الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المراحل التاريخية لتطور المجتمعات البشرية وفق المنهج الماركسي (3)

محمد يعقوب الهنداوي

2019 / 7 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


وفقا لمنهجه، المادي التاريخي، رأى ماركس أن البشرية عاشت أولا مرحلة من المشاعية البدائية حيث كانت التجمعات البشرية تعتمد على جمع القوت ولا تكاد تنتج ما يفوق كفايتها، فكان أفراد الجماعة يتشاركون في ما يحصلون عليه من موارد يعيشون عليها.

وما أن أصبحت قدرات البشر تتيح لهم الحصول على أكثر مما يحتاجون اليه حتى توفر لديهم الفائض المادي، وأدى وجود هذا الفائض المادي الى احتكاره من قبل البعض من دون الآخرين، فتسبب بظهور الملكية الخاصة.

ومع نشوب الصراعات بين الجماعات البشرية البدائية على الأرض ومواردها، أصبح المنتصرون لا يقتلون أسراهم بل يستغلونهم في الإنتاج الزراعي وغيره من صنوف العمل الضروري أسوة بالحيوانات. وشيئا فشيئا نمت تلك المظاهر والممارسات لتنشأ عنها طبقة العبيد الذين لا يمتلكون حريتهم، وتعود ملكيتهم لزعماء الجماعة البشرية التي تستعبدهم، فظهرت بذلك مجتمعات ملاك العبيد التي تطورت فيها علاقات جديدة للملكية والسلطة والتعامل بين الأفراد.

وأدت التطورات اللاحقة الى نشوء المجتمعات الاقطاعية التي تطورت فيها وسائل الإنتاج وعلاقات الملكية حيث أصبح الفلاحون الأقنان أعلى منزلة من العبيد ولكنهم أدنى منزلة من الناس الأحرار، ويبقى مصيرهم ومصير أسرهم وأطفالهم مرتهناً للإقطاعي الذي يملك الأرض ومواردها ويتحكم بالتالي بما يمكن ان يناله الفلاح اضافة الى تحكمه بحياته ووجوده كله وكل ما يمتلك.

ومن المهم الانتباه الى أنه كثيرا ما كان يحصل عبر التاريخ وفي مختلف البقاع أن تتعايش أو تتجاور أو تتداخل أنماط إنتاجية متعددة في الوقت نفسه أو في فترات زمنية متقاربة، مما يعني أن هذه المراحل لا تتعاقب بشكل ميكانيكي في جميع الأحوال، بل ان لكل مجتمع ظروفه وشروط تطوره الخاصة ومعطياته، لكن هذا الخط التقريبي يوضح تمايز المجتمعات البشرية من حيث مستويات تطور قواها الإنتاجية وعلاقاتها وأنظمتها وقواعدها وأعرافها وشروط المُلـْكيّة فيها.

ومع العصور الوسطى (حوالي القرن الرابع عشر والخامس عشر) بدأت ظواهر جديدة تبدو في آفاق الأمم الأوروبية المبعثرة في اقطاعيات ودويلات صغيرة آنذاك، إذ بدأت حملات التمرد على السلطة الكنسية مع صعود الفكر العلمي ونزعات التوسع والاستكشافات الجغرافية والسعي الى استعمار الأمم البعيدة نسبيا والحاجة الى تأمين طرق الوصول اليها مما عزّز طرق المواصلات البرية والبحرية والحاجة الى حمايتها عسكريا، وما حققته تلك المستعمرات الجديدة من موارد مادية مهمة أسست لقيام الاستعمار الحديث.

وما لبثت بوادر الثورة الصناعية أن بزغت في اكتشاف قوة البخار واستغلال مناجم الفحم وانتاج المكائن وصولا الى تطور صناعات الفولاذ واختراع الكهرباء واللاسلكي وثورة الاتصالات البرقية وبناء الجسور والقطارات وسكك الحديد والبواخر الضخمة.

ونتيجة لكل ذلك، وكحصيلة لتراكمه، تسارع نمو المدن الكبرى التي أخذت تستقطب الفلاحين من القرى والأرياف لرفد المعامل الجديدة والقاطرات باليد العاملة الضرورية لتسييرها، واصطدم ذلك طبعا بمصالح الاقطاع الذي بدأ يفقد سطوته وسلطته على الفلاحين الأقنان الذين صاروا ينزحون الى المدن ليشتغلوا في المشاريع الصناعية الصاعدة، فأخذ يحارب الطبقة الصناعية الجديدة متهما إياها بإفساد الفلاحين وتخريب الأرض والمجتمع ومعاداة الدين وإرادة الله وخرق التقاليد والأعراف.

وكانت ردة فعل الطبقة الجديدة أن أعلنت ثورتها التحررية ضد الطبقة الاقطاعية ومقومات سلطتها ودعت الى إطلاق الحريات وتنوير البشر ونشر العلم والمعرفة وتطوير الصناعة وحرية التجارة وغير ذلك مما سيشكل مظاهر الثورة البرجوازية ومعالم المجتمع الجديد.

لكن البرجوازية التي رفعت كل تلك الشعارات لاجتذاب العمال من المزارع والأرياف، لرفد معاملها ومنشآتها، سرعان ما ستنقلب على هؤلاء العمال حين يبدأون بالمطالبة بحقوقهم وتقاضي أجور عادلة وساعات عمل منصفة ومساكن لائقة ورعاية صحية وظروف عمل إنسانية.

وهنا بدأت معركة رأس المال مع العمل، أو البرجوازية ضد الطبقة العاملة (البروليتاريا الصناعية)، وليدخل التاريخ عصر الرأسمالية من أوسع أبوابه...

ومن المفارقات التاريخية الجديرة بالتنويه هنا أن الامبراطوريتين اليابانية والعثمانية كانتا تعيشان في المرحلة نفسها تقريبا، من حيث التطور، وتمران بظروف التخلف والرجعية والهيمنة الاقطاعية نفسها على وسائل الانتاج والقوى المنتجة، وسيادة النظام الوراثي المستند بقوة على اللاهوت الذي يمنح الامبراطور وأسرته وبطانته وسلطانه قدسيته، واستمر هذا الحال الى ما بعد منتصف القرن التاسع عشر.

لكن الصدمة الحضارية والعلمية التي تعرضت لها الإمبراطوريتان دفعتا الطبقات الصاعدة فيهما الى إدراك الهوة الهائلة المتسارعة الاتساع التي كانت تفصلهما عن أوروبا الصناعية وبرجوازيتها الصاعدة بقوة وضرورة اللحاق بها.

وبينما حاول العثمانيون تحديث جيوشهم وقواهم العسكرية وتوظيف إمكاناتهم وثرواتهم لتقوية سلطانهم وتعزيز هيمنتهم الدكتاتورية التسلطية على مستعمراتهم القائمة آنذاك، ولكن بأساليب الحكم نفسها وعقلية الإدارة القديمة، عمد اليابانيون الى تنفيذ خطة جذرية صارمة وحاسمة استهدفت تحديثا منهجيا سريعا يقوم على "استيراد" ونقل مفاهيم ومنظومات التنوير والتعليم والإدارة الحديثة، الى جانب تسخير ما لديهم من ثروات في استنساخ ثورة التصنيع الأوروبية وأدواتها وطرائق عملها.

وكانت النتيجة مذهلة تماما، فما أن بزغ القرن العشرين إلا وكانت اليابان دولة صناعية رائدة تنافس أوروبا علميا وصناعيا وتتحداها عسكريا، بينما أصبحت الامبراطورية العثمانية "رجل أوروبا المريض" المستلقي على فراش الموت بانتظار تقطيع أوصاله على يد القوى الأوروبية التي كانت ترصد كل حركاته وسكناته.

ولن تلبث الحرب العالمية الأولى أن تقوم لتشهد اندثار امبراطورية آل عثمان فيما اصبحت اليابان تحقق قفزات هائلة على طريق التطور على رغم ما عانته من عثرات وهزائم تسببت بها العقلية العسكرية الشرسة التي ستبالغ في عنجهيتها وهمجيتها ولن ترتدع إلا بعد أن تتلقى صفعتين بقنبلتين ذريّتين من الامبريالية الأمريكية الصاعدة، في أول استخدام للطاقة النووية للأغراض العسكرية في التاريخ.

* * *








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر