الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحافة العربية: الجهل المطبق بما تنشره!

آصال أبسال
(Aasaal Absaal)

2019 / 7 / 21
الصحافة والاعلام


من بين الكثير الجم من المقالات السياسية والصحفية التي تحاول أن تفسر مدى الاستسلام والاستخذاء الواضحين اللذين أبداهما قبل يومين أو أكثر قادة التحالف المدني /الثوري/ السوداني المسمى بـ«قوى إعلان الحرية والتغيير».. أبدوهما بشكل صارخ للعيان المحلي والدولي أمام قادة التحالف العسكري /الثوري المضاد/ المسمى بـ«المجلس العسكري الانتقالي أو الانقلابي»، من خلال محاولة انتهائهم إلى توقيع الاتفاق المشؤوم على تسليم السلطة، أولا، إلى هذا «المجلس العسكري» بكل ما يملكه من السلاح الخفيف والثقيل، ومن خلال محاولة ابتدائهم بالتالي بوأد الثورة الشعبية السودانية حتى قبل أن تنضج وقبل أن تكتمل في نفوس الناس الثائرين بكافة أطيافهم.. يظهر على السطح الآن المقال /الألمعي/ الأخير للكاتب الصحفي يحيى مصطفى كامل تحت العوان «على هامش ثورة السودان: الواقع المعقد والدروس البسيطة»، ومن صدور الصحيفة العربية المشهورة «القدس العربي» في يوم 19 تموز/يوليو 2019.. وهو المقال الذي يكاد أن يلخص بشكل مذهل للعقول كل ذلك الكثير الجم من المقالات السياسية والصحفية المنوه عنها، وإلى درجة النقل الحرفي السافر للعديد من العبارات بأكملها من هنا ومن هناك، وبدون أي مسحة من الاعتراف الضميري طبعا بهذا النقل الحرفي كما هي عادة الأغلبية الساحقة من كتاب وكاتبات هذه الصحيفة العربية المشهورة..

ما علينا من كل هذا الانتحال التحليلي والأسلوبي المقرصَن مما وراء البحار.. الانتحال الذي صار بالفعل فنا تمويهيا تعتيميا قائما بذاته من فنون الكتابة السياسية والصحفية في هذا الزمان الافتراضي الإلكتروني، فنا تمويهيا «كاموفلاجيا» إذا جاز التعريب من الاصطلاح العسكري الفرنسي المؤنكلَز Camouflage.. وهو الاصطلاح المقابل، ولكن بمستوى أخلاقي أوضع وأحطَّ بكثير، لمصطلح «السرقة الأدبية» الذي كان النقاد الأدبيون العرب القدامى يستخدمونه أيام زمان.. تلجأ أسرة تحرير الصحيفة المذكورة إلى الاختيار /الألمعي/ من صلب المقال /الألمعي/ نفسه للعبارة التي تعتقد، كما تعتقد في كل المقالات السياسية والصحفية التي تنشرها تباعا، أنها العبارة الأهم في هذا السياق.. فتسلط بذلك الأضواء الإعلامية عليها عمدا لكي تبدو للمشاهد قبل القارئ ساطعة كل السطوع، كما يلي..

/لا أتصور أن أثور على جلاد لأجلس للاتفاق معه بينما يحتفظ هو بكل أدوات بطش السلطة، فالثورة لكي تحقق أغراضها يتحتم عليها أن تلغي الخصم/.. وهذا ما يسمى في لغة البلاغيات الإخبارية بـ«النكران السردي» Déni Narratif، في اللغة الفرنسية، لأنه استنكار قصصي لماهية التفاوض بين الطرف الضعيف، أي الطرف المدني الأعزل، وبين الطرف القوي، أي الطرف العسكري المسلح.. تماما كما كان الاستنكار القصصي المشابه تاريخيا على الأفواه والأبصار للتفاوض بين المدعو العربي مؤيد الدين بن العلقمي /وزير دولة المستعصم بالله (1213-1258)/، وهو الطرف الأضعف، وبين المدعو المغولي التتري البربري هولاكو خان، وهو الطرف الأقوى.. إذ لم يكن لهذا التفاوض إلا أن يسير على أهواء الطرف الأقوى، مما حدا بهولاكو خان إلى اجتياح بغداد سنة 1258 وإلى اغتيال المستعصم بالله وإلى تنصيب مؤيد الدين بن العلقمي نفسه وزيرا له /لهولاكو خان/ إلى أن مات بعد ذلك الحين بشهور قلائل..

هذا مثال آخر أشد وضوحا على نوع الصحافة العربية وعلى مدى الجهل بما تنشره هذه الصحافة بأغلبيتها الساحقة.. مثال تمثله أيضا خير تمثيل أسرة تحرير صحيفة عربية مشهورة كمثل صحيفة «القدس العربي».. خصوصا وأنها تدعي بأنها /منبر متنوع يؤمن بالتعددية وينشر الأخبار الدقيقة.. وأنها تلتزم بالمعايير المهنية والموضوعية، من خلال تغطيتها للأحداث، وتقديم التحليلات العميقة للقضايا العربية والعالمية/.. إلى ما هنالك من شكلي التطبيل والتزمير الإعلاميين الذاتيين الأجوفين اللذين أشير إليهما في المقال السابق.. كتبتُ ساعتها كذلك تعقيبي الواجب على المقتطف المذكور أعلاه وأنكرت بالمرصاد لاءات الرقابة «المخابراتية» للصحيفة نفسها، وأبت من ثم أن تنشر هذا التعقيب كالمعتاد لأنه ببساطة أشد تعقيب يكشفها على حقيقتها «المخابراتية» على الملأ أيضا.. ما علينا من كل هذا الإنكار وهذا الإباء /السرديين القصصيين/ مرة ثانية.. كتبتُ بدوري في ذلك التعقيب ما يلي..

الأخ الكريم يحيى مصطفى كامل.. هناك باحث أكاديمي يدعي أنه مختص بالثورات الشعبية العربية ويدعي أنه يساري اشتراكي ماركسي، اسمه جلبير الأشقر.. ومع ذلك، ورغم كل ذلك، فإنه يتصور بدون أي تردد هذا التصور الذي تستنكره أنت، كما يستنكره الكثير من قبلك، استنكارا سرديا قصصيا.. ويعتبر أن ذلك الاتفاق المعني إنما هو ثمرة إنجاز عظيم من قيادة ثورية، قيادة قوى إعلان الحرية والتغيير، قيادة /أثبتت أنها حقا متفوقة على كافة القيادات في «السيرورة» الثورية العربية برمتها/.. وهو معجب أيما إعجاب بكلمة «سيرورة»، واخد بالك.. وصار له يكتب بهذا النفس التفوقي السوبرماني /بمفهوم أفلام هوليوود «الإنسانوي»، لا بالمفهوم النيتشوي الأكثر إنسانية من «إنسانية» الإله نفسه/.. وصار له يصر عليه كل الإصرار إلى حد التحنط الذي لا يقبل النقاش ولا المراء بالمطلق منذ أكثر من ثلاثة أشهر حتى يوم صدور مقاله ما قبل الأخير المعنون بالعنوان «الثورة السودانية تدخل جولتها الثالثة»، ومن صدور الصحيفة نفسها في يوم 9 تموز/يوليو الجاري.. وأدعوك أيضا إلى قراءة كافة التعليقات على نسخته المنشورة في هذا المنبر بالذات..

مرة ثانية، ما تنشره جريدة «القدس العربي» من خلال الكثير من مقالات كتابها وكاتباتها الذين تتبجح بموهباتهم وملكاتهم تبجحا نرجسيا بطبيعة الحال.. إنما هو أدل دليل على ما قاله السياسي المصري يوسف السباعي استئناسا بقول السياسي الأمريكي توماس جفرسون المشار إليه في ختام المقال الآنف.. /إن هدف الصحيفة الأول ليس التثقُّف ولا أي شيء من هذا.. إن هدف الصحيفة الأول إنما هو التصافق والمكسب المادي، ليس غير/ .. !!

***

كوبنهاغن، 21 تموز/يوليو 2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أحيي الدكتورة آصال أبسال على هذه الملاحظات الهامة
واسيني بومدين ( 2019 / 7 / 23 - 11:31 )
أحيي الدكتورة آصال أبسال على هذه الملاحظات الهامة كعهدنا بها في ملاحظاتها الهامة في مقالها السابق
خالص الود والتقدير


2 - تُشكر الأخت الدكتورة آصال أبسال على هذه النظرة!!!
نديم سلمان ( 2019 / 7 / 23 - 16:11 )
تُشكر الأخت الدكتورة آصال أبسال على هذه النظرة النقدية الثاقبة في جوهر الصحافة العربية المأجورة والموجهة حسب أهداف الأنطمة الاستبدادية التي تمولها!!!
تُشكر الأخت الدكتورة آصال أبسال من القلب
وجه جميل وعقل أجمل!!!


3 - شكرا للأخت آصال أبسال على مقالها الرائع!!؟؟
شيماء محجوب ( 2019 / 7 / 25 - 16:26 )
شكرا للأخت آصال أبسال على مقالها الرائع: بعد الاتفاق المشؤوم الذي أشرت إليه في مقالك الثاقب ما زال التخوف من التفاف العسكر حول مطالب الحراك الشعبي.
طالب ااتحاد الصحافيين السودانيين المجلس العسكري بإطلاق سراح رئيس الاتحاد الكاتب الصحافي الصادق الرزيقي الذي اعتقل بدون سبب أو محاكمة.
وأشار أن المكتب التنفيذي للاتحاد شكل “لجنة للاتصال الفوري بالمجلس العسكري والجهات ذات الصلة، لمعرفة ملابسات اعتقاله”.
وتابع: “سيظل المكتب التنفيذي في حالة انعقاد دائم لمتابعة الأمر، وتمليك المعلومات للرأي العام أولا بأول”.
والأربعاء، أعلن الجيش السوداني إحباطه محاولة انقلاب، قال إنه شارك فيها رئيس الأركان هاشم عبد المطلب، “وعدد من ضباط الجيش وجهاز الأمن والمخابرات، إلى جانب قيادات من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني البائد (الحاكم سابقا)”.
ومن جهتها نفت الحركة الإسلامية “أي مشاركة أو نية لها لعمل من هذه الشاكلة، وتدعو الجهات التي أصدرت هذا الاتهام بتقديم كل المعلومات والبراهين والأدلة للرأي العام، حتى تتضح الحقيقة للجميع”.


4 - تحية تقدير وشكر للأخت آصال أبسال على مقالها البارع
سلمى سعيد ( 2019 / 8 / 6 - 17:56 )
تحية تقدير وشكر للأخت آصال أبسال على مقالها البارع في تشريح بعض الجوانب من الصحافة العربية: للأسف صحافة موجهة من قبل أنظمة الاستبداد في بلادنا إما بشكل سياسي مباشر أو بشكل تمويلي غير مباشر يتحكم بها من بعد ؛ لهذا السبب تنوير القراء هو في الحقيقة هو آخر ما يمكن أن يكون كهدف لهذه الجريدة
بالفعل هدف الجريدة إما المكسب الاقتصادي المباشر أو المكسب السياسي غير المباشر!!



5 - إلى كاتب التعليق الثاني
درغام السرجيني ( 2023 / 12 / 5 - 14:34 )
نعم، فإن سبب تخلف المجتمعات الذكورية في العالم العربي يكمن في انتشار المتأسلمين الأدعياء وعلى الأخص أولئك الحثالة السفلة من إالنقطاء العتوفين من أمثال الإمَّع القذر والحقير المنحط درقاع السفتان الذي يستسخف حتى الترحُّم على أرواح الراحلين من طبقة اليسار المثقف كمثل نوال السعداوي وسعدي يوسف وغيرهما. وإن دلت هذه القذارة والحقارة والانحطاط على شيء فإنها تدل على حقيقة أن هذا الإمع الجاهل والحسود والكذوب والمتحدِّر من أصول غائطية خروية ليس في حوزته سوى توزيع المديح والتملق والتزلف لمن هم في مصاف من لم يفتأ يلعق أحذيتهم وأستاههم من أسياده من أذناب شبيحة النظام الأسدي الإجرامي الفاشي، وذلك تبعا للمبدأ الغابي والحوشي الشهير -ليس حبا بعلي بل كرها بمعاوية- - هذه حقيقة

اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو