الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في أسباب تفشي ظاهرة النفاق والتملق.

خطاب عمران الضامن
باحث وكاتب.

(Khattab Imran Al Thamin)

2019 / 7 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يمكن وصف ظاهرة النفاق على أنها إظهار الإنسان عكس ما يؤمن به، بهدف كسب رضا الآخر والانتفاع منه، أو اتقاء شره، وربما إيذائه لاحقاً.

أما التملق ونسميه بلهجتنا العراقية ( اللواگه)، فهو يتعدى مفهوم النفاق البسيط إلى التفنن في مدح من لا يستحق، ومنها الترويج لشجاعة جبان، وشرف خائن، ونزاهة لص، وصِدق كاذب.
في عصرنا الحاضر، وفي العراق تحديداً، يسعى المنافقون واللوگية بنفاقهم ولواگتهم للحصول على المال بالدرجة الأولى، والتقرب من السلطة، لتعويض نقصهم المالي والاجتماعي والسياسي والوظيفي.

وبما إنني كنت من المهتمين بهذا الشأن، فقد انتقدت في مقالات عدة ممارسات النفاق واللواگه، ودعوت إلى مجتمع يتصف بالصراحة والنزاهة والصدق، حيث تُمنح الوظائف والمناصب والاموال لمستحقيها حسب القانون، كل هذا كان قبل غزو داعش لمناطق شمال غرب العراق عام 2014م.
في عام 2015م، وفي ظل ظروف النزوح الرهيبة ومأساة انهيار الدولة، تابعت أحد صغار اللوگية، والذي كان يُصدع رؤوسنا بمدح أحد رموز سرقة الأموال العامة المخصصة لبناء المدارس والمستشفيات وتقديم الخدمات الصحية، ومشروعات الماء وتبليط الشوارع، وتوفير فرص العمل للشباب، كان وضيعاً حد الاشمئزاز!.

تعرض هذا اللوگي البسيط إلى موجات من الانتقاد والتجريح، فاضطر الى مصارحة الجميع بالظروف القاسية التي دفعته إلى النفاق فقال على ما أذكر:

"يلومني الكثير من الأقارب والأصدقاء على تمجيدي لفلان، أيها الإخوة: منذ فترة طويلة وأنا عاطل عن العمل، وهذا الشخص يرسل لي مبلغ 500 ألف دينار كل شهر، وفي ظل ظروف النزوح الحالية، تكفل بدفع ايجار منزلي، وقوت عيالي، فهل تلوموني على مدحه؟".

غيرت هذه الحالة وجهة نظري تجاه هذا الشخص، وتجاه معظم المنافقين واللوگية، وساعدتني ظروف داعش والنزوح على تفهم ظروفهم المعيشية والاجتماعية القاسية بشكل أعمق، فهُم أفراد حُرموا من العيش بظروف معاشية واجتماعية كريمة، لأسباب قد تتعلق بمستوياتهم الذهنية والتعليمية والمهنية والاجتماعية، وأسباب تتعلق بالحروب والصراعات التي عصفت بالبلد منذ عقود، حيث ضعف دور الدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية للمواطنين، فانقلبت الموازين الوظيفية والقانونية والاجتماعية، ومكنت البعض من الاستيلاء على أموال عامة طائلة، وسلطات مطلقة في منح الوظائف والمناصب دون وجه حق، فاستخدمت جميعها لإغراء الشرائح المسحوقة والمظلومة في المجتمع، لتحقيق اهداف سياسية لشخصيات وأحزاب وتيارات سياسية ودينية، فحينما عجزت الدولة عن خلق فرص عمل وتوزيعها بشكل عادل، وأخفقت في تقديم اعانات مالية وعينية تسد رمق بعض الفقراء، وتخفف من مأساتهم، اضطروا لممارسة النفاق واللواگه لكسب قوتهم وتعويض نقصهم المالي والاجتماعي.

أعزائي.

المثال الذي عرضته على حضراتكم ليس عذراً أقدمه لظاهرة النفاق، وهو لم يغطي جميع أسبابها، انما هو محاولة لتوضيح دور الظروف المعيشية والاجتماعية والسياسية القاسية، التي تضطر بعضنا لتزوير الحقائق، وممارسة الكذب على الذات وعلى الأخرين، في سبيل تحقيق المكاسب وتجنب الاخطار.

دور الدولة في حفظ كرامة الافراد.

في الدول المتقدمة، تلتزم الدولة بتقديم مساعدات مالية وعينية للعاطلين عن العمل، وللمرضى والايتام والارامل وكبار السن، تضمن لهم الحد الأدنى من ظروف العيش بكرامة، وتجنبهم مخاطر الوقوع في الاعمال المخالفة للقانون والأخلاق العامة، أما في العراق ومعظم الدول العربية، فالعاطل عن العمل، والمريض واليتيم والارملة وكبير السن يُترك لُيصارع ظروف الحياة القاسية، ومتطلباتها الثقيلة، فيضطر للنفاق والتملق وربما ارتكاب جرائم لكسب قوت عائلته، وتعويض حرمانه المادي والاجتماعي والسياسي.

في الختام، أشدد على أن دور الدولة أساسي وحاسم، فهي حين تهيمن على المقدرات المالية للبلاد، تتحمل في نفس الوقت المسؤولية في تنميتها وتوزيعها على الافراد بشكل عادل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب