إعلام فرنسي: اعتقال مقتحم القنصلية الإيرانية في باريس




.. إعلام فرنسي: اعتقال الرجل المتحصن داخل القنصلية الإيرانية في


.. فيتو أميركي ضد مشروع قرار منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في




.. بن غفير: عقوبة الإعدام للمخربين هي الحل الأمثل لمشكلة اكتظاظ