الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحرب - أطفال العراق

مصطفى علي نعمان

2003 / 4 / 2
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


مصطفى علي نعمان.

اليوم الثالث عشر، الثلاثاء، الأول من آذار، 2003

أطفال العراق:

أ يبقى في الحياة شيء جميل إن انتزعنا البسمة من وجه طفل؟ أ يعادل ذهب العالم كله ضحكة طفل؟ ما قيمة حياة يتعذب فيها الأطفال؟ يشقون! يتشوهون! يتعوقون! يرون آباءهم يقتلون أمامهم! لا بل يقتلون هم! أي ذكرىً مؤلمة سيحملها قلب طفل دُمِّر بيته، كاد الجوع أن يقتله، واضطر للتهجير؟

صور هذا اليوم حافلة بصور الأطفال المعذبين، ولعل أكثرها إيلاماً صورة طفلة مزقتها الشظايا، وجه دامٍ، وملابس منقوعة بالدم، وأم يفتتها الحزن! أما الصورة الأخرى فكانت لطفل خائف، بدا وكأنه أجلس بحضن الضابط الأمريكي رغماً عنه، ولا يدري ماذا سيحل به! وصورة أخرى لمجموعة من النسوة يجلسن في ظهر جرار زراعي، يبدون من هيأاتهن أنهن من الشمال! امرأة في ثلاثيناتها، ملامح جميلة، غطى عليها غضب مشحون بالحزن والمرارة معاً، امرأة أخرى من الجنوب، متجهمة على حافة البكاء، تحمل رضيعاً، بينما يسير قربها طفل آخر في نحو السادسة، يحمل بعض الملابس، وهناك صورة لمجموعة من الأطفال، ربما خمسة، حشروا بقوة، في صندوق السيارة الخلفي، ربما كان السردين في علبته أفضل حظاً منهم، لكن وجه الطفل الذي يواجه الكامرا، والذي بدا في نحو الخامسة من عمره، يحمل من العذاب ما لم يحمله أيوب طيلة حياته! ترى أ يستطيع أي واحد في العالم من قراءة خريطة آلامه؟

الهجرة والتهجير:

امتحن سكان العراق بالتهجير بالهجرة! منذ أن اطل عليهم شبح البعث المشؤوم، ولعل أكثر سكان العراق ابتلاء بالتهجير، وآلامه، وعذاباته، سكان القرى الكردية في الشمال، أما أهل البصرة، في الجنوب فقد حلت عليهم لعنة الهجرة، بدل التهجير، وإذ كان العراقيون جميعهم مطلعون على مأساة الفلاحين الأكراد المظلومين، فإن القليل من العراقيين مطلعين على محنة أهل البصرة بالهجرة.

هُجِّر سكان الفاو، وجميع القرى المطلة على شط العرب، في الأيام الأولى من الحرب العراقية الإيرانية، المفتعلة، المشؤومة، أمرهم الجيش بالرحيل، "خوفاً" عليهم من الإيرانيين، المتسللين! منعهم من أخذ أي شيء معهم! وحينما عاد البعض بعد أسبوع، أسبوعين، وجدوا الجيش قد نهب كل ما تحويه بيوتهم!، حتى إطارات الأبواب، والشبابيك، أما ما لم يستطيعوا أخذه كالثلاجات الكبيرة، فقد وضعوها في الشرائع، "السواقي" ليعبروا عليها، رُحِّل هؤلاء المساكين إلى البصرة، فقدوا كل ما يملكون بين عشية وضحاها! وأسكنوا في بعض المدارس، وأبنية حكومية لا تتوافر فيها أي خدمات إنسانية! وكان معظمهم فلاحين، لم يعتادوا على حياة المدن، وأعرف منهم من انتحر، ومنهم من فقد عقله، ومنهم من ذل بعد أن كان عزيز قوم محترم، أما حيواناتهم، من بقر، جاموس، أغنام، فقد استولى على معظمها الجيش، وأصبحت ولائم سحت لقادة لصوص مجرمين، أما ما تبقى فهام على وجهه وتوحش! أو أكلته الوحوش.

أما أهل البصرة فقد حلت عليهم لعنة الهجرة بعد هزيمة المحمرة المشهورة، كانت مجموعات من الجيش الشعبي تطوف الشوارع، تطرق الأبواب، تحض الناس على ترك المدينة، وهكذا ترك ما لا يحصى من الناس بيوتهم، وتوجهوا نحو الناصرية، كربلاء، النجف، السماوة، الحلة، استقر معظمهم في الشوارع، في الجوامع، في الحسينيات، حتى في المقابر!

ثم أخذت الهجرة تكرر نفسها بعد أي هجوم، يقوم به الإيرانيون! أما في الأيام العادية فتحملت البصرة حصة الأسد من القصف اليومي، فتطرزت شوارعها بحفر القنابل، والصواريخ، وفقدت ما لا يحصى من الأبرياء، وعندما توقفت الحرب أحس مساكين البصرة بالارتياح، لكنهم فوجئوا بلعنة غزو الكويت، لترجعهم إلى دوامة المحرقة من جديد! فهجر الكثير منهم بيته من جديد ليلتحق بقوات التحالف، وليترك وطنه مرة وإلى الأبد.

والآن بعد معركة "حرية العراق" المزعومة! فها هي البصرة مرة أخرى تعاني من جديد محنة الهجرة، فمتى يستقر هؤلاء المساكين كباقي عباد الله؟

القس الطيب، والشيخ المسكين:

دخل القس الطيب الأب "برنار يتوس" التاريخ، أصبح معروفاً في كل أنحاء العالم.

الأب برنار، هو راعي كنيسة المهد، في بيت لحم، ووكيل بطريارك الكنيسة الأرثدوكسية في فلسطين، أما لماذا دخل التاريخ؟ فلأنه أصدر قراراً مهماً، رائعاً، يريح الأعصاب التي أحرقتها الحروب، قرار الأب برنار تضمن حرمان شخصيات عالمية من دخول كنيسة المهد، شملت قائمة الحرمان: الرئيس الأمريكي جورج بوش، رئيس الوزراء البريطاني توني بلير رئيس وزراء بريطانيا، رونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي، جاك سترو وزير الخارجية البريطاني، أما سبب حرمانهم من دخول الكنيسة فلأنهم مجرمو حرب، وقتلة أطفال، ولأنهم هدموا بيوت وكنائس، ومساجد ودور عبادة العراقيين، وفي الحقيقة فلن يهتم بهذا الحرمان أحد سوى بوش، فهو الوحيد المتدين بين هؤلاء الخمسة، لكني أظن أن لتدينه جذوراً سياسية، تغطي على إيمانه المزعوم، ولذلك فتأثير الحرمان على هذه الثلة المتوحشة، كلها يكاد يكون معدوماً، لولا قيمته الإعلامية، وشجاعة من اتخذ القرار!

بعد هذا الخبر، هل سيتخذ شيوخنا المساكين خطوة شجاعة اقتداءً بالقس الشهم، فيحرموا على القتلة، والجبارين كصدام حسين، وأمثاله دخول المسجد الحرام، للحج، أو العمرة، وهل ستتخذ مرجعيات المراقد المقدسة قراراً مماثلاً تحرمهم من زيارة العتبات المقدسة! فيريحوا أعصابنا هنيهة وسط نيران الحروب!

 









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها