الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار انتظاري متعثّر وأزمات متداخلة مفتوحة

موريس نهرا

2006 / 5 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


مرت جلسة الحوار الأخيرة، بعد اسابيع من التوقف، من دون تفاهم على مسألة رئاسة الجمهورية التي حدد البعض تاريخ انهائها قبل 14 أذار الماضي. ومرة جديدة تأجل عقد الجلسة (الى 16 ايار الجاري)، في ظل احتمال شبه مؤكد بأنها لن تكون أفضل من ما سبقها.
واذا كان تلاقي المتحاورين على ان الحوار هو الحل، مهماً، لأن البديل عنه، سجال وتصعيد مفتوح على الأسوأ، فان الاهم في ان لا يبقى حواراً للحوار، ولتقطيع الوقت، واشبه بحوار طرشان، خصوصاً وان الدعوة اليه، ترافقت مع إشاعة اجواء التفاؤل، وابراز انه اللقاء الأول بين اللبنانيين اللذين كان متعذراً عليهم التلاقي قبل الانسحاب العسكري السوري من لبنان. لذلك فإن الفشل، يشكل خيبة كبيرة، ويضعف الثقة بالحوار وبالمتحاورين، ولو كانت جنسياتهم لبنانية، وطاولتهم صنع لبنان.
وتعود المراوحة والتعثّرفي الحوار لسببين اساسيين، الأول، يتعلق بتوازنات القوى الداخلية والطبيعة الطائفية للنظام والسلطة السياسية، التي تجعل اي تفاهم او خلاف، او تغيير في موقع سلطوي أو أكثر، محكوماً بمعايير طائفية ومذهبية فئوية، من الصعب القفز من فوقها. وهذا ما يجعل المعالجة والوصول الى حلول، امراً شائكاً، ويستدعي الكثير من الحذر والحساسية والوقت... وهنا تُختزل حصص ومصالح ومواقع الطوائف والمذاهب، بمصالح وأهواء زعاماتها، وعلى حساب المصالح الحقيقية لجماهيرها. اما السبب الثاني، فمرتبط بالعوامل الخارجية الاقليمية والدولية، وصراعاتها، وتأثير ذلك على الوضع اللبناني القائم وتناقضاته.
وكون المخطط الهجومي الأميركي الذي يستهدف السيطرة على منطقتنا وعلى ثرواتها النفطية، قد واجه ويواجه صعوبات وعثرات في مواقع عديدة فيها، فإنه لم يتمكن من الوصول حتى الآن الى نهايات ثابتة، في كل من العراق، وايران، وفلسطين، وسوريا، وبالطبع لبنان. كما ان القوى والمواقع المستهدفة، لم تتخلّ عن ممانعتها، كما لم تتحول الى موقع هجومي فعلياً، يعتمد سياسات قادرة على افشاله... وهذه الحالة بالذات، قد ابطأت اندفاعة الهجمة الأميركية، مما جعل اولئك الذين استعجلوا مواعيد حسم الصراع في لبنان، يقعون في خطأ الحسابات والتقديرات.
وان انتظار نتائج هذا الصراع المفتوح، تنعكس على وضع لبنان وتناقضاته، وعلى عملية الحوار فيه ووتيرته. إلا أن هذه الدرجة العالية من التأثّر، التي تتجاوز بمفاعيلها، اي بلد عربي آخر، ناجمة من هشاشة الوحدة الداخلية، وطبيعة التناقضات التي يستولدها النظام الطائفي وسلطته السياسية، التي تجعل قابلية زعامات الطوائف والمذاهب، في تناقضاتها وصراعاتها، مفتوحة على الاستقواء بالعوامل الخارجية، بوهم الاستفادة منها لتعزيز مواقعها. مما يحوّل لبنان الى ساحة مستباحة، يتداخل فيها الصراع اللبناني اللبناني، مع العوامل والاجندات والمصالح الخارجية. وهذا ما يزيد في تعقيد المشكلات، ويفقد لبنان مناعته، ومضامين استقلاله وسيادته الحقيقية.
والمشكلة هي في ان هاجس الطبقة السلطوية التي اوصلت سياستها البلاد الى المأزق، هو نفسه، سواء في الحوار ام خارجه. ويتلخص بالحفاظ على نظامهم، وتجديد مواقعهم وحصصهم، محجمين عن التحسس بهموم الناس وقضاياهم، إلاً كلامياً.. وهذا ما يبدو جلياً، ليس في اطالة عمر الأزمة فقط، بل وفي ما يُطرح في "الورقة الاصلاحية" كتمهيد لمؤتمر بيروت واحد، والتي يؤدي تنفيذها الى زيادة الضرائب والرسوم، وتحرير اسعار البنزين والمحروقات، ومضاعفة فاتورة الكهرباء، واحلال التعاقد الوظيفي محل الوظيفة الثابتة، اضافة الى الاقدام على خصخصة فجّة تلبي وصفات صندوق النقد الدولي، بذريعة الحصول على بضعة مليارات، لا تشكل حلاً لمشكلة المديونية التي تقارب الـ 45 مليار دولار، خصوصاً في ظل استمرار الفساد المستشري والهدر والصفقات.
واستباقاً لرفض هذه السياسات الباهظة الكلفة على العائلات الشعبية، يلجأ البعض سلفاً الى اتهام اي تحرك او معارضة لهذه الورقة، بانه مناقض لاستقلال لبنان وسيادته. وهذا ما برز في البيان الصادر عن اجتماع كتلة نواب تيار المستقبل، أواخر الأسبوع المنصرم، الذي جاء فيه: ان أي محاولة لعرقلة نجاح الخطوات الاصلاحية الممهدة لبيروت واحد، هي محاولات لضرب الانقاذ، وخدمة لهدف اساسي للمتضررين من استعادة لبنان حريته واستقلاله الكاملين.
وهذا الموقف، يحمل مفهوماً مشابهاً لما مارسته الانظمة العربية القمعية، التي اعتمدت في تبرير سياساتها الاجتماعية وتغطية فسادها، اسلوب اتهام أي قوة سياسية أو نقابية تدعو الى تحركات جماهيرية احتجاجية على الأوضاع الاجتماعية، بانها تضعف متطلبات المعركة الوطنية والقومية تحت عنوان ان (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة). وكأن القضية الوطنية (وهنا استقلال لبنان وحريته)، لا تتحقق إلا بالمزيد من تجويع الناس وافقارهم، لمضاعفة ارباح وثروات كبار ارباب المال.
ولكن، هل ان القوى المختلفة في الحوار، ستتوافق على الورقة "الاصلاحية" على حساب مصالح جماهير شعبنا؟ هذا ما ستكشفه الأيام القليلة القادمة.. وما نتمناه، ان لا يحصل مثل هذا التواطؤ...
ان المشكلات التي يواجهها شعبنا وبلدنا، لم يعد بالإمكان ايجاد حلول فعلية لها، بدون اصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي، يتجاوز السياسات القائمة، ويفتح باب التغيير الديمقراطي.. وهذا يقتضي حواراً من نوع آخر، لا يقتصر على ممثلي الطوائف والمذاهب، وبين اطراف برلمان مطعون في شرعية تمثيله لقسم كبير من شعبنا... ولكي يكون الحوار حقيقياً ومجدياً، لا بد ان تتمثل فيه كل القوى السياسية والهيئات النقابية والاقتصادية، وفي مقدمها قوى التيار العلماني الديمقراطي، وان يشمل مختلف المشكلات التي تتصل بحياة شعبنا وبناء الوطن والدولة الديمقراطية الحديثة..
وان استمرار الحوار كما هو الآن، لن ينتج حلاً ثابتاً وحقيقياً..
وحتى اذا جرى التوصل الى تفاهم بين المتحاورين راهناً، فانه يبقى عرضة للاهتزاز والانتكاس عند اي تغيير محلي او اقليمي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ تفوز بجائزة نوبل للآداب 20


.. إعصار ميلتون -الخطر للغاية- يجتاح سواحل فلوريدا ويخلف قتلى و




.. المستشار الألماني يعلن عن تسليم مزيد من الأسلحة لإسرائيل


.. صحيفة لوموند: غضب بايدن من نتنياهو لم يترجم إلى أفعال




.. مبعوث صيني: غزة جحيم حقيقي وعلى إسرائيل وقف حربها ضد المدنيي