الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الإستخبارات (174) التوزيع المرجعي

بشير الوندي

2019 / 7 / 23
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الإستخبارات (174)

التوزيع المرجعي

بشير الوندي
------------
مدخل
------------
نتناول ضمن سلسلة التوزيع الإستخباري نوعاً مهماً وخطيراً في نتائجه هو التوزيع المرجعي , وهو امر يشكل معضلة كبيرة في جسم الاجهزة الإستخبارية في البلدان النامية وفي العراق خصوصاً ,فعندما تدخل مكتبة كبيرة تلاحظ ان الكتب مرتبة وفق نظام يسهل تناولك للكتاب المطلوب , كتب التاريخ , كتب الاطفال , روايات , كتب علمية .. وغير ذلك , ولو وردت اية طلبية كتب فسيتم توزيعها بسهولة ويسر , وبخلاف ذلك تصبح المكتبة فوضى وكذا الامر في مايجب ان تقوم به الاجهزة الإستخبارية من خلال توزيع المهام للتخلص من الفوضى التي تستفيد منها التشكيلات الارهابية والعصابية.
------------------
توزيع المهام
------------------
ان مثال تصنيف المكتبة يشبه الى حد كبير مايجب ان تقوم وفقه الاجهزة الإستخبارية المعلوماتية , فالاجهزة الإستخبارية في كل بلد كثيرة وتعمل في مجالات متقاربة , فلابد من وجود جهة مرجعية مهمتها ضبط ايقاع تلك الاجهزة وهي مانسميها بإدارة المجتمع الإستخباري التي نفتقدها في العراق للأسف الشديد .
ان لكل دولة أهدافها وتحدياتها التي يتم تحويلها الى واجبات تتولى الاجهزة الإستخبارية بمتابعتها , ومثلما تكثر الأهداف والتحديات , فإن الاجهزة الإستخبارية تتنوع وتتعدد في كل بلد , فيصبح من المنطقي ان يتم التنسيق بين تلك الاجهزة , فيكون لكل جهاز أهداف ومهام محددة يتجسس عليها ويحققها ويخترقها ويوقع بها سواء كانت أهداف استراتيجية او مرحلية , ولا يجوز ان يكلف جهاز بأهداف متشابهة مع جهاز اخر , مما يساعد في التكامل والاتقان وفك الاشتباك والتكرار والتداخل , فمثلاً , جهاز يستخبر عن الارهاب وآخر عن المخدرات وثالث عن المعلومات العسكرية ورابع عن التهريب وخامس عن التزوير وهكذا مع باقي المهمات والأهداف , وبمعدل مهمتين او ثلاث لكل جهاز .
ومع تصاعد التهديد في بعض الجرائم , تُسند الى الإستخبارات أهداف مرحلية مؤقتة بجانب أهدافها الاستراتيجية , من قبيل مرور البلاد بموجات تجارة الأعضاء البشرية او عصابات السطو المسلح او تزايد تجارة المخدرات او تهريب العملة الصعبة , ففي تلك الحالة تخول الاجهزة الإستخبارية بالإستخبار عن تلك الجرائم بالاضافة الى وظائفها الثابتة , وتقسم تلك المهام المؤقتة هي الاخرى على الاجهزة الإستخبارية بلا تداخل .
وهنا يأتي الدور المحوري والمركزي لإدارة المجتمع الإستخباري , وهي المؤسسة الجامعة التي تضم ممثلين عن كافة الاجهزة الإستخبارية والتي تقاد من قبل رأس السلطة او من ينوب عنه , ليتم تحديد متطلبات الدولة والأهداف المطلوبة ومن ثم تقسيم المهام بين الاجهزة , ليصبح كل جهاز مختص بالعمل على الأهداف الرئيسية الثابتة له مع اسناد بعض المهام المرحلية لكل جهاز .
ان التوزيع المرجعي هو عمل محترف واختصاصي يبين قابلية التنسيق والتعاون ونجاح المجتمع الإستخباري في الفرز والتركيز والتهديف وتحديد المسؤولية والواجبات , فيصبح كل هدف مرصود ضمن مرجعيته الإستخبارية , وهنا تبرز وتوضح واجبات كل جهاز وأهدافه دون الآخر فتتطور عملية التركيز والتهديف على الأهداف دون غيرها.
------------------------
مرجعية المعلومة
------------------------
ان علة فشل الاجهزة الإستخبارية المتعددة تكمن في تشابك المهام بحيث ترى ان كل جهاز إستخباري يستخبر عن كل شيء ويغوص في كل شأن , وحينها يفشل الجهاز الإستخباري في كل المهام وسيستنزف كل قدراته.
ان تقسيم المهام المعلوماتية الإستخبارية لاتعني التعامي او اغفال المعلومات التي تقع خارج اختصاص الجهاز الإستخباري المعين , ففي بعض الاحيان يكلف جهاز ما بالتجسس على التنظيمات الارهابية ويعثر اثناء عملياته على معلومات تخص تجارة المخدرات مثلاً , وهي ليست ضمن مهامه وفق الواجبات المقسمة , هنا يتحتم على الجهاز بإرسال المعلومات المستحصلة الى الجهاز المعني بهذا العمل ويتيح له متابعة الموضوع , هكذا بكل بساطة وبلا تعقيد او بيروقراطية او استئثار او مزايدة او تسابق سمج يضر بالبلاد وبالمهمة .
وفي بعض الاحيان قد تتوصل الإستخبارات الخارجية الى كارتل او عصابة تقوم بالتهريب داخل البلد لكن المعلومات حصل عليها الجهاز خارج البلد , لذا يرسلها الى الإستخبارات المختصة , وقد ينفذ لها متطلباتها اللاحقة ويوفر لها ما تريد لاحقاً لأن مساحة عمله خارجية وهو صاحب التخويل بالعمل الخارجي دون سواه.
ان نقل المعلومات من جهاز إستخباري الى آخر وفق الاختصاص يتم بشكلين , فإما ان ترسل المعلومات المستحصلة عرضاً الى الجهة الإستخبارية المعنية , او ان يتم ربط المخبر او المصدر بالجهة الإستخبارية , فمرّة يرسل جهاز إستخباري مختص بتهريب المخدرات معلومة الى الجهاز الإستخباري المختص بالاتجار بالبشر ليخبرهم بمعلومات تحصل عليها تدخل في اختصاصهم , او ان يقوم بربط المخبر بهم ليتولوا العمل معه حول المعلومات الخاصة بجهازهم شريطة ان يكون المخبر فاعل في المجال الخاص بالمعلومة , اما اذا لم يكن كذلك فيتم نقل خدماته الى الجهة المعنية بالموضوع لتجنب التداخل والتفريط بالجهد, وهنا يبقى الجهاز مركزاً على أهدافه دون تشويش او خلط بين الأهداف .
ان التوزيع المرجعي لايسمح للجهاز الإستخباري بالانشغال عن مهامه الاساسية , فمثلا جهاز امني إستخباري يتوصل الى خيوط ومعلومات لاتخص جهازه , فحينها لايسمح له برفع المعلومات وتوزيعها توزيعاً رأسياً او قضائياً , اي لايجوز له ان يتولى القضية , ففي ذلك مخالفة وخرق للقواعد ويحاسب عليها , ففي الدول المحترفة , لو ان جهاز إستخباري عسكري ضبط او توصل الى معلومات عن صفقة مخدرات وتولى العملية الى القاء القبض والمحكمة , فإن الجهاز لايكرم على الانجاز وانما يعاقب على ذلك لأنه انشغل عن اختصاصاته , ولأنه لايستطيع الاحاطة بالموضوع كون ان خلفيات عصابات المخدرات ليست لديه مما قد يؤدي الى افلات البعض من العدالة .
فكم من مثل تلك التجاوزات حصلت في العراق وكان من نتيجتها افلات عتاة المجرمين وعدم التنبه الى شخصياتهم العصابية الحقيقية لأن ملفات الاعترافات السابقة عليهم موجودة في قبو جهاز إستخباري آخر لايعلم بان جهاز إستخباري آخر قد تولى مهام معلوماتية عن تلك الشخصية .
ان من غير المعقول ان يقوم جهاز إستخباري بدور جهاز امني او إستخباري اخر حتى وان قام بعملية ناجحة لان هذا يحدث فوضى لاحقاً ويشتت العمل, فقبل عدة سنوات خرج مدير الشؤون في وزارة الداخلية لدينا على التلفاز يتكلم بإنتشاء عن نجاح مديريته في إختراق خلية ارهابية واعتقال عناصرها , طبعاً في الدول المتقدمه يحال هذا الشخص الى المحكمة بدلاً من تكريمه , لان واجبه هو مراقبة عناصر الشرطة أمنياً وليس مكافحة الارهاب , وكان عليه ان يعطي المعلومات الى الجهة المرجعية لا ان يقوم بها هو .
كما ان من امثلة الخلل في عدم التنسيق بين الاجهزة هي العبارة الكارثية التي نسمعها احيانا بين الاجهزة الإستخبارية وهي ..مقاطعة المعلومات بين الاجهزة , وهو مؤشر خطير يبين ان اجهزة الدول الإستخبارية تعيش فوضى على أهدافها وتعمل بشكل متوازي ضد هدف معين , وإلا كيف يكون هنالك تقاطع للمعلومات , وهل هناك جهازان يعملان على هدف واحد؟؟.
ان التداخل في العمل الإستخباري يحدث الفوضى ويضيع امكانية تحديد المسؤولية في العمل الإستخباري , ويحيل الإستخبارات الى جهاز مشتت يعمل بمزاج رئيسه دون اية مسؤولية.
----------------------------
فوائد تقسيم المهام
----------------------------
لكي يكون هنالك توزيع مرجعي للمعلومة لابد من تقسيم المهام , ولتقسيم المهام لابد من إدارة للمجتمع الإستخباري , ولكي نكون صريحين اكثر , فإن الاجهزة الإستخبارية المترهلة في البلدان النامية تراوغ في التخصص وتتملص من الواجبات المحددة الواضحة , لأن التخصص سيضع معياراً حاسماً يتبين فيه عجز الجهاز الإستخباري ويكشف سوء الإدارة والاداء , لذا تسعى إدارات الاجهزة الإستخبارية في تلك البلدان الى تمييع وعرقلة اية محاولة لتقسيم الواجبات كي تهرب من المسؤولية , وهو مثال صارخ لما يحصل في بلداننا .
فلو ان هنالك إدارة مجتمع إستخباري تجمع الاجهزة الإستخبارية وتحدد الواجبات ويتم توزيعها على الاجهزة بدون اي تداخل او لبس , فحينها ستتحقق امور عدة منها :
1- سيكون كل جهاز إستخباري قد ركز في واجباته من دون تشتيت .
2- ستتوافر لكل جهاز قاعدة بيانات كانت في السابق متناثرة ومبتورة وموزعة مابين سجلات الاجهزة الإستخبارية الاخرى , وحينها ستتوافر معلومات وافية تتيح الايقاع بالعصابات والتنظيمات الارهابية .
3- سيبرز للعيان مدى نجاح او فشل كل جهاز إستخباري على حدة , فالفشل او النجاح في مكافحة المخدرات سينسب الى الجهاز المسؤول عن تلك المهمة دون سواه , وحينها سيتم تحديد المسؤولية والخلل , وهي الخطوة الاولى في طريق الاصلاح .
4- ان تقسيم المهام والأهداف فيما بين الاجهزة الإستخبارية , سيتيح لإدارة المجتمع الإستخباري (وهي إدارة غير موجودة في العراق للأسف الشديد) ان تقوم بإعداد الخطط السنوية ورفع مستويات الانجاز, وتحديد النواقص واحتياجات الاجهزة وتطوير الموارد البشرية .
---------------------------
طبيعة تقسيم المهام
---------------------------
ان تقسيم المهام بين الاجهزة الإستخبارية (وحتى الامنية ) يتم على أحد شكلين , فأما ان يكون التقسيم على اساس العدو , أو ان يكون على اساس نوع الجريمة , ففي الحالة الاولى نقول ان لدينا أهداف تتمثل بتنظيم ارهابي معين وعصابات المخدرات وعصابات التهريب وعصابات التزييف وعصابات الاتجار بالأعضاء وغير ذلك , فهنا يتم توزيع المهام وفق العدو فيكون لكل تنظيم او مجموعة تشكيلات الجهاز الإستخباري الذي يتابعها .
واذا حددنا أهدافنا وفق الجريمة فتكون أهدافنا مثلاً التهريب والاتجار بالمخدرات وتزييف الاموال والجاسوسية .. وغيرها , وحينها سيختص كل جهاز بمتابعة جريمة ما او عدد من الجرائم .
وفي بعض الاحيان يتمثل الجرم والجريمة في كيان عصابي واحد فحينها يختص جهاز إستخباري به على انفراد ومثال ذلك ان يكون واجب جهاز إستخباري ما هو تنظيم داعش فقط , فحين يكون تنظيم او عصابة ما مثل داعش وغيرها متعدد المهام (ارهاب وتهريب وخطف وآثار وسرقة النفط والاتجار بالبشر وغيرها )اي انه عدو متعدد الاعمال الاجرامية , ففي تلك الحالة يذهب المجتمع الإستخباري لأحد خيارين : فإما ان يوزع جرائم التنظيم بين الاجهزة الإستخبارية كل وفق اختصاصه , فيكون الجانب الخاص بزراعة والاتجار بالمخدرات من اختصاص جهاز مكافحة المخدرات والجزء الخاص بالارهاب يعطى لجهاز آخر مثلاً وهكذا , او يذهب الى تكليف جهاز إستخباري بكل جرائم التنظيم , اي ان توكل كافة مهام هذا التنظيم الى جهاز إستخباري محدد بالعمل على جميع الملفات الخاصة به .
وهنا ننوه الى ان الإستخبارات الخارجية مستثناة من توزيع المهام , لأن مهمتها واضحة , فهي الوحيدة المخولة بالعمل خارج البلاد , الا انها ستجد الكثير من المعلومات الخاصة بباقي الاجهزة فتقوم بإرسالها الى باقي الاجهزة , وكذا فإنها تعمل مع بعض الاجهزة على بعض الملفات التي يتداخل بها داخل وخارج البلاد كالعصابات الدولية وغيرها .
-----------------------------------------------
التوزيع المرجعي المفقود في العراق
-----------------------------------------------
ان لدينا عدة تشكيلات إستخبارية كإستخبارات وزارة الداخلية بتفرعاتها وإستخبارات الحشد الشعبي والإستخبارات العسكرية والإستخبارات والامن ( وزارة الدفاع ) وإستخبارات جهاز مكافحة الارهاب وإستخبارات قيادات العمليات وإستخبارات البيشمركة والاسايش وجهاز الامن الوطني وإستخبارات الشرطة والمخابرات , وبذا قد يكون العراق من اكثر الدول تشكيلاً للاجهزة الإستخبارية التي لا تلتقي ضمن مرجعية إستخبارية تقسم مهامها وتضبط ايقاع ادائها .
ان عدم وجود كيان جامع لكل تلك الاجهزة الاستخبارية يفتح المجال للفوضى والتسيب , فلو انك سألت سؤالاً بسيطاً لأي جهاز إستخباري عراقي : ماهي مهمتك ؟ لأجابك : اكافح الارهاب , وحين ترى ان المخرجات تشير الى تراجع البلاد امام الارهابيين , حينها لاتعرف من هو المسؤول , لأن الفشل الإستخباري في مجال مكافحة الارهاب سيتوزع على الجميع ولاتستطيع الامساك بجهة محدد لتحاسبها .
ان من مظاهر التراجع الاستخباري لدينا هو فقدان بوصلة المعلومة , فلو ان اي جهاز في الدولة اكتشف وجود عصابة تهريب آثار مثلاً , فإنه لاأحد سيعرف الى اي جهاز سيذهب بالمعلومة ومن هو المسؤول دون غيره عن متابعتها , وهنا تبرز الكارثة ويبرز الفشل وتعم الفوضى , ويكون المستفيد الوحيد هي التنظيمات الارهابية وعصابات الجريمة المنظمة .
ان احد اكبر حالات الخلل لدينا يتمثل عدم وضوح المرجعية , فالجميع يستخبر عن كل شيء , فمثلاً من هي ياترى المرجعية الإستخبارية العراقية لمكافحة بقايا داعش؟؟ .. لا يستطيع احد الاجابة , لأنه اساساً لا يوجد مرجع إستخباري , فالجميع يعمل على داعش فيضيع الهدف ونذهب الى الاحتمالات وكتابه تقارير هلامية من قبيل ينوي داعش , يريد داعش , سوف يقوم داعش , يسعى داعش , يهدف داعش الى تفجير سيارات مفخخة في المدن ..وهي كلها تقارير لاتساوي قيمة الورق الذي تكتب عليه , وترفع فقط ليقال ان الجهاز الإستخباري الفلاني نشط ويقظ , فيكتب كل فتره عن نية داعش ورغبة داعش وأماني داعش بلا اية أرقام او معلومات او أهداف او جهد حقيقي .
------------
خلاصة
------------
ان الخطوة الاولى في طريق الاصلاح تتمثل في وجود ادارة للمجتمع الاستخباري مهمتها ضبط الاداء وتوزيع الادوار والاهداف والمحاسبة عليها ومن ثم فك الاشتباك في المعلومات والاهداف , وحينها سيتبين المسار السلس للمعلومات وفق الاختصاص ويبرز التنافس الحقيقي في النجاح التكاملي لأجهزتنا الاستخبارية وينجح التوزيع المرجعي وتتبين مواقع الخلل , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس يقول إن إسرائيل ألحقت الهزيمة بح


.. وزير الدفاع الإسرائيلي يؤكد هزيمة حزب الله.. ماذا يعني ذلك؟




.. مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة: أكثر من 300 ألف إنسان يعيش


.. أسامة حمدان: جرائم القتل ضد شعبنا ستبقى وصمة عار في وجه الدا




.. حرب وفقر وبطالة.. اللبنانيون يواجهون شقاء النزوح ونقص الدواء