الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة البحث عن المعنى (1)

محمد موجاني

2019 / 7 / 18
سيرة ذاتية


لمعنى (1)

ربما ليس هذا هو الوقت الأنسب لكي اكتب عن تجاربي الشخصية بل عن مساري في الحياة لأنه وكما يظن البعض: يجب الإنتظار حتى أواخر العمر وبه تكتسب تجارب و تراكم خبرات غنية وكثيرة تستحق أن تكتب ويتم البوح بها ، لكن في هذه المرحلة بالذات أفضل أن أبوح ولو بإيجاز ودون الغوص في التفاصيل بلقطات من حياتي ولأنه كذلك، ليس من الضروري أن تكون الحياة طويلة والأيام جد معدودة لكي تكون غنية وذات معنى، فأحيانا يستحسن أن تقاس بالعرض وليس بالطول. وفي كل الأحوال فأنا اكتب لنفسي قبل أن أكتب للأخرين وأشعر اني أود منذ زمن أن أقول شيء لكن ربما كانت تنقصني الأداة لأعبر عن كل ما يختلج جوارحي وأعماق ذاتي .

على أية حال ، فأنا، ابن منطقة نائية، وابن الهامش بامتياز، ولدت وترعرعت في مغرب القعر، كبرت في مجتمع يسبح في الفقر والجهل ، وكانت المعانات والتهميش هي العنوان الأنسب لتلك الحياة، وبدون أي امتياز يذكر، فالطابع الجغرافي لتلك المنطقة يحي بحياة مظلمة ومناخ يصد كل الأبواب والنوافذ ويجعل كل الأحلام تتبخر منذ البداية ، إذ لا سبيل للخروج من هذا الوسط البئيس إلا محاولة التفوق في الدراسة وتحقيق النجاح والتشبت بالأحلام رغم صعوبة تحقيقها عندما تصطدم بصلابة واقع لا يرحم ، وبما أن المدرسة كانت موجودة فهناك بصيص من الأمل.

نعم عشت حياة لم أختار تفاصيلها بنفسي ، لم يكن فيها اي شيء قد صمصم لارضائي، ولن أبالغ أن قلت اني عشت حياة لا تستحق أن تعاش ، حيث كانت فيها خياراتي جد محدودة على الدوام . عشت في وسط يحكمه منطق البقاء للاقوى وليس للأفضل والكل يكابد لهزم مكائد ونوائب الدهر .
في هذه الظروف التي وللأسف لا تبشر بالخير كان علي أن أعثر على قدري وأنسج لنفسي أسلوب يوافق غاياتي، وبه أشق مسار يتمشى مع طبيعتي وسط تضاريس الحياة وادغالها المفعمة بالمخاطر ومناخها المتقلب. وربما - من يدري- في الظروف القاهرة ووسط المعانات يصاغ الأسلوب الناجع الذي قد يبعث بالأمان والأمال وهذا هو رهاني الجامح وربما الدراسة والعمل الجاد هي فرصتي الوحيدة للهروب من هذا الواقع المرير .

كان ضروري علي أن أعثر على ذاتي لكي أكون أنا بالذات ليس ذلك الأنا الذي يريده الآخرين ، وهكذا أرفض أن أضع لنفسي مكانا وسط الوعود التي يرسمها لي الآخرين و لأنها غالبا ما تكون مجرد كلام فارغ وبهتان !
كشاب طموح، مهموم ، يخشى أن يعبر هذه الحياة دون تحقيق حتى أبسط الأهداف، ويرفض أن يموت موت غبي ، كان لا بد علي أن أضحي بالغالي و النفيس من أجل أن أغير هذا الوضع قدر الإمكان، ولو كان بإمكان ذلك لفعلته على التو دون تردد ولا اتخدت منحى مريح في الحياة وبأقل شقاء ممكن . كان همي أكبر بكثير من سني وكان محكوم علي أن أتوذق من مر وشرارة كل مرحلة على حدة.

كأي طفل قروي بدوي ، كنت الأبن التاني الأبوين لا يعرفون شيء عن موانيع الحمل . رأيت النور في قرية صغير بجنوب المغرب تدعى امسمرير، هنالك بقيت حتى وصلت السن للقانوني للالتحاق بالمدرسة، وانا استحضر يوم رافقني جدي قصد التسجيل وفي يده كناش الحالة المدينة، لم أكن أعرف شئ لكن كنت مبسوط برؤية التلاميذ يتوافدون إلى المدرسة بثيابهم الجديد. قضيت ست سنوات كاملة وأنا أتابع دراستي في هذه المدرسة. كنت تلميذ يمزج بين الجد والبخل وكانت نتائج التي احصل عليها مشجعة رغم أني لا ابدل مجهودا أكبر، وليس هنالك اب او اخ قد يمد يد العون كلما وجدت أمام أي استفهام محير ، لست أدري سبب هذا التفوق ، هل الآخرين الدين كانوا يعانون من النقص أو ربما الحظ هو الذي كان بجانبي آنذاك .

بنتائج مرضية ومستحسنة وبالخصوص لي لأن الآخرين غير مبالين بي- وهم معذورين - التحقت بالاعدادية وكان علي أن اقطع من أربع إلى ثمانية كيلومترات يوميا مشيا على الأقدام، ربما المسافة ليست طويلة لكن بالنسبة لتلميذ يحتاج إلى التركيز قد ترهقه وتستنزف طاقاته زد على ذلك أنها دائمة طيلة الموسم الدراسي وفي مناخ بارد وقارس وهذا ما يجعل قطع هذه المسافة أمر لا يستهان به.

كلما تقدمت في الدراسة وفي العمر ، وارتفع سقف المتطلبات لكن المصادر تابتة، أن لم أقل انه بوجود إخوة آخرين أصبحت لا تكفي لسد الحاجيات الأساسية. من ثياب ولوازم مدرسية، لكن مطاهرنا ولباسنا وملامح وجوهنا كان تتكلم مكاننا وكافية لفهم الهشاشة الاجتماعية التي كانت تلاحقنا . وربما هذه المعانات التي جعلت البعض من أساتذتنا يلطف علينا ويقدر طرفنا ويؤمن بطموحتنا ويساعدننا ريتمى نجد منفد للجروح من هذا المأزق.
أما في المرحلة الثانوية، فاصبح الأمر يتطلب أن انتقل الى بومالن دادس التي تبعد بستين كيلومترا عن قريتي الصغيرة. نعم إنها المرحلة التانية التي سأذهب بها بعيدا عن قريتي بما اني قد زرتها يوما مضطرا ليس اختيارا بعد أصبت بجروح خطيرة على مستوى الرأس في حادثة سير مميتة كادت أن تؤدي بحياتي ، لكن، وبفضل المتعالي، نجيت منها بأعجوبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار