الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مايكرو ارهابي

حسين التميمي

2006 / 5 / 10
كتابات ساخرة


ثمة شخص أعرفه قبل أكثر من عقدين ، وهو من النوع الذي يوصف بأنه معتدل في كل شيء باستثناء تطرفه في حبه لعمله وحسه العالي بالمسؤولية وتفانيه في عمله ، وقد تدرج هذا الرجل سنة بعد أخرى حتى صار مسئول ورشة صيانة في الدائرة التي كان يعمل فيها ، وخلال عامين استطاع ان يوفر الكثير من المبالغ لتلك الدائرة لأنه كان يجهد نفسه كثيرا من اجل إصلاح الأجهزة العاطلة بدلا من شراء أخرى جديدة ، لكني فوجئت قبل عدة أيام حين سألته عن أحواله وسير العمل في الورشة فقال : الآن رأسي بارد لقد عدت موظفا بسيطا بلا مسؤوليات وبلا وجع رأس . وقد صدمتني هذه الطريقة الجديدة في الحديث بعد أن كان في السابق يتقد وجهه انفعالا ونشاطا وهو يتحدث عن إنجازاته التي تفوق الخيال على الرغم من إمكانيات الورشة ومحدوديتها من الناحية الفنية فهي تفتقر إلى الأدوات والآلات المناسبة لإنجاز أعمال الصيانة والإصلاح .. لكن وبعد أن تبادلت معه أطراف الحديث بهدوء ولوقت طويل استطعت ان اكتشف السر وراء تراجع الرجل عن منصبه وعن طموحه ، وركونه الى حالة من اللامبالاة القريبة من اليأس .. فالورشة التي كان يديرها بأمانة ونشاط استدرت لعاب بعض الفاسدين إداريا ، فقاموا بمضايقته وبشتى الوسائل وحين اكتشفوا ان هذه الطرق لا تنفع معه رموا له تحت باب الدار تهديدا بالقتل .. وقرنوا هذا التهديد بالعمالة والجاسوسية لصالح جهة ما .
الآن لنترك التفاصيل غير المهمة ولنتحدث عن الحال الجديد الذي صارت عليه الورشة ، فالشخص الذي استلمها حولها من ورشة تصليح إلى ورشة تجهيز ، أي ان كل جهاز يدخل الى الورشة ومهما كان عطله بسيطا يتم (تسقيطه) وتكتب بالمقابل مذكرة لشراء جهاز جديد ، وأما القديم فبتم تفكيكه وتسريبه خارج الدائرة ، أو يختفي كليا دون سؤال او جواب ، والغريب في الأمر أن أغلب الموظفين بدءا من المدير وانتهاء بالفراش يعرفون جيدا ان الموظف السابق هو شخص شريف ونزيه وأن الموظف الجديد هو لص
وفاسد ومرتش ولا أحد يتكلم لأن هذا الأخير يتبجح بين الحين والآخر بأنه محسوب على جهة ما . ولعل هذا المثال يتكرر في عدة دوائر ومؤسسات ووزارات .. حتى ، وغالبا ما يكون المدير أو من هو اعلى منه في المسؤولية متواطئ مع مثل هذه النماذج الفاسدة أو هو ضعيف ولا يمتلك الآهلية وكلاهما سيء بالنسبة لعراقنا الجديد ، فهم يشكلون الحاضنة المثلى للفساد الإداري ولتفشي الرشوة ، والغريب في المر ان السادة المسئولين قد ابتدعوا لجنة تدعى لجنة النزاهة لم تأخذ في حسبانها الوضع الأمني والظرف الحرج الذي يعيشه البلد الآن لذا أرسلت بمفتشيها الى الوزارات جهارا نهارا مما دفع الفاسدين الكبار الى اغتيال بعض الشرفاء منهم ولصق الجريمة بالإرهاب ، بينما ينعم الآخرون ممن (لا يهشون ولا ينشون) بالحماية الكاملة ولا أحد يعترض سبيلهم ، لذا أرى أن تعمد لجنة النزاهة – مادامت تتصف حقا بالنزاهة ؟- إلى إرسال موظفين ثقاة تحت عناوين لا تثير الشك وبثهم بين صفوف الموظفين وفي كافة الوزارات وتوابعها ، وعندئذ فقط سيتم كشف الفاسدين وبالجرم المشهود ، ووقتها فقط سيعود الرجل الذي ذكرناه أعلاه كي يمارس عمله الحقيقي بهمة ونشاط ويوفر للدولة – هو وكل الشرفاء- مبالغ طائلة تصرف بغير وجه حق ، ويوفر أيضا جوا ملائم يعكس حالة من النظافة والرقي تبعث على التفاؤل وتدعم الحالة الجديدة التي نطمح إلى استكمال شروطها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه


.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان




.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو


.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف




.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول